عمر فيصل*
يوم أسود يسجل في تاريخ نيوزلندا
سفاح مجزرة المسجدين بنيوزيلندا
التنفيذ على طريقة العاب الفيديو.. مع سبق الاصرار والترصد..
كيف تعاملت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الاوروبية مع الحدث
ظهر برينتون تارنت، الذي قتل 51 شخصاً، وأصاب أكثر من 40 آخرين، مكبل اليدين مرتدياً ملابس السجن البيضاء، في محكمة بنيوزيلندا.
وظل الرجل هادئاً أثناء توجيه الإتهام إليه خلال جلسة المحاكمة ، فيما قررالقاضي بول كيلار، احتجازه حتى أبريل المقبل لعرض القضية على المحكمة العليا في كريستشيرش.
وذكرت صحيفة “نيوزيلند هيرالد” أن المتهم الاسترالي، ابتسم بتكلف بينما كانت وسائل الإعلام تصوره وهو داخل قفص الإتهام.
وأظهرت صوره المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يشير بعلامة “القبول” بيده خلال مثوله أمام المحكمة، في إشارة تستخدم لتأييد أيديولوجية تفوق البيض في المجتمع!!
فيما سمح القاضي كيلار، بالتقاط الصور للمتهم منفذ الهجوم، لكنه أمر بتشويش الوجه للحفاظ على الحق في محاكمة عادلة.
لماذا فعل كل هذا ؟
برينتون تارنت اليميني الاسترالي المتطرف ، يبلغ من العمر 28 عاماً، وبحسب وثيقة نشرها على الإنترنت، ذكر فيها أنه ينتمي إلى عائلة استرالية من الطبقة العاملة، أهدافه هي إخلاء المجتمعات الغربية من غير البيض والمهاجرين، لهدف حمايتها، وكذلك الانتقام للحوادث الإرهابية، والجرائم الجنسية التي يقوم بها مسلمون ومهاجرون حول العالم، على حد تعبيره.
واعلن في الوثيقة، التي جاءت على شكل أسئلة وإجوبة، أنه يريد الوقوف بوجه الهجرة إلى العالم الغربي، وذلك عن طريق ترهيب المسلمين بشكل مباشر عن طريق اجراء أعمال عنف، كما يريد أن ينتقم لما شهدته البلاد الغربية من هجمات إرهابية، وتحدث بشكل خاص عن هجوم ستوكهولم عام 2017، وضرورة الأخذ بالثأر، لإحدى ضحايا ذاك الهجوم، وكانت طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً.
وبحسب الوثيقة دائماً والمكونة من أكثر من70 صفحة، سعى تارنت للتخطيط وشن الهجوم قبل عامين، ثم بدأ بالتخطيط “في الموقع” قبل ثلاثة شهور، واختار بلداً نيوزلندا ليؤكد فيه، أنه لا يوجد مكاناً آمناً في هذا العالم للمسلمين، واختار هذين المسجدين بعد زيارتهما، وكان يريد استهداف مسجد ثالث، لكنه قال أنه ذلك قد لا ينجح.
ولم يكتفِ المهاجم الاسترالي بهذا وحسب، بل ذكر نيته في اغتيال أسماء مهمة في المجتمع. فهو كان راغباً باستهداف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكذالك عمدة لندن صادق خان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الجريمة المركبة
على طريقة “ألعاب الفيديو الحربية” الدموية، تمكن برينتون تارنت، الاسترالي اليميني المتطرف، الجمعة من قتل 49 مصلياً وإصابة أكثر من 40 آخرين. يرقدون في المستشفى.
تتراوح إصابات الجرحى بين الخطرة والطفيفة، في هجوم على مسجدين “خلال صلاة الجمعة” في نيوزلندا، وازداد عدد القتلى ليصل الى 51 قتيلاً، اذ توفي شخصان، أول أمس، السبت، متأثرين بجروحهما جراء الهجوم .
الهجوم استهدف مسجد “النور” ، الواقع وسط كرايست تشارش، ومسجدا آخر في منطقة لينوود يبعد عن “النور” أربعة كيلومترات ويقع بضواحي المدينة.
قبل المذبحة بدقائق
قبل دقائق قليلة من تنفيذ الهجوم، قام تارنت، بنشر تدوينه على موقع 8chan كتب فيها ” حان الوقت للتوقف عن العمل، وإتاحة الفرصة للقيام بجهد حقيقي في هذه الحياة .. لقد كانت رحلة طويلة، وعلى الرغم من كل التزاحم والتشرد والتشتت، فإنكم جميعاً أفضل مجموعة أشرار يمكن أن ألجأ إليها. “.
