وطن برس أونلاين

جريدة عربية مستقلة

مقالات

التخلف الحضاري وآثاره الخطيرة على حياتنا العامة

بقلم/عبدالحسين عبدالرزاق*

من المؤشرات او الملاحظات السلبية على الواقع العراقي هو انه في تراجع حضاري مستمر حتى اصبح بالامكان القول بأن العراق هو مهد الحضارات اكذوبة لا يمكن تصديقها ابدا
وعلى الرغم مما شهده العراق في السبعينات من القرن الماضي من مقدمة نهضة او شبهة نهضة في مجالات محدودة وفي القطاعين الصناعي والعمراني على وجه الخصوص وهي نهضة بسيطة لا تتناسب مع حجم ما شهدته الدول الاخرى من تطور عملاق في كل شيء فأن هذا التطور لم يصمد الا قليلا ثم هوى وسقط سقوطا مريعا بسبب عودة السلطة الى الجماعات المتخلفة حضاريا ، ولهذا عاد العراق مرة اخرى الى مهاوي التخلف ثانية ليغدو بلدا من البلدان البدائية شديدة التخلف وكثيرة التعقيدات التي تجعل اي نهوض امرا مستبعدا
ان العراق اليوم يواجه ازمة كبرى ذات وجوه متعددة فهناك ازمة امنية وسياسية واقتصادية الا ان الازمة الاجتماعية هي الاشد تأثيرا على مجريات الامور والاكثر خطورة على مستقبل العراق
ان التخلف الحضاري الذي تعد النزاعات العشائرية ابرز مظاهره
انما هو مشكلة العراق الاساسية بل مصدر كل المشاكل الاخرى ومنها انعدام الرأي العام او اضطرابه وتحول الجماعات الضاغطة الى واجهات حزبية نفعية لا يشغلها شيء سوى حصاد المكاسب والمنافع ولو على حساب مصلحة البلد باكمله

ويرى باحثون ان التخلف هو النقيض الأساسي لمفهوم التقدم حيثُ إن الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق
مجتمعةً لم تنجح في أن تبرز مفهومًا رئيسيًا للتنمية تستطيع من خلاله تحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي لأنها قامت على ما يسمى بنظرية الإحلال، ألا وهي إحلال النظريات التي غادرتها الشعوب منذ زمن بعيد داخل البُنى والبيئات الاجتماعية املًا في تعليل الواقع الاقتصادي والاجتماعي السيء وتبرير حالة الانهيار الشامل وتطبيق مفاهيم تنموية لنزعات وافكار بدائية ترغبُ وذلك بغية تحقيق إنعاشٍ اقتصادي مزعوم ينعكسُ بدوره على المواطن العراقي سلبا وبما يفقده الشعور بالأمل نفسه
وأمام هذا الفشل الذي مُنيت به (النخب والقيادات العراقية ) في تحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي و كان لا بد لهذا المفهوم أن يَبقى مُهيمنًا على الساحة العراقية إلى يومنا هذا دون وجود أيّ استراتيجيات أو حلول منطقيةٍ نابعةٍ من الداخل تحاول أن تفكك هذا المفهوم، وتجد البدائل ذات الصيغ العملية في الارتقاء بالواقع الاجتماعي والاقتصادي إلى الأفضل.
ويعرف التخلف بأنه وهو حالة سكون وبُطء تعترض عمليات التنمية نتيجة لعدم قدرة النخب والقيادات السياسية والاقتصادية مجتمعةً على صياغة نظرياتٍ ومفاهيم ذات رؤى علمية وعملية في تحسين الواقع إلى الأفضل، حيثُ إن توفر الإمكانيات والموارد المالية إلى جانب الوسائل الفنية والبشرية بدون استحالة تطبيقها على أرض الواقع لن يجدي شيئًا في تحسين البُنى الاقتصادية لعموم الشعب

وكان من مظاهر التخلف الحضاري الذي تزايد تأثيرا سلبيا على كل شيء هو ان القابضين على السلطة استبعدوا المواطن كفرد وأحلت محله النخبة السياسية الموروثة التي تحتلُ مكانة سياسية داخل النظام السياسي ليكون لها الأولوية في توزيع أي تركةٍ لها على أفرادها، معللةً ذلك من منطلق الشرعية الثورية التي جاءت بها إلى الحكم لتكون نتائجها وخيمة على الأفراد والجماعات وباقي أفراد المجتمع الواحد.
فضلًا عن انتشار الأفكار السلبية والعادات والتقاليد ذات البعد الرجعي التي أثَّرت بشكلٍ سلبي على المنظومة الاجتماعية والاقتصادية معًا، وكان من نتائجها انتشار الفقر، وارتفاع في منسوب البطالة، وهجرة إلى خارج الوطن بحثًا عن امن ووظيفة أو مأوى فيما تضاعفت عمليات الاستيراد المستمرة من الخارج والتي أوقعت الدولة في حبال المديونية الغارقة، والتي عرفت فيما بعد تحت مسميات عديدة التبعية الاقتصادية للطرف الآخر بشكل مطلق، وامتدت عبر السنين لنكون تابعين لهم اجتماعيًا في أدق التفاصيل وغيرها من المشكلات الاجتماعية، نتيجة للانيار الحضاري
إن تعريفنا للتخلف الحضاري لن يكون بمعزل عن النظرة لمفهوم التخلف الاقتصادي، حيثُ إن تخلف الشعوب والأمم وسيرها في طريق مخالفٍ للطريق الذي سارت به الدول والبلدان المتقدمة يُعدُّ نتاجًا أساسيًا لفشل النظريات الاقتصادية في العراق وإن توافر عالم الشخوص، إلا أن عالم الأفكار غير موجود ومهمش لا يلتفت إليه أحد، ومن هنا ينشأ الجهل، والفقر، والبطالة، والأمية، والانفجارُ السكاني الهائل في أوساط أبناء المجتمع والانتقال أفرادًا أفرادًا للعيش في المدن على حساب العيش في الأرياف فيما يعرف بالهجرة الداخلية.

