فواد الصباغ / تونس *
مما لا شك فيه تعتبر التعاسة و المأساة الحقيقية التي تعيشها أغلب الشعوب العربية حاليا بعد ما يسمي “بالخريف العربي” كارثية بشتي المقاييس, لأن المصطلح الغربي “للربيع العربي” ينطبق فقط علي بعض الأشخاص المستفيدة فقط من غنائم تلك الفوضي العارمة من إعتصامات و كوارث تخريبية في أغلب الدول العربية. إن المصدر الرئيسي للخراب الأعظم يتمثل بالتحديد في الفكر “السلجوقي العثماني الإسلامي” الرجعي و الإستعماري و الطامع في العودة لمستعمراته السابقة في عهد إمبراطوريته الفاشلة تحت شعار سلجوقي جديد يعرف “بالخلافة الإسلامية”. كما أنه للآسف إنجرفت مع ذلك الفكر المقيت دولة خليجية أخري تمتلك من الأموال و الثروات الهائلة ما يكفي لتسخرها في دعم تلك المجموعات الإرهابية التخريبية الرافعة لراية الإسلام و الإسلام بعيدا عنها كل البعد. إن الفكر الإيديولوجي “السلجوقي التركي” كان هو السبب الرئيسي في خراب مجمل الدول التي شهدت ثورات تطالب “بالتشغيل و تحسين ظروف العيش”, إلا أنه تبين أنها مطامع نهب و تدجيل علي تلك الشعوب المفقرة بطبعها و التي خرجت غاضبة صارخة نقمة علي وضعها التعيس و الذي هو تحت درجة الصفر من الفقر لتستفيد من ثوراتها مجموعات إرهابية تدعي نشرها للشريعة و الخلافة الإسلامية و الديمقراطية. فتركيا السلجوقية الإسلامية تمثل اليوم سرطان خطير ينخر الأمة العربية من الخليج إلي المغرب بحيث ساهمت في دعم الإخوان المسلمين الإرهابيين في مصر و كذلك ثبوت تورطها بالدعم المالي لبعض المجموعات الإرهابية العالمية الرافعة لراية الإسلام و ذلك بالتنسيق مع دولة قطر الإرهابية و التي فرض عليها في هذا السياق حصار خليجي مستحق من قبل المملكة العربية السعودية حامية الإسلام و المسلمين و خادمة الحرمين الشريفين و قبلة المؤمنين من جميع دول العالم. إن الأعمال المخزية التي تقوم بها الدولة السلجوقية الإسلامية بالتعاون و التنسيق مع دولة قطر و ربما مع الحرس الثوري الإيراني المثير للفتن و الكوارث في منطقة الشرق الأوسط ساهمت في مجملها في عدم إستقرار المنطقة برمتها و خربت البلدان العربية كلها علي بكرة أبيها. كذلك نذكر بقرار طرد السفير الإسرائيلي مؤخرا من الدولة السلجوقية أو بالأحرى الإمبراطورية العثمانية الإسلامية السابقة وهي دولة تركيا العظمي حاليا تحت قيادة “الرجب الطيب الأردوغان” بحيث تذكرنا بماضي نفوذ الباب العالي للإمبراطورية العثمانية سابقا و الذي مازال يحلم بتلك القوة في التحدي و طرد السفراء و الخطابات الرنانة من وعد و وعيد و تهديد و تصعيد ضد الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي. فذاك القرار الصادر من الحكومة التركية يعد إهانة كبري لدولة إسرائيل التي تعتبر نفسها أنها دولة لا تقهر بحيث أن تركيا تبين أنه مازال لها نفوذها في إمبراطوريتها العثمانية السابقة و هي الآن تعتبر الأقوي في المنطقة علي جميع الدول بما فيهم إسرائيل الساعية لتحقيق تفوقها علي جميع دول المنطقة. إلا أن تلك المعاملة لم تكن الأولي علي نسق تلك الطريقة السلجوقية الإسلامية, فللعودة إلي الماضي و ذكريات حكم السلطان عبد الحميد الثاني للإمبراطورية العثمانية, وقعت أيضا حادثة تأزم علاقات دبلوماسية مع بريطانيا العظمي بسبب طريقة التعامل الدبلوماسي التركي مع الأجانب. إذ آنذاك قام السلطان عبد الحميد الثاني بصفع القنصل العام الإنجليزي و تمزيق أوراق مشروع إقتصادي بريطاني مع تركيا ثم إلقائها علي وجهه بطريقة مهينة و مذلة و ذلك يعد دليل واضح في نفس يعقوب علي مخططات السلاجقة من خلال زرعها حاليا لعملاء إخوانجية لها في إمبراطوريتها السابقة لتحاول بذلك إسترجاع مجدها السلجوقي العثماني من بوابة “الخلافة الإسلامية الإخوانية”. إن تلك التصرفات الرذيلة التي تقوم بها تركيا حاليا تعد تطورا خطيرا في العلاقات الدولية و ذلك من أجل بسط نفوذها السياسي الإسلامي مجددا عبر إتخاذ قرارات صارمة ضد إسرائيل أو الدول الحرة من أهمها الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الحر. كما نلاحظ في معظم خطابات ذلك “الرجب الطيب الأردوغان” حنينه للماضي السلجوقي و حكم الدولة العثمانية, حتي أنه أحيانا يفتخر بأنه سلجوقي عثماني و يستمع إلي أناشيد “الله أكبر” للعسكر العثماني و الأهم من كل ذلك رفعه للأذان في المسجد التركي الأزرق بصوت عالي جدا و ذلك في العديد من المرات بحيث يثبت تورطه المباشر في دعم الإخوان المسلمين في مصر و التي مصنفة منظمات إرهابية دولية. كما أنه بكي عندما إنقلب