محمد الياسين *
وهذا سيضمن أن ينعم العراق العربي بعد خروج الأكراد من مسؤوليته بأمان وإستقرار لبناء الدولة العربية الحديثة ، فالدول الناشئة بحاجة لفترات طويلة من الإستقرار الداخلي والسياسات الهادئة داخليا وخارجيا من أجل بناء قدرات الدولة. فالسياسات المتوترة سابقا قادت العراق بأن يسخر موارده على قضايا التسليح وتقوية الجيش ،لأن المشاكل والتحديات الداخلية والخارجية للعراق كانت تتطلب ذلك الأمر ، لكن بعد ان تعزل المناطق الساخنة عن العراق العربي ” ايران تركيا” بالدولة الكردية، ويقام للعراق نظاما ملكيا يضمن أمن وسلامة العراق وصياغة سياسات هادئة ودبلوماسية متزنة مع الجوار والعالم لن يكون بحاجة لتسخير موارده على بناء قدرات عسكرية عابرة للحدود وإنما سيتجه نحو معركة من نوع أخر ببناء إقتصاد متين وبنى تحتية حديثة وتطوير للمجتمع.
ثانياً : يتطلب الأمر بناء علاقات إستراتيجية وأمنية متينة بين العراق العربي والأكراد تضمن سلامة الدولتين وعدم التجاوز على حدودهما مستقبلا ، وعدم الإخلال بأي من الاتفاقات المبرمة سلفا بينهما ،ولا ضير أن تبرم معاهدات بأشراف ورقابة دولية مباشرة تضمن عدم حصول أي خلل في ذلك. كذلك لا ينبغي على العراق العربي أن يخطي هكذا خطوة دون إعادة النظر في سياساته تجاه إسرائيل وحل المشاكل التأريخية العالقة معها ، فالعلاقات بين الأمم والشعوب لا تقوم على العواطف وإنما على المصالح المتبادلة وقراءة الواقع المحيط بنا بشكل جيد وتغليب المصلحة على العاطفة ، فنحن نتحدث عن بلد دفع ثمنا باهض ولايزال في نزيف مستمر لا بد من إيقافه . إذ لا يمكن إقامة دولة كردية على حدود العراق العربي وتبرم بينهما علاقات استراتيجية وفي نفس الوقت يكون للعراق العربي مشاكل كبيرة مع أهم وأبرز حلفاء الأكراد بالمنطقة ألا وهم الاسرائيليين!. فهذا سيكون خطأ إستراتيجيا سياسيا فادحا!.
الأحواز والعراق ” هوية قومية مشتركة -تسوية دولية عادلة”:
ضلت مناطق الأحواز العربية الغنية بالموارد الطبيعية ” النفط والغاز ” والمستعمرة من قبل الإيرانيين منطقة صراع إيراني عراقي ، وعربي إيراني، رغم ثراء المنطقة بالنفط لكن حرم شعبها وهم من القبائل العربية الأصيلة من أبسط حقوقهم كبشر ، ومارست الحكومات الإيرانية ضدهم سياسات “التفريس” محاولة لإلغاء هوية المنطقة التأريخية . تتشكل الأحواز من قبائل عربية أصيلة وأغلبها قبائل ممتدة الى العراق والخليج العربي ، بقي الأحوازيون يناضلون حتى يومنا هذا من أجل إيصال قضيتهم للرأي العام الدولي بهدف حصولهم على الإستقلال عن الدولة الإيرانية ، بقي هذا الحق القومي للأحوازيين مغيبا طويلا وبعيدا عن أروقة السياسة الدولية ولم توضع ورقة عمل واحدة لمناقشة هذه القضية على طاولة صناع القرار في العالم .الملفت للنظر ان المستوى السياسي الأحوازي تطور كثيرا في السنوات القليلة الماضية ، أنتقل النضال الأحوازي من أجل الإستقلال لطرق مسامع وأذهان الأعلام العربي والغربي بقوة، وصارت نشاطات السياسيون الأحوازيون واضحة في المحافل الدولية رغم ضعفها بسبب عدم وجود رأي عام دولي تجاه قضية الأحواز .
