عبدالسادة البصري/ العراق
عندما كنتُ صغيراً ، في ستينات القرن الماضي وقبل حلول شهر رمضان بأيام يأخذني أبي معه الى السوق في مركز قضاء الفاو لنتبضّع متطلباتنا من المواد الغذائية وكل ما يحتاجه الصائمون من بقوليات ، وبهارات ، وشرابت وغيرها ، كنّا نذهب الى دكان ( أحمد جوهر ) عميلنا الدائم لنتسوق كل شيء ، كذلك اللحوم والأسماك ، كان جوهر يسجّلها في دفتر الحساب حيث التسديد عند نهاية الشهر ، لم نكن نسأل عن الأسعار لأننا نعرفها جيداً لم تتغير أبداً ، و كان الجيران يتعاملون بحميمية وود أكثر من كل الأيام ، و تشاهد ( الصواني ) تخرج من البيوت مملوءةً بما لذّ وطاب ليتشارك الجميع الفطور والسحور ، ويتذوق كل بيت ما طبخه الجيران !!
تذكّرت تلك الأيام وأنا أجلس مع زوجتي لنسجّل قائمةً بما نحتاجه من مواد غذائية لهذا الشهر ، وبعد انتهائنا من التسجيل فكّرنا بالأسعار فأصابتنا الكآبة والحيرة من ارتفاعها بشكل مفاجئ وكأن شيئا قد تغيّر في نظام الكون ؟؟!
حدّثتها بما قرأته عن الدول الأخرى وأوامر حكوماتها وقراراتها بتخفيض الأسعار خلال شهر رمضان لرفع كاهل الغلاء عن المواطنين وقارنتها بما يحصل عندنا من مفاجآت في الأسعار وارتفاعها غير المسبوق وخصوصاً بأسعار المواد الغذائية وكأننا خارج نظام المجموعة الشمسية هذه !!!
تساءلنا :ــ لِمَ يحصلُ كلّ هذا في بلدٍ يدّعي الجميع فيه بالالتزام والتوافق والحميمية والمحبة والتواصل ؟؟!! ولماذا يرفع التجّار الأسعار بهذا الشهر وكأنهم يريدون الانتقام من الناس ؟؟!! ولماذا لم تفكّر الحكومة جدياً بتخليص المواطنين من جشعهم وتقرر تسعيرة خاصة لترفع عن كاهل المواطن عبئاً يفرضه الفاسدون ؟؟!! ولماذا لم تفكّر بتوفير المواد الغذائية في الحصّة التموينية التي بدأت تتضاءل شيئاً فشيئاً وصارت في خبر كان ، رغم ارتفاع المبلغ الذي يأخذه الوكلاء من المواطنين كل شهر ؟؟!! ولماذا..؟؟! ولماذا ..؟؟! ولماذا ..؟؟!
تساؤلات وحسرات وآهات تبادلناها ونحن نقلّب الورقة التي سجّلنا فيها احتياجاتنا خلال شهر رمضان !!
نظرت الى زوجتي فرأيتها تضرب أخماساً بأسداس وهي تحسب بأصابعها سعر كل حاجة من تلك المواد !!
وتظلّ الــ ( لماذا ) تضرب كل فاسد وجشع من التجّار وغيرهم !!
علينا أن نؤكد تآلفنا ومحبتنا ونفوّت الفرصةَ عن هؤلاء بعدم شراء أي شيء ، بل نكتفي بما موجود لدينا من مواد ، وما يتيسر منها ، حيث إننا إذا عزفنا عن شرائها بهذه الأسعار المرتفعة سيضطر التجّار الى تخفيضها كي لا تتلف وتصيبهم الخسارة !!
وعلى الحكومة أن تُعلن عن تسعيرة خاصة بهذا الشهر وتُجبرهم على العمل بها ، كذلك محاولتها الجادّة والحثيثة على توفير مواد الحصة التموينية كاملة لترفع عن كاهل الناس أثقالاً وأعباء يفرضها الجشعون والفاسدون وبائعو الضمير ، ولنفكّر جدياً بآلية وكيفية إسعاد هذا الشعب الذي تعب ظهره من حمل الأوزار !!!