محمد العامري- البصرة :
دائماً ما تأخذني ذكريات الطفولة (وما أجملها) بالرغم إني لم أعش تلك الطفولية كما ينبغي!! وأنا أقود سيارتي الحمراء كما يلقبها البعض (شوشو) استحضرني منظر في احد الازقة الشعبية.. عشرة اطفال احتلوا الشارع بصراخهم،، احدهم يجلس (كمشاهدٍ) وكأنه امام عرض مسرحي!! والآخر يقف وكأنه بأنتظارِ الدورِ الذي سيقدمهُ.. صرخ بهم احد الصبية..
– شنو رايكم نلعب ؟
وقف الجميع وقالوا بصوت واحد:
– شنو نلعب؟
قال وهو مبتسماً بشراسةٍ:
– نلعب لعبة (الايمو)
هرع الجميع امام صبي كان بينهم .. هرب منهم.. يركض.. يميل بجسدهِ يميناً ويساراً هرباً من الأيدي التي تحاول أمساكهُ.. بقي يراوغهم وهو يصرخ :
– آنه مو ايمو عوفوني
لم يستجب أحد لمطلبهِ رغم صراخه الذي كاد يمزق حباله الصوتية.. لم يتمكن (طفل الايمو) من مراوغتهم لمدة اطول، حتى اخذه احدهم بشده من الخلف مشبكاً قدمه بقدميهِ لإسقاطهِ ارضاً ..
للولهة الاولى أحسستُ أنني في فلمٍ درامي جديد من نوعٍ آخر، لم أشهد لعبة كتلك التي أشاهدها امامي الآن.. أخذني الفزع حينما سقط (طفل الايمو) ارضاً على وجهه اردت الخروج لأنقاذه لكن (ابواب سيارتي مقفلة) ولصدمتي.. لم اعرف كيف افتح الباب.. صراخ صبي آخر يحمل (بلوكه*) قادماً مسرعاً إلى مكانِ سقوط (طفل الايمو):-
– ثبتوه عدل .. خلوه على الرصيف..
طفل يثبت طفل الأيمو أرضاً، وآخر يهزج بالنصر، وصبي يكتفي بمشاهدة ما سيحل بهِ.. وأنا أتابع هذه الدراما من داخل سيارتي مستخدماً كاميرة موبايلي لتوثيق تلك الاحداث.. لم يكتف طفل الايمو بالتوسل لرفاقه مازال يتوسل إليهم ليتركوه بينما من يثبته يصرخ في وجههِ: –
– بوس تراب الوطن!!! ..
صاحب (البلوكه) يقذفها بقوة جنب رأس طفل الايمو .. وظل يرقص مفتخراً ومطالباً الجميع أن يرددوا أهزوجات النصر وسقوط (الايمو) ..
هذه الصورة جعلتني أعود لكتابتي بعدما تركتها منذ فترة طويلة لأجدها تستفزني وتُفجر صمت ماعدت أتحمله..
عنف من نوع آخر لدى طفولتنا :
بعد ( العاب الرشاشات والقنابل الصوتية) التي اغرقت سوق الاطفال، وجدنا نوع جديد (لعبة الايمو) التي اختلقتها بقصد بعض الجهات كما خلقت وزرعت في داخل اطفالنا العاب العنف..
كنت صغيراً العب لعبة (شرطي..حرامي) وهي لعبة علمتنا ماهو الخير وماهو الشر.. وما الفرق بين الابيض والاسود، وغيرها من الالعاب التي رافقتنا كـ (غميضة جيجو – كضه واحيي – وبيت ابيتات) لم تكن بالنسبة لنا مجرد لعبة نتسلى بها بل أنها تعلمنا قيماً ومعاني الحياة والمستقبل الذي نخط طريقنا اليه..
اليوم وبكل بساطة وألم اقولها ان الاطفال تتجرد من طفولتها وهذا مايجعلنا نعلم بأننا بلا مستقبل نسير نحو المجهول.. لا أمتلك عصى سحرية كي أغير مايجري في بلدي لكنني أملك قلماً يفيض بحبره على ورقتي الممزقة.. تساؤلات كثيرة قد نطرحها وليس هنالك سوى صدى تساؤلنا، او لنطرحها بلغة الشارع (ليش؟؟) ما المقصود من ترسيخ العنف في اذهان هذه الطفولة البريئة ربما كلنا نعرف أن ما يقصد به أن لا يكون مستقبل لنا .. اليوم جاؤا بالايمو بطريقة قتلهم واجتثاثهم وغدا يقدمون أفكاراً أكثر عنفاً..
أنها حرب من نوع آخر !!
طرح قضية الايمو التي اتهموه(بعبادة الشيطان) هي سلاح جديد وحقنة جديدة يحقننونا بها لترسيخ العنف بداخلنا.. هم أنتصروا لأننا شعب سيطرت عليه اجندات خارجية مستغلين الجهل، والعوز الذي تملكنا..
مايعكسه اطفالنا هو استنساخ مايطرح من قضايا سياسية او دينية في مجتمعنا.. فتأثيره واضح للعيان وخطورته بانت بتدهور البلد وسيره عبر ممرات مظلمة ودائرة مغلقة، لا أريد أن أظهر يأسي فنحن شعب لايعرف اليأس ، فإلى متى نبقى نحلم؟!!