توجد مصلحة قومية مشتركة للأحوازيين والعراقيين العرب في هذا الشأن ،فخروج الأكراد من العراق لتأسيس دولة قومية كردية ، لربما تكون أكبر حجما وقدرة من العراق مستقبلا ، فيما لو التحق بها أكراد سورية ، وحرب عالمية ثالثة مقيدة الجغرافية ، تطرقت لها في مقال سابق ، لربما تكون كافية لالتحاق أكراد تركيا وإيران بدولة قومية ناشئة ، إذا ما توفرت الظروف الملائمة وتغيرت موازين القوى في المنطقة وتعاطي الموقف الدولي مع قضايا الشرق الاوسط وخارطته الجديدة ، لذا ليس من المصلحة العربية عموما والعراقية العربية خصوصا عدم وجود توازن في القوى بين الدول الناشئة حديثا ، وإذا تمكن الأحوازيون لسبب او لأخر من الخروج عن الهيمنة الايرانية فليس من مصلحتهم إنشاء دولة مستقلة بالحجم الذي سيكونون عليه ، عندها سيواجهون نفس التحديات التي ستواجه العراق العربي ، لذا فأن المصلحة المشتركة بين الأحوازيين والعراقيين العرب تقتضي الذهاب نحو تطوير مستوى التفكير بالمستقبل وتناول المصالح القومية بشكل أعمق من السابق ليفضي الى الانصهار في بودقة واحدة لتشكيل دولة عربية كبيرة تضمن بقاءهم بقوة في المنطقة وتضمن للعرب قيام دولة قويه من جهة ايران وتركيا ايضا . هذا الملف لا ينبغي ان يفصل أو يعزل عن تناول ملف الدولة الكردية بل ينبغي ان يكون حاضرا على مستوى الحراك السياسي الواعي لدى الاحوازيين والعراقيين العرب ، وهذا يتطلب قوى سياسية مؤمنة بهذا التوجه الجديد ، وكذلك على مستوى السياسة الدولية والعربية عموما لدعم هكذا توجه مستقبلا.
محيط العراق العربي الجيوسياسي:
للعراق حدودا عميقة مع دول عربية مثل سورية والأردن ، السعودية والكويت ، عانت تلك الدول طوال العقود الماضية ولا تزال من الأزمات التي صدرتها الأنظمة العراقية أليها ، لذلك يتطلب على العراق العربي الجديد ، “المسمى الإفتراضي” ، بناء سياسة خارجية متزنة مع جيرانه وأكثر قربا منهم ، خاصة وأن الحديث عن الهوية القومية للعراق ونظام ملكي للحكم سيلقي مزيدا من الطمأنينة في نفوس تلك الدول . فيما يتعلق بسورية تحديدا ، تلك من البلدان الفقيرة إقتصاديا ، لذا فأن الخوف من إستلام المتعصبين للحكم فيها طويلا من الأمور المستبعدة ، فالمجتمع الدولي والمحيط العربي لن يقدم دعمه لأي نظام متطرف فيها ، بالتالي سورية ليست ليبيا الغنية بالنفط قادرة بالاعتماد على نفسها ، فمهما قوت شوكة القوى المتطرفة في سوريا لن تتمكن من الاعتماد على نفسها بالكامل ، بالتالي لن تشكل تهديدا كبيرا في المستقبل على هكذا مشروع ، مع الأخذ بنظر الإعتبار عدم حساب النظام السوري الحاكم حاليا كونه قائم بوجود النظام الايراني ودعم روسيا ، فزوال الدعم الروسي ولربما إنهيار النظام الايراني سيغير ميزان القوى بالكامل ، أما فيما يتعلق بالسعودية والكويت ، فهما ينتميان لمنظومة خليجية واحدة ، وقيام دولة عربية في العراق بنظام ملكي سيكون محل ترحيب على الأغلب ،خاصة أن الأنظمة الحاكمة فيهما ملكية ، كذلك الأردن فهو ينتمي لنفس المنظومة السياسية الخليجية ونظامه ملكي عربي ، سيجد في النموذج المطروح للعراق والأحواز معا أكثر عقلانية.
الفرص الزمنية وطاولة العمل:
يبقى كل ما طرح في هذا المقال أو أجزاء منه معلقا على جدار الآمال ، طالما لا يتوفر القرار السياسي الاستراتيجي على المستوى العربي والدولي الداعم هكذا تحول جيوسياسي كبير بالشرق الأوسط ، كذلك ينبغي وجود قوى سياسية وإجتماعية بين الأوساط “العربية العراقية والاحوازية” خصوصا ، تعتقد بالانصهار ضمن دولة عربية موحدة ، فذلك الأمر يتطلب تسويق طويل على المستوى المحلي والدولي-الاقليمي ، أما الفوضى الجارية في العراق والتحولات الحاصلة بالمنطقة والحروب المستمرة فهي بيئة مناسبة للتحرك نحو تسويق مشروع بهذا الحجم ، خاصة وان العملية السياسية في العراق فشلت بشكل كبير في بناء الدولة ويصح وصفها “بالرجل المريض” الراقد على فراش الموت!!.