إبن مصر البار عبد الفتاح السيسي علي ذلك الإسلام السياسي الراغب في الخلافة و نشر العدوي في جميع الدول العربية من الخليج إلي المغرب. إذ من المعروف أن النهضة الإسلامية التركية التي إنطلقت بالأساس مع إجتياح الدولة السلجوقية جنوب شرق آسيا خاصة منها أندونيسيا و الفليبين و إلي دول شمال إفريقيا لتطمح بالعود مجددا بعد تلك الثورات التخريبية في تلك الدول. فتنامي تلك الرغبة لدي الجمهورية التركية لإعادة إحياء ماضي الأمبراطورية العثمانية و القرارات الردعية و القوية تجاه الدول الغربية تبين بالكاشف مدي الدكتاتورية العثمانية الذي ينطوي تحت غلاف الديمقراطية الإسلامية التي في مجملها تعد تخريبية. كما أن للإخوان المسلمين دور مهم في توطيد تلك العلاقة التركية – العربية حتي أن بعض دول ما يسمي بالربيع العربي الإسلامي خلال الفترة الممتدة من سنة 2011 إلي 2013 أعلنت البيعة للخلافة الإسلامية بقيادة السلجوقي العثماني “الرجب الطيب الأردوغان” و الولاء المطلق لحكمه العثماني الإسلامي و دخوله في بيت طاعته و تنفيذ أوامره بالزحف علي الدول المجاورة. فتلك الأحداث الكارثية تذكرنا اليوم بالماضي الإستعماري السياسي و الإقتصادي الأليم و الغزو الفكري التركي للدول العربية التي تعتبر ضحية لذلك التسمم الفكري العثماني الإسلامي نذكر منها بالتحديد بعض الدول العربية التي مازالت تعاني من إصابتها بالسرطان السلجوقي. و كلنا نتذكر حكم الباب العالي و كيف كانت تدار الأمور من القيادة المركزية العثمانية, من حكم فؤاد باشا في مصر إلي حمودة باشا و خير الدين باشا في تونس و غيرهم من المواليين للحكم العثماني في المنطقة العربية. إن النفوذ التركي حاليا في المنطقة العربية شمل شتي القطاعات الخدماتية, الثقافية و الدينية وخاصة منها الإقتصادية و السياسية. فخلال الفترة التي تعرف بالربيع الإسلامي الكبير في المنطقة العربية, و الوصول الإخواني للسلطة مثل حكم الإخواني محمد مرسي العياط لمصر و تغلل الإسلاميين في الحكم في ليبيا و تنصب الحكم الإسلامي في تونس و حكم عبد الإله بن كيران في المغرب بحيث إزداد نشاط حزب العدالة و التنمية التركية كمرجعية فكرية إخوانية في المنطقة العربية. كل تلك العوامل ساهمت في ضخ الدماء في شريان الإمبراطورية العثمانية الإسلامية ليصبح لها شأن سياسي و قرار دولي مسموع. كما أن أحداث الإنقلاب العسكري التي جرت في مصر سنة 2013 ضد حكم الأخوان إعتبرته دولة تركيا الإسلامية يوم أسود و طعنة خنجر في ظهر الأمة الإسلامية, حيث بكي طويلا “الطيب الأردوغان” بعد الإنقلاب في مصر لأنه خسر دولة من إمبراطوريته و خلافته الإسلامية التي يحلم بتأسيسها في المنطقة العربية. إن النفوذ السلجوقي التركي يتلخص بالأساس في تحالفها مع دولة قطر و إيران وذلك بدعم الحكم الإسلام السياسي في جميع الدول العربية من أجل الرجوع إلي ذكريات الهيمنة العثمانية الإسلامية. بالتالي في خضم ذلك الصراع الإيديولوجي في منطقة الشرق الأوسط خاصة منها الحرب في سوريا و إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل كشفت تركيا عن قناعها الإسلامي الحقيقي و نواياها المبيتة تجاه الرغبة في السيطرة علي المنطقة العربية و تحويلها إلي إمبراطورية عثمانية إسلامية ثانية تحت خلافتها الإخوانية في كل دولة عربية و إعلانها المبايعة و الدخول في بيت طاعتها لتنفيذ أوامرها. فبالعودة لقرار طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة مؤخرا و بالتحديد في مطلع سنة 2019 لم يأتي من فراغ بل جاء متعمدا قصد إذلال دولة إسرائيل و الدوس علي رقبتها و القول للعالم أن الإمبراطورية العثمانية الإسلامية مازالت تحكم في الدول العربية الإسلامية عبر الإسلام السياسي المتعفن فكريا الذي تروج له حاليا. أما الرد من الجانب الإسرائيلي بطرد القنصل العام كان محدودا, إلا أن بقية الدول العربية لم تحرك ساكنا و كأنها في مجملها في سبات عميق و تنتظر في عدوي الديمقراطية التي يطبخها حاليا ذاك “الرجب الطيب الأردغان” في بعض الدول لتكون موازية لتك الثورات و ذلك من أجل العودة مجددا للخلافة الإسلامية. فهنا علي دول مجلس التعاون الخليجي و مصر الإنتباه جيدا لأن هناك “عدوي” ستشملهم قريبا مثل تلك الثورات تماما, فالديمقراطية التهريجية المصطنعة إنطلقت بالفعل بحيث برز ذلك العميل المدعو “محمد علي” من خلال تحريك الشارع المصري مستفيدا بذلك من تلك الديمقراطية الوهمية في بعض الدول العربية الأخري و التي يقف علي تسييرها ذلك السلجوقي العثماني الإسلامي في أنقرة.