للشاعر الليبي أمراجع المنصوري*
ارتباكات. . !
(( 1 ))
يحدُثُ أحْياناً أنْ ينْسى (( الواحدُ منا )) فى لحظةٍ . . .
اسمَهُ . . اسم أمَهِ . . واسم أبيهْ
واسم ” صاحبتِهِ وبنيهْ ”
وينسى كلَ التفاصيلِ منْ حولِهِ . . .
فى ارْتباكٍ يغيبْ
وينْسى ملابسَهُ . . وما يرْتديهْ
يحْدُثُ أنْ يبْحثُ الواحدُ مِنا عنْ قدمَيهِ . .
هكذا فجْأةً . . فلا يجدْ قَدميهْ
وينْسى أينَ ضَاعا . . ؟ وكيْف . .؟
وينْسى الحِذاءَ الذى يمْتطيهْ
يحْدُثُ أحياناً أنْ لا يُدْرِكُ الواحِدُ منا ،
كمْ مِنَ العُمرِ مَرْ . . وكمْ مِنَ العُمْرِ ظلَ مُتاحاً . .
والى أينَ يمْضى . . ؟ . . وكيْفَ . . ؟
والى أينَ تُفْضى بِهِ الطرُقُ المُوحِلهْ .
(( 2 ))
يحْدُثُ أحياناً أنْ لا يُدْرِكُ (( الواحدُ منا )) ،
أينَ كانَ بالأمْسِ . . ؟ . . وكيْفَ . .؟
واليوم . . أينَ . . ؟
وأيْنَ غداً سيكُونْ
(( 3 ))
يحْدُثُ عادةً أنْ تسْتفيقَ بِنا الشهوةُ الجارفهْ
ويستبدُ بِنا الشوقُ . . .
حينَ تمرُ بِنا امرأةٌ ناضجهْ
وتمْضى بِنا الى ” الهُناكَ ” بعيداً . . .
وحتى أقاصى الأرقْ
. . تُشْعِلُ فينا الجمْرَ الخبئْ
تُشْعِلُنا . . فنُذْكى حرائقَنا فى الورقْ
(( 4 ))
يحْدُثُ عادةً وكُلما دبَ ارتباكٌ بنا . .
ويأسٌ . . وخوفٌ . . فنسْتَغْفِر اللهَ . . .
سراً وجهْراً . . نُصلى له وندعوهُ أنْ يهِبْ لنا عونَهُ
نرفعُ اليهِ يدينا هكذا. . خائفينَ . . .
لنجْتازَ محْنةَ الخوْفِ . . واليأسِ . . والارتباكْ
ويحْدُثُ أنْ لا . . يلْتَفِتْ لنا اللهُ . .
فى ملكوتِهِ . . . فَلِما لا يسْتَجِيبُ لنا اللهُ . . . ؟
وقدْ كُنا نرفعُ اليهِ يديناَ ،
وندْعوهُ سراً وجهرا . . ألمْ نكنْ موقنينْ ؟
ربَما لمْ نكنْ قُربَ شرْفتِهِ الطاهرهْ
ربَما ، كُنا بعيداً . . بَعيداً . . ولمْ نقترِبْ
فقطْ . . كُنا نرفعُ اليهِ يدينا . . .
ولمْ نكُنْ خاشعينْ.
واجب مدرسى. . !
فى آخِرِ بيتٍ هُناكْ
فى الطَرفِ الجنوبي مِنَ القريةِ . .
آخرِ الليلِ يصْرخُ طفلٌ صغيرٌ ، يرتعشُ مِنَ البرْدِ:
يَا أبى . .
لماذا تنام وحيدًا هُناك بالمقبرهْ . .؟
يَا أبى . . عُدْ الينا . .
فَهذا الشتاءُ طويلٌ . . طويلْ
المطرُ غَمرَ بيتَنا ،
وأتلفَتُ المياهُ . . كُتُبى . . وحِذائى . .
وضاعَ منى عبْر الظلامِ القلمْ
وليل ُ البلاد ِقدْ غطَ فى نومِهِ . . ولمْ تأتِ شمسٌ . .
كي أُكْمل الواجبَ المدرسيْ .
مُدرِسُ تاريخْ . .
كُنا خمسهْ
كُنا خمسةٌ . . نعلمُ الأولادَ فى المدرسةِ القديمةِ ” الهُناكْ “
لمْ نفترقْ أبدًا ومنذُ عشرينَ سنهْ
كُنا خمسهْ . . نتبادلُ أصابعَ الطبشورِ . .
وننْحتْ )) ، بزهوٍ حروفَ الهجاءْ ))
كُنا نتْلو لهمْ ” . . قُلْ هو الله أحدْ . . ”
اسمَعوا . . كيفَ نقْرأُ هذا الكلامْ
أنْظروا . . كيفَ نكتُب هذى الحُروفَ . .
” أَلِفٌ . . بَاءٌ . . الِفٌ . . ياءْ ”
حافِظوا على الوقتِ . . والواجبِ المدرسيْ
كُنا نُرددُ لهمْ دائماً . .
فِيما تُتابعنا أعينُهمْ بارتباكٍ . . ورهبَهْ
هَكذا كُنا
كُنا نؤسسُ لهمْ تحتَ سقْفِ الفصُولِ . . .
سماواتٍ تتْسعُ لأحلامهمْ دُون حدْ
كُنا خمسهْ
واحدٌ . . مات هُنا بالذبحةِ القلبيهْ . . .
وآخرٌ . . سافرَ ذاتَ مرةٍ. . وتاهَ فى مدينةٍ بعيدةٍ . .
ولمْ يَعدْ
اثنان اوُدِعا السجنَ بتهمةِ الخيانهْ
لمْ يَعدْ منْ أحدٍ باقٍ هُنا . . إلا انَا . . .
مُدرِس التاريخِ ، فى المدرسةِ القديمةِ ” الهُناكْ ”
لمْ اعدْ مُدرسَ التاريخِ ، عَبرَ الجميعُ ورحلُوا . .
. . . وفَاتنى التاريخْ .
- شاعر ودبلوماسي من ليبيا