وأضاف، “سوف أنفذ هجوماً ضد الغزاة، بل وسوف أنقل بثاً مباشراً للهجوم عبر فيسبوك، وهذا رابط صفحتي ..
سأبدأ بثاً مباشراً في هذه الأثناء، وإن لم أنج بعد الهجوم، فوداعاً وليبارككم الله، وسوف أراكم في “فالهالا”، داعياً المستخدمين إلى نشر الرابط، وإيصاله لأكبر عدد من المستخدمين.
“فالهالا” : مصطلح في الأساطير الاسكندنافية القديمة، يطلق على العالم الآخر، الذي يذهب إليه من مات بشرف في المعارك. ويعيشون فيها بسعادة بضيافة أودين إله الحرب، حسب معتقداتهم القديمة”.
التنفيذ
تفنّن تارنت، البالغ من العمر 28 عاما، بقتل المصلّين على طريقة ألعاب الفيديوالحربية، هذه الألعاب في العادة تلاقي إعجاباً وإدماناً من الكثيرين من الشباب بمختلف بقاع الارض.
وقام كما وعد بتوثيق مراحل جريمته عن طريق عرضها في بث حي ومباشر على صفحته عبر الفايسبوك !!
وعن طريق كاميرا معلقة فوق خوذته، وبذلك استطاع المهاجم، أن ينقل للعالم أجمع مشاهد حية، صور فيها تفاصيل الهجوم على المسجد من بدايته الى نهايته.
وأظهر التسجيل المصوركلعبة فيديو، برنتون، استرالي الجنسية، وهو يرتدي ملابس سوداء، عسكرية، ويضع خوذة قتال على رأسه، موحياً للمشاهد من الوهلة الأولى، أنه عسكري خرج في مهمة حربية.
خرج الرجل، بعدته وعتاده من سيارته المركونة قرب باب المسجد، حاملاً بندقية نصف آلية، ثم اقتحم حرمة المسجد، وشرع بإطلاق النار على كل من صادفه في مرماه، ولم يفرق بين صغير أو كبير، رجلاً كان أم امرأة، كلهم سواسية أمام ناظريه غزاة عليه قتلهم. وواصل إطلاق النار حتى على المصابين، الذين تكوموا على أرضية المسجد.
وللتأكد من قتلهم، لا لإصابتهم بجروح وحسب، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون بالنسبة إليه سوى لعبة فيديو حربية.
وكألعاب الفيديو، فقد وضع الرجل اليميني المتطرف، أغنية باللغة الصربية تشير الى رادوفان كاراديتش، كخلفيه للفيديو، الذي بثه عبر حسابه في الفايسبوك، ليستمتع مشاهديه، وهو يقتل المصلين على إيقاع الموسيقى.
رادوفان كاراديتش: الملقب ب ” سفاح البوسنة”، مدان بارتكاب جرائم وإبادات جماعية ضد المسلمين، وجرائم ضد الإنسانية، إبان حرب البوسنة (1992-1995).
العبارات العنصرية التي كتبها المجرم على أسلحته:
من بين أكثر العبارات، التي كتبها الاسترالي تارنت، باللون الأبيض على سلاحه، وهاجم فيها الدولة العثمانية والأتراك. ومن بينها:
– Turcofagos تعني باليونانية “أكلي الأتراك “، وهي عصابات كانت تنشط في في اليونان القرن 19 الميلادي. وكانت تشن هجمات دموية ضد الأتراك.
– 1683 فيينا: حيث معركة أفينا، التي خسرتها الدولة العثمانية، ومثلت هذه الفترة نهاية توسعها في أوروبا.
-1571 م: وتشير الى معركة “ليبانتو” والتي خسرت فيها الدولة العثمانية أنذاك. – وقف تقدم الأمويين الأندلسيين في أوروبا في معركة بلاط الشهداء.
– اللاجئون، أهلا بكم في الجحيم.
– اسماء لقادة صليبين معروفين بمعاركهم ضد المسلمين أيام الحملات الصليبية او في حروب الأندلس أو في الحروب الروسية ضد الدولة العثمانية.
أول خبر عن الجريمة الجماعية
انتشر الخبر في بادىء الأمر، يوم الجمعة، عبر موقع الفايسبوك، كفيديو صوره أحد المصلّين، الذي صور جثثاً متراكمة في المسجد، وجرحى منتشرين في موضع الصلاة مع بعض الاهالي الذين يبحثون عن ذويهم وأقاربهم من المصابين.
