محمد حسين سيدني
لاتوجد دولة في العالم تدّعي الديمقراطية وحريّة الفكر والتعبير والمعتقد أقرت قانونا يُجرّم ويُدين فيه كُتّاب ومُدراء ورؤساء الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية وكل المُدونين بمختلف وسائلهم من مُستخدمي الشبكة العنكبوتية بتهمة الجريمة الالكترونية والمعلوماتية وبحجة تهديدها للأمن الوطني والقومي إلاّ في الأنظمة والحكومات الدكتاتورية المستبدة.
وماتداعيات قانون تكميم الأفواه المُزمَع التصويت عليه والذي يريد مجلس النواب العراقي مناقشته لإقراره سوى إنه نهج دكتاتوري مُستبد بوليسي ظالم بعيد عن كل ماهو حضاري وديمقراطي حُر . وإن صُوّبَ هذا القانون حقا فهو قد يحبسك مؤبدا بناءا على تعليقاتك البسيطة على الإنترنيت ، وهي بالطبع فرصة دنيئة وخبيثة للنيل منك باعتبارك مُغرّد غير مرغوب فيه لقوة تنظيرك وحجتك ونقدك البناء وقلمك الجريء الشجاع.
الحقيقة وعلى هامش هذه التطورات والاحداث الخطيرة والحساسة على الساحة الإعلامية ، فان حالة من الضجة والقلق سادت بين الأوساط الصحفية في الداخل والخارج وبين أوساط الكُتّاب الناشطين والصحفيين والمدونين بوسائلهم المتنوعة عن آثار وتداعيات مشروع قانون الجرائم المعلوماتية ، وعما ستؤول إليه الأحداث والظروف المقبلة على الإعلاميين المستقلين في حال إقرار هذا القانون الجائر ، وماعاقبة ومصير كل هذه الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية العراقية المنتشرة منذ ١٤ سنة داخل العراق وخارجه . خاصة والعراقيين والعرب والعالم يعرفون جيدا ومنذ سنة ٢٠٠٣ بأن حكومة العراق الجديد حكومة ديمقراطية حرّة ومكفولة فيها جميع الحرّيات والحقوق.
وبما أن مجلس النواب العراقي هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب العراقي وتقع على عاتقه مسؤوليات وطنية كبيرة وعديدة ، وهو ملزم بسن قوانين تخدم الشارع وتحمي المجتمع العراقي من المجرمين الإلكترونيين ، لا على قوانين تذل شريحة واسعة من المدونين والصحفيين والاعلاميين المستقلين الأحرار في تكميم افواههم وحجب أقلامهم الحرة المُعبّرة عن ضمائر وآهاة مجتمعهم وبمختلف مكوناته.
المفروض على مجلس النواب العراقي أن يدعوا ويصوت على إقرار قانون او إتفاق وطني شريف لمراقبة وتنظيم النشر الالكتروني ، فهناك الكثير من الجرائم المعلوماتية والإلكترونية التي تحتاج الى منع وردع ومراقبة وحجب ، والطائفية أولى هذه الجرائم ، وكذلك جرائم القرصنة والسرقات المالية ، التزوير، التهديدات ، السب والشتم ، التجريح والاذلال ،التحرش بالاطفال ، التحرش الجنسي ، الابتزاز والى غير ذلك من المضايقات التي يعتبرها البعض بسيطة.
ولايوجد شخص عاقل يختلف او يعارض هذه الرؤية في إقرار قانون يحمي مستخدمي الإنترنيت من أولئك المتطفلين المجرمين. ولكن كارثة هذا المشروع المزمع إقراره تكمن في أن يترك فضفاضا مطاطا مُبهما ، حيث يمكن للحاكم إستخدامه بسهولة في قضايا شتى وحسب الرغبة ضد كل الاعلاميين المستقلين والناشطين الوطنيين وزجهم في خانة التجريم المعلوماتي الالكتروني الذي يهدد أمن وسلامة الوطن.
إن الحشد الإعلامي لمحاربة الفساد إذ يستنكر مثل هذه القوانين الظالمة التي تحد من الحريات – يدعوا جميع الصحفيين ورؤساء تحرير الجرائد والمواقع الالكترونية بشن حملة وطنية إعلامية لمنع هذا القرار الجائر والوقوف بحزم امام تمريره والتصويت عليه من قبل البرلمان العراقي.
وإن أقرّ وشُرّع ، فان هذا القانون سيُستخدم يقينا ضد كل الناشطين وسيحد من حرية التعبير والحق في إبداء الرأي ، والحق في الكلام والرد من خلال نصوص قانونية جائرة لاتراعي الحريات الفردية . ولكن بتعاضد كل الجهود الاعلامية الوطنية الخيّرة سيفشل هذا المشروع كما فشلت قوانين سابقة خصّت قوانين التظاهر وحرية التعبير والاعتصام.