عبدالله خليفة- المنامة
إن الصورة التي يرسمها علي شريعتي لتطور الدين في المشرق هي صورة تبسيطية ومخلة، فالأمر ليس صراعاً بين التوحيد والشرك على مدى هذا التاريخ الطويل، فالموجات الدينية السابقة منذ فجر التاريخ كانت غير توحيدية ومتعددة الآلهة، والمسيحية هي ديانة ثالثوية على سبيل المثال، واليهودية والإسلام سبق أن عرفنا جذور توحيديتهما في مواجهة وثنية مفتتة للكيان السياسي. ان كل ديانة جديدة لها جذور في حياة الناس لا بد أن تكون معارضة، سواء كانت وثنية أم توحيدية، لأن الديانة القديمة تكون قد تكلست وراحت تبرر وضعاً سياسياً واجتماعياً صار معوقاً للتطور، ولكن القوى الجديدة بعملها النضالي لتغيير الظروف، تستخدم الدين بأشكاله العبادية وبالغيبية الفكرية وبانتقاداته الاجتماعية،
وهذه المنظومة من العبادات والأفكار تقوم بإزاحة مستوى متخلف من الوضع الاجتماعي، لكن لا تستطيع أن تلغي الاستغلال والقهر الطبقي، فتجد القوى المحافظة التي عارضت الأفكار الدينية ان من مصلحتها أن تساير الموجة بل أن تؤمن بها، لكون الدين لم يعرض إزالتها وإزالة استغلالها، بل هو يركز على عبادات جديدة، أي على أشكال غيبية مشتركة بين كافة المؤمنين بها. وهكذا فإن الدولة الرومانية لم ترفض المحبة المسيحية وأعلنت انها دين الحق، وقامت باستيعاب أشكالها العبادية وتعميد ثالوثها الديني، أما جوهرها كثورة للعبيد فقد تم دفنه، لأن المسيحية لم تتشكل على هيئة برنامج سياسي وعلى أساس حزبي محدد، حيث كان الوعي الديني هو شكل الوعي السائد. إن الدين هنا يعبر عن جوانب روحية واجتماعية وسياسية كثيرة، ولكن جوهر ظهوره كثورة اجتماعية، يتم تغييره من قبل القوى المسيطرة، التي تتسلل إليه بعد قوته وانتشاره، وتتوجه إلى مضمونه وتنتزعه وتبقي أشكاله المختلفة. ولهذا فإنه تحدث عمليات ظهور للمذاهب تقوم بمحاولة استرجاع ذلك المضمون أو تطبيق معناه الجوهري في ظروف أخرى، وبكلمة فإن الدين يقع في مجرى الصراع الاجتماعي معبراً عن صراع معقد بين القوى المختلفة.
لكن شريعتي يضع التاريخ في صراع دائم وأبدي بين التوحيد والشرك، وحين يطبق هذه المقولة على التاريخ الإسلامي نُصاب بالفجيعة، فهو يواصل تطبيق هذه المقولة على تاريخ المسلمين نفسه بعد أن آمنوا جميعهم به، وهو يختار اتجاه الفقراء والمعدمين كعمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبي ذر ليقول: إن هؤلاء هم المسلمون الحقيقيون، في حين إن الأغنياء ليسوا هم من المؤمنين الحقيقيين والمسلمين، بل هو يراهم مستمرين في اتجاه الشرك! فهنا إسلام حقيقي وهنا شرك متوارٍ، فالفقراء والمستغلون والأئمة المجاهدون معهم هؤلاء هم الإسلام، وغيرهم غير مسلم.ويطابق شريعتي هنا بين الفقر والعذاب والإسلام، ويطابق بين الغنى والثقافة، بين الرشيد وابن المقفع، وبين الشرك والإسلام. هنا يحاول شريعتي تمديد فكرة صراع الدين والشرك على تاريخ المسلمين، بعد أن تجاوزوا مرحلة الشرك، وهذا التمديد يذكرنا بأفكار الحركات الدينية المتأثرة بالفاشية في وصف المسلمين بالجاهلية والكفر، حيث لا يتم الاعتراف بتعددية الاتجاهات الاجتماعية والفكرية بين المسلمين، وإنهم لا بد أن يكونوا في مذهب قويم واحد، وفي اتجاه سياسي واحد. لكن ما هو سبب وقوع مفكر يفترض فيه أن يكون ديمقراطياً بخلق اتجاه واحد وبتكفير المسلمين الآخرين؟ لا بد أن نقول هنا: إن شريعتي يستهدف المطابقة بين الإسلام والثورة المطلقة، أي أن يقوم الإسلام في ظروفه تلك بإزالة الاستغلال والفقر، وإيجاد مجتمع من المساواة والعدالة الأبدية، وهو أمر خيالي.
كاتب وروائي من البحرين