كان غرضه إظهار فظاعة ما حدث في المسجد للعالم على حد تعبيره، وتلاه بعد ذلك فيديو، برينتون تارنت منفذ الهجوم، وانتشر كالنار في الهشيم، في مواقع التواصل الاجتماعي.
ليجد طريقه في الصفحات الاولى للكثير من المواقع الاخبارية الالكترونية. لتشارك في نشره، بعد ذلك القنوات العربية والأجنبية كصور ثابته وبعض اللقطات منه.
وتلاه بعد ذلك عرض صور شخصية للقاتل، مع أسلحته والكتابات العنصرية التي كتبها عليها، المحرضة على الكراهية اتجاه المسلمين.
وبعد ساعات من الحادث، بدأت الحرب الشرسة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، كفيسبوك، تويتر، ويوتيوب، لطمس معالم هذه الجريمة الجماعية التي ارتكبها، قاتل متطرف أوروبي الجنسية، وذلك عن طريق حذف إعادة نشر هذا الفيديو. إلا أنها فشلت في ذلك.
واكتفت بتوقيف حسابات الرجل الشخصية، الذي عرف نفسه بإسم برينتون تارنت، في مواقع التواصل الاجتماعي، لقطع رأس الأفعى من جذورها.
كيف تناولت وسائل الإعلام الغربية الخبر؟
لم يتناول الإعلام الغربي، بشكل جدّيّ هذا الحادث، بل حتى أنه لم يكلف نفسه العناء بنشر أي صورة لمشاهد القتل في مسجدي”النور” و”لينود” . وكذا لم يعرض أي من صور الضحايا والجثث المتراكمة في المسجدين، وهي ملقاة على أرصفة الشوارع، وباحة المسجد في نيوزلندا.
واكتفى بنشر صورة للقاتل فيما بعد وهو يحمل بندقيته ويتوجه صوب المسجد للقيام بجريمته.
وكما متعارف عليه في الإعلام، عند حدوث مثل هذه الجرائم، فأنه يتم عرض مقطع مموه لصور الدماء والضحايا، الى جانب التحذير من بشاعة وفظاعة المنظر.
ومن التعليقات المهمة على الحدث الخطير، هاجم المغني الإسباني، ريكي مارتن، عبر حسابه في الانستغرام، وسائل الإعلام الغربية، بسبب التضليل الكبير التي لجأت إليه في تناول هذا الحادث الدموي، وعدم وصف العمل بالإرهابي، كون الفاعل غير مسلم، حيث قال،” الرجل الذي قتل أكثر من أربعين شخصاً وأصاب العشرات بجروح خطيرة، الإعلام يسميه مطلق النار، ومتطرف. لكن ليس إرهابياً.. لماذا؟ لأنه غير مسلم”.
أبرز عناوين الصحف الغربية
سي إن إن البريطانية: مقتل 49 في إطلاق نار جماعي على مسجدين في كرايستشيرش نيوزيلندا.
بي بي سي البريطانية: إطلاق النار في كرايستشيرش: 49 قتيلاً في هجمات في مسجد في نيوزيلندا.
الجارديان البريطانية:مقتل 49 في هجوم على مسجدين بنيوزيلندا.
تليجراف البريطانية:إطلاق نار مباشر في نيوزيلندا: مقتل 49 في هجمات على مسجدين في كرايستشيرش.
إطلاق النار على مسجد في نيوزيلندا: السناتور الأسترالي فريزر أنينغ يلقي باللوم في الهجوم الإرهابي على “زيادة الوجود الإسلامي” !!
ديلي ميل البريطانية:مقتل العشرات من المصلّين في مسجدين بنيوزيلندا.
نيويورك تايمز:إطلاق النار على المساجد النيوزيلندية 49 قتيلاً.
التايم الأمريكية:مقتل 49 مسلماً في هجوم إرهابي بنيوزيلندا.
واشنطن بوست الأمريكية:مقتل 49 في هجوم إرهابي على مساجد في كرايستشيرش.. نيوزيلندا.
بلومبرج:صدمة يعيشها رواد “فيس بوك” و”تويتر” بعد فيديو البث المباشر لقتل المسلمين في نيوزيلندا.
الهجمات الإرهابية على مسجدين في نيوزيلندا تخلف 49 قتيلاً.
نيوزيلاند هيرالد:مذبحة مسجد كرايستشيرش: مقتل 49 شخصاً في إطلاق نار.
إطلاق النار في المساجد: يتفاعل المجتمع الإسلامي في تاورانجا مع إطلاق النار في كرايستشيرش.
