وطن برس أونلاين

جريدة عربية مستقلة

أهم الأخبار ثقافة وفنون

الجوجو في نايجيريا !

عدي الطائي* :

 المكان / نايجيريا / القرية / اجاكوتا / عام 2006

لم اكن اتوقع في يوم من الأيام أن أعمل في غابات نايجيريا ….
ونايجيريا اكبر دولة افريقية من حيث تعداد السكان حيث يبلغ عددهم 180 مليون نسمة وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي في السنوات الماضية اكثر من 500 مليار دولار بينما يعيش اكثر من 80% من سكانها في الأرياف والقرى التي تعاني من عدم توفر الماء الصالح للشرب او الكهرباء وقسم منهم يسكن في الغابات ولايعرفون اي مظهر حضاري ولم يروا في حياتهم سيارات ومازالوا يستخدمون القوس والنشاب …..
وفي المنطقة التي كنت أعمل فيها ( أجاكوتا ) وهي قرية صغيرة تبعد حوالي 400 كيلومتراً عن العاصمة (ابوجا ) بصفة مدير إداري لإحدى الشركات والتي كان لديها مشروع مد أنابيب غاز وإيصاله الى محطة الطاقة الكهربائية التي بنتها شركة سيمنز الألمانية .

عدي الطائي

وكان من واجباتي تنظيم العمل والإشراف على الأمور اللوجستية والإدارية للمشروع الذي ضم حوالي 1200 عامل نيجيري إضافة الى مهندسين وفنيين من العراق وباكستان ولبنان . وقد قمت بألإشراف على بناء مجمع سكني للمهندسين والفنيين وتزويده بكل وسائل الراحة ووضع الصحون اللاقطة وشبكة الأنترنيت وتم وضع موانع الصواعق في سقف المجمع وكنا نحصل على الكهرباء من خلال مولدتين ضخمتين وتم تشييد خزان ماء بعلو خمسين مترا حيث كنا نجلب المياه يوميا من النهر و تصفيتها بواسطة الكلور والديتول لكي تكون صالحة للإستحمام اليومي وهي مهمة شاقة وتحتاج الى متابعة تفصيلية لكي لاننحرم من المياه سيما في ايام الراحة الإسبوعية وأيام العطل ..
والحديث يطول عن هذه التجربة الرائعة التي عشتها بعيدا عن الإعلام والصحافة تلك المهنة التي زاولتها لفترة ربع قرن تقريبا بحيث نشر الكاتب المعروف والصديق العزيز داود الفرحان مقالا في صحيفة الأهرام المصرية حمل عنوان
( وصل العراقيون الى نايجيريا ) بعد ان اخبرته بأنني اعمل هناك ..
قصة الجوجو :
يباشر العمال عملهم في الساعة السادسة صباحا وكان علي ان اتواجد قبل ذلك الوقت لتأمين ذهاب العمال الى مواقع العمل إضافة الى تأمين احتياجات الحفر واللحام والأوكسجين والمولدات الصغيرة ومعدات لي الأنابيب ومعدات المساحة التي تضمن ان يكون خط سير الأنبوب صحيحا حسب الخرائط والتي كان يشرف عليها فنيا احد المهندسين العراقيين الأكفاء والذي شغل وظيفة المدير الفني للمشروع .
وتنتهي تلك الوجبة بحدود الساعة الثانية عشرة ظهرا حيث يعود العمال الى موقع الشركة لتناول الغذاء والراحة ولكي يباشروا بعدها بالعمل في الوجبة المسائية ولغاية الساعة الخامسة عصرا .
في أحد الأيام حيث كنت اشرف على أكمال بناء المجمع السكني والذي يبعد حوالي 500 مترا عن الباحة الرئيسية التي يتجمع العمال فيها وبحدود الساعة العاشرة صباحا رأيت جموع العمال تركض من بعيد وهو منظر لايمكن لي ان انساه (1200) عامل يركضون ….
ركبت السيارة لكي استطلع الأمر وكانوا يتكلمون بلغاتهم المحلية ولم افهم منهم أي شئ سوى علامات الخوف البادية عليهم ..
استدعيت احد أعضاء السكرتارية وطلبت منه إيضاح ماحدث وفهمت كلمة الجوجو وتعني ( السحر ) …
وفهمت بعدها ان السحرة المتواجدين في المنطقة قد سحروا احدى الأشجار الكبيرة والتي تقع على خط الأنبوب المزمع حفره لإكمال المشروع وان العمال يخافون من تأثير السحر عليهم وهو الجوجو ..
إتصل مدير الشركة بي هاتفيا للإستفسار عن مايجري في الموقع
واخبرته بالجوجو فضحك كثيرا وقال عليك ان تتصل بالسحرة لكي تقنعهم بفك السحر واقناع العمال بالرجوع الى العمل بأقصر وقت ممكن لأن اي تأخير في العمل عليه غرامات تأخيرية وخولني بالتصرف لحل المشكلة ..
طلبت من احدهم ان كان يعرف اين السحرة وكيف التقي بهم ؟
بعد إنتظار دام بحدود الساعة حضر ثلاثة وادعوا انهم من السحرة وإنهم قادرين أن يحرروا الشجرة من السحر !!!
ولكنهم إشترطوا الحصول على مايلي :
بقرة حمراء , بقرة بيضاء , خروف أسود , خروف أبيض , عشرة دجاجات , 100 قنينة من الزيت , ثلاث سمكات ,
قماش ابيض وقماش أسود ولم يحددوا طوله أو عرضه ..
بين الضحك والجد وجدت نفسي محاطا بمجوعة من المحتالين يدعون أنهم سحرة وان العمال المساكين كانوا يقفون خارج المكتب الذي اجتمعت فيه بهؤلاء المحتالين بإنتظار نتائج المباحثات والتفاوض …
بعد مناقشات وتفاوض إستغرق أكثر من ساعتين تنازل السحرة عن مطالبهم وأكتفوا أن يأخذوا تعويضا ماليا عن مطالبهم وهنا بدأت مرحلة أخرى من التفاوض وهي تسعيرة الحيوانات والأقمشة …
بعد جدل كثير تركت المكتب مما اعتبره السحرة انني غير راض عن الأمور حيث اردت اللعب بأعصابهم قليلا وتركت لمدة عشرة دقائق تقريبا الى أن خرج احدهم لكي يدعوني مجددا الى النقاش مما إعتبرته نصرا تكتيكيا عليهم ..
رجعت الى المكتب مبديا غضبي عليهم ولكن بطريقة دبلوماسية نوعا ما ..
بدأ المبلغ المطلوب أولا بخمسة الاف دولار … وكان مدير الشركة يتابع المفاوضات وقال لي اصرف المبلغ وأتركهم ..
لم أستطع تحمل أن تدفع الشركة هذا المبلغ لبضعة محتالين من السحرة وعرضت عليهم مبلغ قدره 600 دولارمما أغضبهم وبعد جدال طويل رضخوا للأمر وقبلوا وهنا إشترطت عليهم ان يكون الدفع بالنيرة المحلية وان يتم التعامل بالسعر الرسمي للبنوك وقبلوا ذلك على مضض ايضا ..
انتهى الصراع بعد ذلك وخرج (زعيم السحرة ) مخاطبا العمال بان الجوجو قد انتهى وعليهم العودة الى أعمالهم ..
عاد العمال الى عملهم بعد إنتهاء الجوجو وانتهت هذه القصة وهناك قصص اخرى.

  • كاتب وصحفي عراقي مقيم في كندا 

اترك ردا

Developed and designed by Websites Builder Ph:0449 146 961