مهند ناسو السنجاري
وادي الذئاب مسلسل تركي بدء عرضه منذ ما ينيف عن الثلاث سنوات بعدة أجزاء،فرغم مشاهد التحريض على العنف والقتل والمشاهد المبالغ فيها والتي لا تنطلي إلا على السذج ..إلا انه وما إن بدء عرض الجزء الأول منه حتى شاع سيطه كالنار في الهشيم على المستوى العالمي ، كما انه قد لاقى رواجا كبيرا وسط المشاهدين في العالم العربي.
وكما هو واضح للجميع فان الغاية من إنتاج وعرض هذا المسلسل الدموي ..لا تتعدى كونها رسالة سياسية فحواها إعادة أمجاد الهيمنة العثمانية وتثبيت دعامات إمبراطوريتها في الشرق الأوسط بالأخص في العالم العربي الذي بات يمثل ارض خصبة لترويج أفكار وتوجهات الإمبراطورية التركية الحديثة وذلك ارتباطا بالتقلبات السياسية والصراعات القطبية والإقليمية التي بدأت مطلع عام 2001 وتحديدا بعد حادثة 11 أيلول التي ساهمت في ظهور حركات وايدولوجيات جديدة على الساحة الشرق أوسطية ومن أبرزها تنظيم القاعدة .
وبعيدا عن متاهات السياسة ولكي لا نخرج عن صلب الموضوع ..حقيقة لا أدرك بل واستغرب من هذا الصمت المطبق تجاه سلبيات ومساوئ هذا المسلسل الدموي ليس من قبل وزارات الإعلام والمؤسسات الرقابية في عالمنا العربي فحسب.. بل الصمت من المعلم والعائلة ورجل الدين والصديق وايضا منظمات المجتمع المدني المختصة في التوعية الاجتماعية!
ففي الوقت الذي يقلد أطفالنا عمليات القتل والذبح والتعذيب والانتحار أسوة بما تقوم به شخصيات المسلسل ترى المعلم يحاسب التلميذ على لون حذائه أو طول أظافره أو سبب تأخره ..وفي الوقت الذي تزيد العصابات الإجرامية في الشارع العربي من احترافها في السطو والقتل والاغتصاب مستلهمة ذلك من ما يجري من أحداث المسلسل ترى رجل الدين يصدر الفتاوى بتحريم كرة القدم وفرض الحجاب وتحريم القنوات الراقصة ! كما انه في الوقت الذي يستمد ويزيد المسؤول الفاسد من المسلسل خبرته في أساليب الرشوة والسرقة وامتصاص ما تبقى من دماء الفقراء .. ترى الجهات الحكومية و الرقابية والإعلامية منها تمنع وبصرامة بث أو نشر صورة زوجة الرئيس أو بناته! وتمنع من كشف فساد مسؤول ما ..وما أكثرهم.!
أما بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني أو ما تبقى منها نظيفاً (غير مسيس وغير ربحي)ترى البعض منهم يكثف حملاته الدعائية على إزالة أكوام القمامة وكيفية وضع الأوساخ في الإمكان المخصصة لها، أو تراها تقوم بحملات توعية لتشجيع الأم على الرضاعة الطبيعة ..في الوقت الذي يتطلب منها تكثيف حملات التوعية والإرشاد على منع الأطفال من مشاهدة هذا المسلسل (وادي الذئاب) وغيره من المسلسلات التي تحمل نزعة إجرامية تحرض على القتل والطائفية والإرهاب مع ذكر حالات الانتحار عند الأطفال والشباب التي تسبب بها المسلسل .
وفي حين تقوم الجهة الداعمة والممولة لإنتاج هذا المسلسل ..بإظهار تركيا على أنها منقذ الأمة وملاك الشرق ورحم الديمقراطية والمدافع الأمين عن الإنسانية .. استغرب من كاتب سيناريو المسلسل وبغض النظر عن هويته الفكرية إن كانت (إسرائيلية أو أمريكية أو حتى بن لادنية) لماذا لم يتطرق خلال مئات الحلقات من المسلسل عن المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب بحق الشعب الكوردي في تركيا منذ عقود ؟ كما انه لم يعرج على مسالة الدعم اللوجستي الكبير الذي قدمته تركيا لقوات الاحتلال الأمريكي لدخول العراق؟ ناهيك عن عدم ذكر تجاوزات الجيش التركي وقصفه المتكرر على القرى الآمنة في كوردستان العراق؟ وبما إن المسلسل سياسي بحت فكان حريا بكاتب السيناريو إضافة مشهد من خطة الحكومة التركية للهيمنة والاستحواذ على مصادر المياه (دجلة والفرات) واستغلالها كسلاح ذو حدين؟
ربما يقول البعض بأنه لا جدوى من كتابة هذه الأسطر طالما يبقى اختيار المشاهدة أو عدمها عائد للمشاهد ..فانا أقول انظروا من حولكم وتمعنوا في تصرفات أطفالكم وأطفال جيرانكم وكذلك تصرفات الشباب خصوصا من هم في مرحلة المراهقة ،فقد بات وادي الذئاب جزءا من حياتهم (تسريحة شعرهم – ملبسهم – نغمات جوالهم – حدة طباعهم- طريقة مشيهم ..الخ ) كلها باتت متعلقة بمسلسل وادي الذئاب ..فابن أخي الذي لم يبلغ سن السابعة لم يعد يلعب هو أصدقائه الألعاب الشعبية كالسابق كون لعبة العصابات والتسلح بالمسدسات والحراب والبنادق البلاستيكة وتجسيد دور (مراد- ميماتي- عبد الحي ..الخ من إبطال المسلسل) باتت لعبته المفضلة، كما انه لم يعد يقبل بشراء حقيبة مدرسية أو بنطال أو قميص إلا وصورة إحدى الشخصيات ملصقة عليها ناهيك عن تلفظه كلمات ومصطلحات غير مهذبه فضلا عن لغة التهديد والعصيان.
ومراعاة لمشاعر بعض العوائل المتضررة جراء هذا المسلسل لا يسعني ذكر أسماء وأحداث أليمة حقاً، وقعت في مدينتي تضمنت (عمليات انتحار وذبح عند الأطفال والمراهقين). وبما انه لا يسعنا فعل شيء لمنع مشاهدة هذا المسلسل أو غيره.. لكن يمكن للمعلم ورب العائلة والصديق والخطيب وبقية المنظمات والمؤسسات المعنية بالتوعية الاجتماعية أن تقوم بالنصح والإرشاد وشرح مدى تأثير هذه المشاهد على المجتمع برمته ،كما يتطلب من الإعلاميين أن يكون لهم دور فعال في هذا الشأن. وهكذا نكون قد ساهمنا ولو بشكل محدود في تنظيف مجتمعنا من آفة يمكن لها تقضي على مستقبل الأجيال القادمة.