ماذا قال قادة العالم وحكامها عن الجريمة الجماعيّة ؟
– الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قال في تغريدة له على تويتر: “أحر التعازي وأطيب الأمنيات للشعب النيوزيلندي بعد المذبحة الرهيبة في المسجدين. لقد مات 49 من الأبرياء بدم بارد، وأصيب الكثيرون بجروح خطيرة. الولايات المتحدة تقف إلى جانب نيوزيلندا بأي شيء يمكننا القيام به. بارك الله في الجميع”.
– الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كتب تغريدة على تويتر أيضاً، عبر فيها عن تضامنه مع “ضحايا الجرائم البشعة ضد مساجد كرايست تشيرش في نيوزيلندا” وأحبائهم، وأكد وقوف فرنسا ضد كل أشكال التطرف وتحركها مع شركائها ضد الإرهاب في العالم.
– الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين: وصف الهجوم “بالمقزز ، الدموي والصادم” وأعرب عن تمنياته لمحاسبة كل المتورطين في هذه الجريمة الشنعاء.
– ملكة بريطانيا، إليزابيت الثانية، نشرت بياناً تعبر فيه “عن حزنها الشديد جراء الأحداث المروعة”، وكذا تعازيها الحارة لعائلات، وأصدقاء الضحايا .
– بابا الفاتيكان، فرانشيسكو، أكد على تضامنه مع كل النيوزيلنديين والمسلمين بشكل خاص.
– رئيس وزراء بلجيكا شارل ميشال، عبر عن تضامنه في تغريدة على تويتر، مؤكداً الوقوف بقوة في وجه الكراهية، وأن أعمال العنف هذه ستزيد من “تصميمنا”..
– رئيسة وزراء النرويج، إرنا سولبيرغ، عبرت عن تضامنها وحزنها على جميع الذين قتلوا، ودعت الى ” مكافحة التطرف بجميع أشكاله، هذا هجوم إرهابي من أقصى اليمين ضد المهاجرين واللاجئين”. وقالت أنه يعيد الذكريات الأليمة التي اختبرناها في 22 يوليو، اصعب لحظه في فترة ما بعد الحرب في النرويج”. في اشارة واضحة الى هجوم مماثل نفذه النرويجي اليميني المتطرف اندرس بيرينغ بريفيك، وشددت ” ان هذا تذكير قوي بمدى أهمية العمل ضد التطرف والتضامن مع بعضنا البعض عند وقوع شيء كهذا”..
– وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، عبر عن صدمته، وتعاطفه وتضامنه مع نيوزلندا.
– رئيسة الوزراء النيوزيلندية، ، جاسيندا ارادن، في مؤتمر صحفي وصفت الحادثة باليوم الأسود في تاريخ البلاد، وقالت أن منفذ الجريمة هو إرهابي من اليمين المتطرف والعنيف على حد تعبيرها.
– وقال المجلس المؤلف من 15 دولة في بيان، اقترحته الكويت وإندونيسيا، “يؤكد أعضاء مجلس الأمن مجدداً على أن الإرهاب بكافة صوره وأشكاله يمثل أحد أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين”.
– ووقف ممثلو الدول الأعضاء بالمجلس دقيقة حداد على أرواح الضحايا.
مقارنة بهجوم “شارل ابدو” بفرنسا
ما جرى في نيوزلندا هو نتيجة طبيعية، لموجة التعصب ضد الأغراب والمسلمين، الذين وفدوا للعالم الغربي كلاجئين أو كباحثين عن حياة كريمة، فوصول اليمين المتطرف شأواً في عهد الرئيس الأمريكي ترامب وتنامت الحركة اليمينية في فرنسا، وألمانيا، وغيرها من دول أوربا، مما مهد لحضور طاغ لأفكار التطرف والقومية المتعصبة عند الكثيرين في العالم الغربي.
ومن الواضح أن الإدانات الغربية للحادث لم تحَط بذات البث الإعلامي الذي صاحب حادثة” شارل بيدوا” بفرنسا، الذي استمر لعدة أسابيع، مع نشر التفاصيل الصغيرة والكبيرة للحادثة، لإحداث رأي عام، وإلصاق الإرهاب بالمسلمين خاصة، بينما في حقيقة الأمر الإرهاب لا دين له ولا قومية.
حوادث مشابهة
شهدت كندا حادثاً مماثلاً في العام 2017 وأدى الى مقتل 6 أشخاص في أحد مساجد مقاطعة كيبك واعتبر الحادث آنذاك الحادث الأسوأ، الذي تشهده الدول الغربية. وقد تم الحكم مؤخراً على منفذ ذلك الهجوم بالسجن مدى الحياة.
- صحفي عراقي مقيم في السويد