احمد الياسري/ سيدني:
الفتية السبعة الذين أشار القران الى قصتهم التاريخية حين اعتزلوا قريتهم الضالة بعد ان عرف امر إيمانهم بالله ورفضهم عبادة الأوثان في عهد الملك الروماني ديقيانوس كما تشير الكتب التاريخية التي حاولت رصد حقائق قصتهم وكيف ناموا بالكهف اكثر من ثلاثة قرون مع كلبهم الذي تبعهم ونجا معهم من بطش السلطة الحاكمة . وتعد تسمية ( أهل الكهف) هي التسمية القرانية التي تداولها المسلمون واهتموا بقصة أصحابها بالمقابل أيضاً اعتبرت المسيحية قصتهم جزء من تراث الإيمان المسيحي وأطلقت عليهم لقب ( النائمون السبعة ) الذين ردت قصتهم على هرطقة القسيس ثيودروس الذي أنكر قيامة الموتى وأزيحت الحجارة عن الكهف وخرج الفتية ليكونوا أية لقيامة الاجساد والعودة مرة اخرى بعد نومهم للقيامة العامة .
قصة اصحاب الكهف في الاسلام أو النائمون السبعة في المسيحية تعتبر من اهم القصص التي ركزت عليها فرق كاملة من الباحثين والمؤرخين من الفريقين الذين بحثوا تاريخها وموقعها الجغرافي وركز علماء الكلام واللاهوت على جعلها أيقونة الإيمان التي تستفز مشاعر المؤمنين وتحرضهم على الإيمان الدائم بوصفها معجزة بشرية تحققت كان محورها ومحركها وهدفها الإيمان بالله المقترن بقدرته اللامتناهية على جعل الأفعال التي تتجاوز التصور العقلي واقعاً ولازالت هذه القصة التي تحولت في زمننا الى أفلام ومسلسلات وأعمال درامية تؤكد وتطرح نفس المعاني التحريضية على الفعل الإيماني والتسليم بالقدرة الإلهية رغم غرابة القصة وعدم مطابقتها للتصور العقلي لكن معظم القصص التي روتها الكتب الدينية عبر التاريخ كان من اهم دوافع روايتها احداث التغيير الإيماني الذي يدعو له وينشده الخطاب الديني فكل القصص التي ذكرت ان لم تكن منطقية فهي بكل تأكيد لا تتقاطع مع المنطق الديني ودوافعه الإيمانية .
اصحاب الكهف الجدد :
خلال الاسبوعين الماضيين انشغل العالم اجمع بقصة اصحاب الكهف الجدد الفتية الذين دخلوا مع مدربهم في رحلة بأحد كهوف تايلند ونزلت موجة من الأمطار اغلقت منافذ الكهف الضيقة وجعلت عملية انقاذهم أشبه بمعجزة خروج اصحاب الكهف الأصليين الذين دخلوا الكهف في عصر الملك الروماني ديقيانوس ، لم ينتظر العالم اجمع
لكتب المقدسة ليشاهد اصحاب الكهف الجدد بل شاهد عمليات انقاذهم المستمرة عبر شاشات التلفاز بشكل مباشر وعبر المقاطع التي نشرت بمواقع التواصل خصوصا بعد ان تم إنقاذ ثمانية أطفال حتى الان وبقي أربعة أطفال خامسهم مدربهم .
لكل كهف حكاية ولكن تعددت الحكايات واختلف الزمان والمكان والكهف واحدُ…. قصة الإلحاد والإيمان لم تختلف كثيرا ليكون الكهف الجديد محرضاً لها ولكن قيم الإيمان ومفاهيمه هي التي تغيرت الإيمان هذه المرة ليس بالله ولا بالسماء ولكن الإيمان بالانسان والإنسانية والقتال الذي قاتلته فرق الأنقاذ لإنقاذ الفتية التايلنديين الذي لم يعد الكهف يحتمل صرخات استغاثاتهم وهم يطلبون من العالم ان يُؤْمِن ويتوحد من اجل إنقاذهم من هذه الرحلة التي يعتبر العودة منها معجزة فإذا شاهدت الطرق التي سلكها المنقذون للوصول للأطفال تتاكد ان ما بحدث معجزة واقعية لم تنقلها كتب التاريخ أو الدين ،
٤٠ سم هي المسافة الفعلية الذي يتحرك داخلها المنقذون في مسافة تمتد لأربعة كيلومترات مجرد مشاهدة المنظر الذي بثته القنوات يجعلك تصاب بضيق النفس وهذا ما يفسر الاستعانة بأمهر الغواصين بالعالم من احل إتمام مهمة الإنقاذ والذي مات احدهم وهو في طريقه للعودة من الأطفال ، اصحاب الكهف التايلندي لم ينجحوا للان بالخروج جميعاً من هذه المِحنة لكنهم استطاعوا توحيد العالم على ان يتجاوز صراعاته ويؤمن ولو لأجل مسمى بأن الانسان هو الكائن الوحيد الذي يجب ان تسخر كل القدرات لانقاذه من رحلة التيه التي تعصف به .
لكل مقام مقال ، ولكل زمان فتية وكهف ، ينطق بآلامهم ويحبس انفاسهم وأحلامهم ، اذا كان اصحاب الكهف بمدينة أفسوس التاريخية قد أوحوا لنا ان الله لديه القدرة على قيامتنا الجسدية وجعلوا الإيمان به بوصلة ترشد الباحثين عنه على ان يؤمنوا بقدرته على انتشالهم من رحلة التيه البشرية بين الإيمان والالحاد فأن اصحاب الكهف بتايلند قد أوحوا لقيامتنا الانسانية وعودة ارواحنا من الكهوف التي لا تغادرها في هذه الرحلات الغير منقضية من الدهشة واللامنطق واللامعقول .
((وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ))