وطن برس أونلاين

جريدة عربية مستقلة

ادب وتراث

القاص عبد الستارناصر :حلمي أن اعود الى وطني .

حوار: محمد بكر :

لاأبالغ حين أقول أن القاص والروائي المبدع عبد الستار ناصر ، واحد من اخطر الاسماء التي ظهرت في عالم القصة والرواية العراقية والعربية على حد سواء ، ولكونه يعشق الحرية ، رفض كل المناصب والآغرءات التي عرضت عليه ، ليغادر العراق عام ( 1999) . ويستقر في عمان التي كتب فيها مجموعة من الكتب من بينها رواية ( أبو الريش ) التي كتبها عام 2001 بين مدينتي عمان وجدة و( صندق الاخطاء ) و( حمار على جبل ) وكتب في مجال النقد الآدبي ( باب القشلة ) و ( سوق السراي ) و( شارع المتنبي ) إضافة الى مجموعة قصصية بعنوان ( الحكواتي ) التي تم طبعها في بغداد , و صدرله كتاب بعنوان ( عن الاردن ومبدعيه ) . عبد الستار ناصر رجل تجاوز الخمسين من العمر وانجز أكثر من أربعين كتاب في القصة والرواية والنقد الأدبي ، وترجمت اعماله الى اكثر من لغة ومنها الانجليزية والالمانية والكردية والروسية ، في العاصمة الاردنية عمان كان لنا معه هذا الحوار :-
* في قصصك ورواياتك ( صراحة ) تصل حد التجريح بذاتك ، هل ترى أن عليك أن تفعل ذلك ؟

– أنا لاأتعمد الكلام عن نفسي بهذه الطريقة ولا أرى في كتاباتي ذاك التجريح الذي يحكي عنه , ربما يجيْ الكلام قاسياً مؤذياً في بعض محطات الكتابة وربما كنت أحكي عن ابطال ( في قصصي ) ويظنهم القارئ بديلاً عني .. كنت صريحاً جداً في سيرتي الروائية ( حياتي في قصصي ) أما بقية أعمالي فتلك مسألة أخرى .
*أنت كاتب غزير, ألا تؤثر الغزارة على كثافة موضوعاتك في القصة والرواية أو تقودك إلى التكرار ؟
– أنا أكتب حتى في ثغرات الوقت في زوايا الزمن التي تناسب روح الأبداع وعقلي يشبه الكومبيوتر إلى حد كبير فهو عقل لايعرف النوم ويمكنه العمل في اية لحظة من الليل والنهار إذا ما توفرت شحنة من الكهرباء , وكهربائي ليست أكثر من فكرة طارئة أوغضب مفاجئ أو خطأ عابر قد يغفله إلا جهازي الخطير هذا . مزحوم بأسرار الحياة , ارى البحر من نافذة البيت الصحرواي المزروع بأشواك الصبير ، فكيف لا أكتب ؟ أحب النخلة التي لم تظهر بعد في منزلي وأحب طفلي الرابع الذي لن يأتي مطلقاً ، فكيف لاأكتب ؟ أنا فريسة الكتب وصيادها ، طريد أبتسامة شهية قد تاتي فجأة في الطريق ونصف حياتي التي مضت مازال غامضاً حتى على أصابعي وذاكرتي ، فكيف لاأكون – والحال كما ترى – غزيراً في كتاباتي ؟
*مالذي تمثله شخصية ( القاضي ) في قصصك مثلاً ( رجل في محكمة ) و( مطر تحت الشمش ) وما هو السر خلف تكرار هذه الشخصية في قصص أخرى ؟
– ربما يعود السبب إلى أنني أشتغلت في وزارة العدل في المحاكم الشرعية وفي محاكم التمييزوالآستئناف ، بضعة أعوام من عمري وكان لتلك الفترة أيجابياتها في العمل القصصي وقد تحقق تنفيذ الكثير من القصص والمسرحيات عبر معاناة الناس الذين أراهم يوميا في أروقة المحاكم ، أما شخصية القاضي فقد كانت حاضرة أمامي كل صباح أيام كنت أنا نفسي كاتبه الأول وكاتم أسرار تلك المحكمة التي لم احفظ اسرارها يوم باشرت في الكتابة عنها .
* ماذا تقول عن الواقع القصصي في الثقافة العربية ؟
– القصة القصيرة في الوطن العربي عموماً مازالت بخير, لكن فرسانها يأخذهم الموت بسرعة لاتناسب إنجازاتهم الرائعة ، هناك أسماء أخذت اكثر مما تستحق بينما أغفل النقد المغفل عطاء أسماء تستحق أن يقال فيها الكثير ، أنها دائماً محنة التي لاتصل إلى أصحابها ، وعندي أمثلة على ذلك سأحتاج إلى شجاعة حتى أذكر النماذج والآسماء والحقائق .
* بمن تاثر عبد الستار ناصر ؟
– أساتذتي في الإبداع أكثر من عناقيد العنب ، لكنني أحب منهم ( دينو بو تزاتي ) و( مارك توين ) وأحترم ( غارسيا ماكيز ) و( البير كامي ) واعشق تكرار قرءاتي ال ( راي براد بري ) و(إيزبيل الليندي ) واعتز بالطيب صالح ويوسف إدريس أما ( اوسكار وأيلد ) و ( هنري ترويا ) فهما بالنسبة لي اكبر من الوصف ، وكذلك الحال مع ( ديستوفيسكي ) و ( أنطوان تشخوف ) .
* المرأ ة تشكل جانب كبير من شخصيات كتبك فماذا تعني لك المرأة .

