ماهر فيصل*
كل ما يحدث في العراق يثير الغضب ويدعو الى العجب، ولعل اعجب ما في العراقيين انهم يعيشون الحدث، ولا يرون تفاصيله، ليس لأنهم اغبياء، وانما لأنهم عميان عن كل شيء الا مصالحهم الخاصة ومنافعهم التي لا يعنيهم كيف تأتي؟ ومن اين تأتي؟، وانما متى تأتي؟
مائة وثمانون من النواب فقط حضروا جلسة مجلس النواب الاستثنائية التي انعقدت صباح امس لمناقشة اوضاع البصرة، وانفضت قبل ساعات من الآن –الان الساعة 12:37، اي بعد مضي 37 دقيقة على يوم انعقاد الجلسة- وبما يعني ان مائة وثمانية واربعين نائبا، غابوا عن حضور جلسة من اصل ثلاثمائة وثمانية وعشرين دولة غابوا عن مناقشة اوضاع محلية متازمة كادت تفضي بالعراق الى كارثة، وازمات دولية تتمثل بحرق القنصلية الايرانية وموقف تركيا من تزويد العراق بالماء، واتهام دول من الجوار انها وراء التخريب الذي حدث في البصرة.
المفارقة الخطيرة..ان اي احد لم يشر الى هذا الأمر، لا الذين اجتمعوا تحت قبة البرلمان ولا اية وسيلة من وسائل الاعلام او المواقع الاخبارية او الوكالات…..لماذا؟
لأن الجلسة لم تعقد لاختيار الكتلة الاكبر، وليس من اجل اختيار رئيس البرلمان ونائبيه، وليس من اجل من الاوفر حظا بتشكيل الحكومة، او ترشيح رئيس الجمهورية، وانما من اجل مناقشة اوضاع البصرة التي لا تستحق من النواب الغائبين ان يشغلوا انفسهم بها، لأنها لا تدخل في الجيب شيئا، ولأنها تسبب الصداع، ولأنها وربما عرف النواب المتغيبون انها ستكون فرصة لتصفية الحسابات على حساب البصرة الذبيح وحساب العراقيين الذين طمست الاحداث السود في السنوات الخمسة عشر الماضية، ذاكراتهم فباتوا يعيشون الاحداث ولا يرون تفاصيلها!
هل اثبت لكم ان الذاكرة العراقية مطموسة وغائبة او مغيبة بالاختيار؟..سأذكركم بسؤال واحد يتضمن الاجابة..كم مرة اعلنت الحكومة واعادت احزاب ما اعلنته الحكومة ان في هذه المظاهرة او تلك مندسين، ولم يكشف حتى الان عن مندس واحد، قتل او خرب، لأن للمندس رب يحميه؟ يؤسفني ان جلسة البرلمان الاستثنائية استغرقت ساعات، استعرض فيها المتحدثون من النواب عضلاتهم ونسوا انهم اجتمعوا من اجل حل ازمة، لأنهم – وهنا الطامة الاكبر- بلا ذاكرة.
- كاتب وصحفي من العراق