خلاصة لما سبق فإن تعقد المشكلات الاجتماعية داخل البيئة وتفاقمها طيلة السنوات التي مضت إنما هو بفعل المحكات الاقتصادية التي خلفتها السياسات الخاطئة والتي كان من نتائجها (تبديد الثروات وسوء استغلالها، وقتل الطاقة العاملة المتوافرة، واختلال البنى الاقتصادية، التبعية الاقتصادية).
لقد ساهمت هذه المحكات بصورةٍ أو بأخرى في تردي الوضع المعيشي، وانتشار الفقر والبطالة، والتزايد الهائل في أعداد السكان، مما أثر على مستواهم الفكري والثقافي فأصبح جلّ همهم تحصيل لقمة العيش وبناء مسكنٍ يأويهم، فضلًا عن انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بفعل غياب العدالة الصحية وتأمين حياة صحية سليمة لكل أفراد المجتمع الواحد.
أما على صعيد البنية الاجتماعية للتخلف، فهناك عددّ من المحكات ولعل أهمها: إستاتيكيَّة العلوم أي جمودها وبقائها على حالها بدون أي تغيير يطرأ عليها، ونمطية العادات والتقاليد وتحكمها بالسلوك وضعف القانون، وتحول النظام الاجتماعي الى عقبة كأداء في طريق اية عملية تطور حيث اصبح المجتمع مجتمعا جامدا تحكمه الولاءات الحزبية والعشائرية التي حطمت المكانة الاجتماعية للأفراد والغت مبدأ الكفاءة الانتاجية كمقوم من مقومات الشخصية الحضارية
وأخيرًا لا يمكن لنا قراءة المفهوم الاجتماعي للتخلف بعيدًا عن القراءة الموضوعية والدقيقة لمفهوم التنمية الاقتصادية، أيّ أن المفهومين يتقاطعان مع بعضهما البعض، فهما من العناصر التكميلية التي لا يمكن لأي عنصرٍ منها أن يستغني عن الآخر.
ولهذا يجب أن تكون هناك إجراءات عملية للتخفيف من ظاهرة التخلف الاجتماعي في العراق ، حتى يتمكن من خلالها الأفراد بشتى تخصصاتهم وعلومهم وأفكارهم من تحقيق نهضة فكرية وعلمية تنهض بالواقع المجتمعي إلى أفضل المستويات منها:

النهوض بالواقع الاقتصادي على أساس استثمار الموارد والامكانيات وتوظيفها في خلق بنية اقتصادية يكون عنوانها العمل، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

احترام الفرد والعمل دومًا على تسهيل كافة الفرص والامكانيات والوسائل ليكون عاملًا مبدعًا منتجًا قادرًا على خلق المزيد من الثقافات والعلوم التي تسعى إلى إحداث تغييرٍ ثقافيٍّ بديلٍ عن العادات والتقاليد السلبية.

إلقيام بحملات توعوية حول أهمية قيمة العلم والفكر والثقافة وأن قيمة الإنسان ليست في كثرة إنتاجه الجنسي ونسبه العشائري او المذهبي بقدر ما هي في قدرته على الانتاج والبناء
ومن الشروط الاخرى للنهوض الحضاري
استبدال العادات والتقاليد العشائرية الموروثة بالعلوم الصحيحة، والتي تنشئ الأفراد على أساليب جديدة في التفكير والسلوك بعيدا عن سلطة الشيوخ وهيمنة افكارهم الرجعية على الرأي العام المبني على جملة من الاساسيات وفي مقدمتها حق الحصول على المعلومة واحترام حرية التعبير وهدم اصنام القداسة وجميع الخطوط الحمر التي تقيد انطلاقة اية ثورة فكرية تهد صروح الظلم والطغيان التي شيدتها معتقدات الامم السالفة.

  • كاتب وصحفي من العراق 

اترك ردا

Developed and designed by Websites Builder Ph:0449 146 961