زيد شحاثة
لم يعرف كثيرون غير العراقيين حجم الدمار الذي سببه نظام صدام والبعث خلال حكمه لأكثر من خمسة وثلاثين عاما, لا لأن الدمار لم يكن بينا فهو أوضح من أن يخفى أو يخفيه أحد.. لكن ما لا يعرفه الأخرون أن ما كشف من هذا التدمير والأذى لعامة الناس, لا يمثل إلا الجزء الأصغر من جبل الجليد المظلم.
الحكم بالحديد والنار وسلب الناس حرياتهم والقتل والتعذيب على الشبهة, وتدمير البنى التحتية ورهن مصير البلد وتبديد ثرواته, وإستعداء دول العالم وخصوصا جيرانه وتكبيل العراق بديون كلفته الكثير, كان من أهم جرائم نظام صدام والبعث.. لكن كانت هناك جريمتان لم تكونا ظاهرتين للعيان عند إفتضاح جرائم ومساوئ النظام..
أولاها وأخطرها كان محاولة التحطيم الممنهج والمنظم للشخصية والإنسان العراقي, والعمل لسحقها تماما من خلال الرعب والإفساد والإفراغ الفكري والعقائدي, وزرع مختلف الأفكار المنحرفة والدخيلة بل وتمويلها ورعايتها, كما ترعى البذور الخبيثة.. وهكذا حركات وخصوصا ممن تعمل بفكرة ” الضد النوعي” كان لها الأثر الكبير في تفتيت المجتمع وتقسيمه, وزيادة الأمراض المجتمعية أو إعادة من مات منها.. وسنظل نعاني من تبعاتها زمنا طويلا..
ثاني الأثافي والمصائب الفظيعة التي لم نلتفت لها عمليات التزييف المنظم والممهنج للفكر والتاريخ, والتي بدأت مع ظهور البعث وقبل تسلمه للحكم من خلال واحدة من أفكارهم المريضة والمنحرفة وتدعى “إعادة كتابة التاريخ” واخطر ما فيها هو إلتزام كثير من رجاله بهذا المنهج حتى بعد زوال النظام وضياعه في مزابل التاريخ.. فيظهر لنا بين فترة وأخرى مأجور أو موتور أو طالب شهرة, ليحاول الدس والتدليس بتاريخ العراق أو الأمة ورجالها, ليحاول تزييف ما يظنه مؤثرا من خلال الإدعاء براوية أسرار كانت مخفية, فيخلط حقائق بأكاذيب ظنا منه بانها ستمر, لكن من ظلموا من البعث لازالوا موجودين ويعرفون الواقع وحقائقه الثابتة التي لا يمكن إنكارها.
بعد أكاذيب المدعو “سليم الحسني” ومحاولاته المستمرة للنيل من مقام المرجعية, محاولا وضع لبنات للتشويش على تاريخ المرجعية الناصع كمؤسسة وكشخوص يقتدى بها, والذي تصدت له كثير من الأقلام الشجاعة لرد كيده في نحره وكشف زيفه وكذب ما يدعيه.. يعود لنا اليوم مخادع ومزيف أخر للتاريخ يدعى “حميد عبد الله” محاولا تكرار أكاذيب يدعي في ظاهرها أنه ينشر أسرار تخص أحداث حصلت زمن مرجعية السيد محسن الحكيم قدس, من خلال تلميحه لوجود تواصل ما بين نجل المرجع الراحل الشهيد مهدي الحكيم وبين نظام الطاغية, وهي كذبة لا أغرب منها إلا إتهام النظام البعثي للشهيد بالعمالة لدولة أجنبية.. مع علمنا بأن النظام حكم الشهيد بالإعدام غيابيا, ثم إغتاله في السودان في جريمة سببت فضيحة دولية حينها, بعد فشله في تخويفه أو إغراءه أو منعه من فصحهم رغم تهديدهم إياه بشتى الوسائل..
من يقرأ كتابات هؤلاء وأمثالهم بشكل سطحي, سيرى محاولاتهم لاتعدوا عن كونها إتهامات خسيسة تستهدف شخصيات عظيمة كان لها دور عظيم.. لأسباب تعلق بخلاف سياسي أو ربما يظنه إشتباها يقع فيه أحيانا بعض المؤرخين أو رواة الأحداث, أو في الأقل كرها شخصيا وحقدا من الكاتب.. لكن من يفهم عقلية البعث المريض وكيف يفكر أمثال هؤلاء المنحرفون ومن يقف وراهم.. سيتيقن بأن القضية أبع من أن تكون شخصية وأنها تستهدف وعي الأمة من خلال إستهداف رموزها وقادتها العقائديين الفكرية أو الجهاديين أو الإجتماعيين.. من خلال التشكيك بهم و محاولة زرع حواجز نفسية تفصلهم عن قاعدتهم الجماهيرية..
يقال أن ما نراه من جبل الجليد لا يمثل إلا أقل من ربع حجمه الحقيقي, وأن الباقي يكون غير مرأي لأنه تحت الماء.. وأمثال حميد عبد الله وسليم الحسني وغيره كثيرون, وسيظهر غيرهم من المأجورين من الذي يسعون لتزييف التاريخ وحقائقه.. فالصراع بين الخير والشر لن ينتهي مادامت الدنيا.. فهؤلاء هم جزء من جبل الظلم الأسود المخفي الذي جثم على صدر الأمة لأربعة عقود تقريبا, ولن يتوقف شرهم وبثهم لسمومهم قريبا.