عبدالسادة البصري/ العراق
قبل أيام كنت أتحدّث مع صديقي عن الزراعة أيام زمان، وكيف كنّا نصدّر منتوجاتنا إلى العديد من دول الخليج وبشتى الأصناف والأنواع. قلت له :ــ كان التمر يعبأ في صناديق و(حلاّنات) وأكياس نايلون، ويصدّر إلى الخارج كما الحنّاء والخضروات والفواكه، كنّا نتمتع بمنظر الزوارق الكبيرة (اللنجات) والمهيلات والبواخر وهي تمخر الشط ذاهبة وآيبة تحمل ما تجود به أرضنا مما يبدع في زراعته الفلاح العراقي.
وحين أذهب بالسيارة من الفاو إلى البصرة وبالعكس كنت أبصر داليات العنب وبساتين التين والرمان والتفاح الأخضر وهي تحيط بالشارع كأنها مزهريات زينة. الآن لم تعد مثلما كانت عليه، حيث انحسرت ابتداءً من أوائل الثمانينيات حين اشتعلت الحرب الرعناء فمات النخيل محترقاً، واشتعل ماء الشط بالقنابر والرصاص وجثث الضحايا، لم تعد داليات العنب غير أعواد يابسة أكل عليها الدهر وشرب، تنعى زمانا مضى، إضافة إلى ملوحة الماء التي ترتفع نسبتها يوما بعد آخر دون العمل على إيجاد حل ناجع لها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الأرض البور اتسعت والنخيل صار حطبا بعد أن جف نسغ حياته، والأرض يباب من بغداد وحتى آخر نقطة في جنوب الفاو.في منطقة شمال البصرة تسمى (أم عنيج ) اعتمد بعض الفلاحين على الآبار لزراعة بساتينهم التي باتت مزارع للطماطة والرقّي والبطيخ وبعض الخضروات، لكن بلا دعم وتشجيع حكومي في تسويق منتوجاتهم، فأخذوا يعرضونها على قارعة الطريق في صناديق وبأكوام لبيعها بأسعار زهيدة دون أن تسد حتى رأس مالهم بسبب شراء الناس الخضروات المستوردة التي تغرق أسواقنا، ما يجعل المستهلك يشيح بوجهه عن بضاعتنا المحلية، لهذا أخذ البعض بترك هذه المهنة، كما في مزارع الزبير التي امتدت اليها أيادي البناء فتحولت إلى مجمعات سكنية ومعامل ودكاكين بعد أن كانت عامرة بما لذّ وطاب من الخضروات.
مزارع الزبير وأبي الخصيب والجزيرة ومناطق شط العرب لم تعد مثلما كانت خضراء زاهية بما تجود به أرضها من أنواع الخضر والفواكه، كما نخيل الفاو وأبي الخصيب الذي مات واقفا، بعد أن جُرفت العديد من بساتينه لتتحول إلى مناطق سكنية .
لم نُجرّف البساتين والمزارع ونحولها إلى مجمعات سكنية بدلا من الدعم والتشجيع على إعادة الحياة الزراعية لها وديمومة الإنتاج، وتحويل الصحارى والأراضي البور التي تمتد حد البصر إلى مناطق للسكن؟ لماذا لا نفكّر بآلية تشجيع الفلاحين ودعمهم وشراء منتوجهم والعمل على تسويق محصولهم كي لا يفكروا بهجر مناطقهم والبحث عن أعمال أخرى؟
لماذا توقفت الزراعة عندنا بعدما كنا نصدّر منتوجاتنا إلى دول الخليج والمغرب العربي، فصرنا الآن نستورد من نفس الدول ما صدّرناه لها سابقاً؟
لماذا ماتت أسماكنا، وتحول ماؤنا مالحاً آسناً وازداد بوار أرضنا؟
ناهيك عن الخراب المستفحل في النفوس والضمائر ؟؟!!!