علي عبد الأمير :(ناقد موسيقي )
منذ فترة وانا اتابع بدهشة معلومات يتم تداولها على “فيسبوك” و”تويتر” مفادها ان اغنيتي فيروز «أنا عندي حنين» و «من عز النوم بتسرقني» هي من صوغ الشاعر العراقي شاكر العاشور، ولأنني احتفظ شخصيا باسطوانتي أصليتين حملتا الأغنتين، وأعرف تماما ان هذه الإحالة للعاشور لا صحة لها، فكنت أقابلها بالتجاهل أحيانا وبالصمت أخرى، لكنني وما إن عرفت ان الشاعر الصديق كاظم غيلان كتب مقالة* في صحيفة “الصباح” البغدادية بهذا المعنى، حتى وصلت الى نص مقاله الذي يؤكد عائدية كلمات الأغنيتين إلى العراقي العاشور.
ولأنني أعرف غيلان جيدا منذ عقود، ومعنى ان تكون الصدقية والموضوعية في نسيج نتاجه الثقافي ونسيج وعيه الفكري، رحت انقب في ارشيفي الموسيقي علني اتبين الحقيقة، وقد اكون سهوت عن هذه المعلومة التي قد تكون حقيقية، فماذا وجدت:
أولا: أغنية «من عز النوم بتسرقني»
هي من بين أغنيات المسرحية الغنائية “لولو” التي قدمت في بيروت 1974، والأسطوانة التي احتفظ بصورة غلافيها تشير إلى ان كلمات الأغنية من وضع الأخوين (عاصي ومنصور) رحباني وألحان فيلمون وهبي.
ثانيا: أغنية «أنا عندي حنين»
هي من بين أغنيات ضمتها أسطوانة “وحدن” وكتب كلماتها الأخوان رحباني ولحنها زياد رحباني، وصدرت العام 1979، اي ان خمسة أعوام تفصل بين الأسطوانتين.
ثالثا: كيف وصل العاشور الى الرحابنة؟
يروي الشاعر كاظم غيلان ان العاشور “أقام في دولة الكويت سنوات طويلة وخبر اللهجة اللبنانية العامية بحكم دائرة صداقته مع نخبة من أصدقاء لبنانيين أقاموا معه هناك والذين بدورهم أوصلوا عددا من نصوصه لفيروز، فما كان منها الا وأن تختار هاتين الأغنيتين، وبحكم علاقتهم بها لكونهم من رجال أعمال لبنانيين ومن عوائل تربطها صداقات مع فنانين ومثقفين هناك وفيروز واحدة منهم.” اللافت ان غيلان أبلغ العاشور انه سيكتب عن “الامر أثارني حقاً ودفعني فضولي الصحفي لاستئذانه بالكتابة عن الموضوع، فوافقني بشيء من الخجل الذي يغلب عليه، وبادرت في الحال لكتابة المادة ونشرها”، وهذا يعني ان العاشور يؤكد عائدية كلمات الأغنيتين له، اي في رواية أخرى ان الأخوين (عاصي ومنصور) قاما بالسطو على الحقوق الفكرية للشاعر العراقي ومنذ اكثر من عقد، وانهما اسقطا اسمه عمدا لاسيما ان الاسطوانتين وما تضمنتاه من معلومات تؤكدان ان الأغنيتين ليستا لها، فالسؤال هنا لماذا ظل صامتا وارتضى هذا المآل؟ أظن ان الأمر فيه خيال شعري: هو عراقي يعيش في الكويت يعرف لبنانيين هناك واجاد لهجتهم فكتب بها قصيدتين حملها اصدقاؤه لفيروز فغنتها!!!! ولعمري فهذه حكاية خيالية تفندها حقائق كثيرة من بينها هذه التفاصيل عن حياته الشخصية كما وردت في معجم البابطين للشعر العربي:
حاصل على البكالوريوس في القانون من جامعة البصرة 1969. عمل من1969 – 1976, مذيعاً فرئيساً للمذيعين في تلفزيون البصرة , ومحامياً خلال عامي 76-1977 , ومسؤولاً للإعلام ومشاوراً قانونياً في المنشأة العامة لناقلات النفط العراقية 1978 – 1980, ثم انتقل للعمل في القسم القانوني في شركة نفط الشمال بالعراق .اي ان حكاية الكويت لا وجود لها اصلا، مثلما لا تبدو حكاية كتابته اغنيتين لفيروز التي قد تنقذها صفة واحدة يتم تداولها عن الأخوين رحباني رحمهما الله، الا وهي سطوتهما في صناعة الموسيقى اللبنانية وقدرتهما على تغطية العديد من “السرقات” اللحنية والشعرية.
* رابط مقالة الاستاذ الشاعر كاظم غيلان
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=102577