بحسب ما يتوارد من الاخبار، فان الحكومة العراقية الغت البطاقة التموينية واعتبارا من الاول من اذار 2013،علما انه تم البدء العمل بالبطاقة التموينية منذ فرض الامم المتحدة حصارا على العراق بعد احتلاله الكويت في بداية تسعينيات القرن الماضي.
ان فلسفة البطاقة التموينية تعني ان تقوم الحكومة بتوفير المستلزمات الاساسية للمواطنين كافة وبدون تمييز، بسبب تعرض الوطن لحالة او ازمة ما، لا تمكن غالبية المواطنين من توفير مستلزماتهم الاساسية. والبطاقة التموينية في اساسها محاولة لفرض المساواة على الجميع بغض النظر عن الامكانات المادية والموقع والمحتد، او هكذا يفترض فيها، الا انه لوحظ منذ البداية ان البطاقة التمونينة تم استحداثها لاسكات الطبقات الفقيرة والوسطى والتي انتقلت الى الفقر بفعل سياسيات النظام الصدامي الرعناء. ونتيج للضروف السياسية فقد احتلت البطاقة التموينية كوثيقة ايضا موقع مهما يكاد اويسبق الجنسية العراقية وهي اهم وثيقة لاثبات عراقية المواطن، من خلا ل المطالبة بابرازها في مختلف الانشطة السياسية والوطنية التي يتطلب اثبات مواطنية الفرد. ولذا فانه يمكن تفهم اعتراض البعض على الغاءها او حتى التفكير بذلك، الا ان الواقع الاقتصادي والتطلعات المستقبلية تقول بانه بدل من الدفاع عن امر استثنائي، يعتقد انه ساهم في حماية الطبقة الفقيرة او المعدمة، ولكنه استنزف موارد للبلاد كان يمكن الاستفادة منها، العمل من اجل اقامة نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي يدعم الطبقة الفقيرة في التمتع بحياة سوية تتوفر فيها كل مستلزمات العيش الكريم، ووقف الهدر الاقتصادي على المستوى الوطني، ودعم كل الشرائح المحتاجة من اجل توفير العمل لها لكي تتخلص من نظام المساعدة وتعتمد على ذاتها في توفير مستلزماتها، اسوة بالدول المتقدمة.
لا يخفى ان العراق مر بمراحل سياسية صعبة للغاية منذ فرض البطاقة التموينية ولحد الان، مما لم يسمح لاي حكومة للقيام باي اجراء جدي لتغيير الواقع المعيشي للمواطن، ولقد كان الارهاب الذي هطل على العراق من كل صوب، بدعوة محاربة المحتل، والذي تحول الى قتل اقلياته وابناء الطوائف المختلفة مع طوائف الارهابيين، من اهم اسباب التخبط الاقتصادي، هذا ناهيك عن سيطرة الاحزاب الاسلاموية التوجه عل مقاليد القرار في البلد، هذه الاحزاب التي في الكثير من ممارساتها استنسخت ممارسات حزب البعث وقياداته المتنفذة، بالاظافة الى اعتمادها على الغيب وعلى المدد الالهية من جهة ومن جهة اخرى على المرائين ومداحيين ومنافقين في ادارة الدولة، ما ساهم في مفاقمة الاوضاع واهتراء النسيج الوطني وشيوع ثقافة الفرصة السانحة.
مما قلناه اعلاه فان الدولة قانونيا ملزمة، بتوفير مواد البطاقة التموينية لكل العراقيين مهما كان مستواهم المعيشي وموقعهم الوظيفي، وهنا نتذكر النكتة السمجة الت روجها عدي صدام حسين في اعلامه من ان بطاقته التموينية قد فقدت ويطالب من يجدها ان يعيدها له، في حالة من الاستهزاء بمصائب العراقيين والذين كانوا يدركون ان عدي وغيره يتوافر لهم كل شئ وهم فقط الذين يعيشون الضيم. فاذا ان العراق ملزم لتوفير مواد البطاقة لجلال الطالباني ونوري المالكي وغيره من مالكي ومقسمي ثروة العرق، الى الاجير والفلاح والعاطل وذوي الاحتياجات الخاصة، لانه في الحقيقة لم يتم وضع دراسة او خطة لتوزيع مواد البطاقة على مستحقيها، ونحن ندرك ان لا جلال الطالباني ولا نوري المالكي ولا المئات الالاف من النواب والوزراء ورجال الاعمال وتجار الحروب واعضاء وقيادات احزاب متنفذة بحاجة لمواد البطاقة التموينية، واذا تمنينا فيهم الخير فاننا نقول انهم يمنحون هذه البطاقات لاناس هم بامس الحاجة اليها، فهذا ايضا استنزاف لان البطاقة المفروض فيها ان توفر المستلزمات الضرورية لكل فرد عراقي وما ياتي من بطاقة اخرى يكون زيادة، بما معناه انه لو كان قد تقرر ان حصة الفرد هي خمسة كيلوغرامات من السكر شهريا، وبواسطة استعمال بطاقة اخرى صارت للبعض عشرة لان لهم معارف ممن لا يحتاجون لمواد البطاقة، فان الامر سيخلق توافت بين من لهم اقارب ومن ليس لهم، من جهة ومن جهة اخرى ستكون هناك حصة مضاعفة لشخص قد تستعمل لاغراض تجارية او غيرها وهو تجاوز للقانون ايضا بالاضاف الى خلق سوق سوداء بمساعدة الدولة.
ان الدولة بطرحها الساذج حول توفير مبلغ بسيط لكل مواطن مقابل الغاء البطاقة التموينية واليوم يقال انها ضاعفت المنحة في مزاد لا يدل الا على عدم دراسة مسالة الغاء البطاقة التموينية ولكنه يدل على المزاجية ليس الا. فهي اي الدولة لم تحدد من المستفيد من هذه المبالغ ومرة اخرى في محاول اشراك المتمكن والقادر في حصة المحتاج ولكن بطريقة لا يمكن للمتمكن من التنازل عن حصته لانها ستكون مبالغ مالية وليست مواد تموينية لا يبتغيها او لا تسمح مكانته باستعمالها، بل اموال يمكن صرفها او توفيرها، وتعني مرة اخرة مشاركة المتمكن الفقير لقمته، لا بل عملية سرقة ممنهجة وقانونية، واستنزاف للثروة الوطنية للفئات الغير المحتاجة.
لا خلاف على ان زمن البطاقة التموينة واسلوبها قد ولى، وعلى الدولة وضع نظام يحمي المحتاج من العوز، ويدفعه الى تطوير امكانياته للاعتماد على نفسه في ان واحد، وهذ لا يكون بالاسلوب المزاجي والاعلامي، بل بوضع دراسة تحدد الحد الادنى لاحتياجات الفرد العراقي من الاموال التي تجعله يتمكن بالعيش بكرامة وان يتم توفير كل الاحتياجات الضرورية الاخرى ايضا كالتامين الصحي والمستلزمات المنزلية وان يؤخذ التضخم الاقتصادي بنظر الاعتبار مستقبلا، سنويا او كل نصف سنة، مع وضع قوانين رادعة لمن يتجاوز على النظام ويحاول استغلاله بدون وجه حق، اضافة الى اقامة معاهد يتم فيها تدريب العاطلين على مهن يحتاجها الاقتصاد العراقي، لكي يعمل فيها العاطلين عن العمل. متمنين ان ياتي يوم لا يحتاج مل العراقيين لمساعدة الدولة من خلال البطاقة التموينية او من خلال نظام الحماية الاجتماعية.
المصدر: جريدة ايلاف الالكترونية