– نحكي عن المرأة – أحياناً كما لو كانت شيئاً يضاف إلى أثاث البيت ، وهذا خطا كبير نقع فيه بين حوار وحوار ، وحان الوقت لشطب هذه السؤال .
* ماذا تفعل آلآن ، وكيف تقضي يومك ؟
– لاشي سوى القراءة والكتابة ، عندي من الكتب مايكفي ثلاث سنوات لقراءتها ، كما أنني أعمل في رواية عن المجانين ضحايا الحروب التي مررنا بها ، اكتب أيضاً كما تعلم ، الحقل الأسبوعي ( بهدوء رجاء ) في جريدة الزمان ، وقد أنتهيت من تأليف كتاب بعنوان ( سوق الوراقين ) يصدر عن أتحاد الكتاب العرب في دمشق وفيه مقالات عن غارسيا ماركيز ، أيزابيل الليندي ، خورخي لويس بورخس ، محمد خضير ، الياس فركوح ، أنطونيو غالا ، توماس تراتستومر ، وعن حفنة من القضايا التي تحكم حياتنا الأدبية .
* تم أعتقالك أكثر من مرة ، لكن ما هو سبب أعتقالك بعد عودتك من دمشق ؟
– تم اعتقالي مرة واحدة لفترة عام – تقريباً – في قبو من شعاب المخابرات العراقية أبان عهد النظام السابق بسبب قصة قصيرة عنوانها ( سيدنا الخليفة ) ولآشأن لمدينة دمشق بما جرى ، ذلك أن تلك القصة تكفي لقتل عشيرة ، والحمد الله أنني خرجت حياً من أسلاك القتل عندما تبرع الامين العام للأمم المتحدة ( كورت فالد يهايم ) بأنقاذي وارغام النظام في بغداد على الإفراج عني دون قيد أوشرط .
* في احدى مقالاتك قلت بأنك كاتب فاشل ، فرغم تجاوزك الخمسين إلا انك لم تحقق نصف ما حققه ماركيز او سارتر ، وتشعر بالخجل كما تقول أفكار كافكا والليندي او استيفان زفايج أو ديريك والكوت أكبر من افكارك وحبكة رواياتهم أقوى من حبكة كتاباتك ؟ هل ما زلت تشعر بأنك كاتب فاشل رغم نجاحاتك في جذب القراء واللعب على أعصابهم ومشاعرهم في اكثر من اربعين كتاباً ؟
– هذا القول ( أنا كاتب فاشل ) يعنى الكثير من مبدعينا , ولكن لاأحد منهم يملك الشجاعة على الاعتراف بما ( لا يملك ) والكثير من قصصنا ورواياتنا وقصائدنا تكرار وتقليد لمن سبقونا او لمن هم في الجانب الثاني من البحر ومن المؤكد أنا كاتب غير فاشل ، ولو كنت كذلك لما ترجموا أعمالي إلى الانجليزية والألمانيه والكرديةوالعربية والروسية ، لكن المقالة تحكي عن بواطن الامور واسرارها كما أحكي عن عيوبنا مع الحياة والكتابة ، وهذا ما قلته لك عن الجرأة التي لايملكها بعض أحبابنا من المبدعين .
* يتهمك البعض بأنك كنت مدللاً في عهد النظام السابق ، فما الذي جعلك تغادر العراق وتعرى الرئيس ( عزام جبارة ) في روايتك أبو الريش ، ما حكاية هذه الرواية التي علمت بانها منعت في عدد كبير من الدول العربية ورفضت صحف كثيرة نشرها ابان النظام السابق .
– إذا كنت كما يقال ، لماذا خرجت من وطني ؟ إلا يعرف الأصدقاء أن نظام صدام قتل أخي وابن اخي في ساعة واحدة ؟ بأي معنى كان هذا الدلال ؟ لقد كنت أكتب القصص والمقالات بجرأة لايملكها غيري ، واظن اليوم أن جرأتي أعطت أنطباعاً لدى الأخر بأن النظام يمتص – عن طريقي – غضب الشارع ، وهذا ليس ذنبي – ثم أنهم أعطوني ما كان يسمى بالمكرمات الرئاسية كما أعطوا سواي فهل يمكن رفض تلك المكرمات (؟؟ ) في زمن الطغاة ؟ المهم هو أنني رفضتهم بالثلاث ، وخرجت من البلاد التي لوثوها ، وكان من السهل خداعهم والضحك عليهم … لكن الحرية والطمأنينة أثمن من كنوزهم ، وبياض القلب لا توازية ( مكرماتهم ) السود .
* وهل تعتقد أن رواية ( أبو الريش) تتحدث عما يحدث في الخفاء؟
– أبو الريش قالت بعض الحقيقة وماخفى كان اعظم .
* روايتك أبو الريش هل كانت نتيجة يأس سياسي بداخلك ؟
– بالعكس تماماً ايها الصديق , أنها اقصى حالات الايمان بما سيأتي به الغد من ضوء ساطع بعد طول مغيب رمادي لن يتكرر في تاريخ العراق بعد رحيل القصابين وتهشيم الجدرايات التي وقفت في طريق المارة وفي درب العابدين نحو الصواب .
* منذ صدور كتابك الاول ( الرغبة في وقت متاخر ) عام 1968 وانت تنتظر جائزة نوبل هل تتوقع يوما بأنك ستفوز بها ام بغيرها من الجوائز الأدبية ؟
– أنا لا أنتظر جائزة نوبل ولم أكن بأنتظارها ذات يوم وهذه الجائزة تحتاج إلى الكثير من الترجمات لمن سيفوز بها ، ونحن العرب عموماً ليس من احد يلتفت ألينا أو يسأل عنا وجاء فوز نجيبمحفوظ حالة أستثنائية فرضتها ظروف سياسية ، أما عن مستقبل العرب مع هذه الجائزة فلا أحد سينالها بعد نجيب محفوظ !.
* متى ستتوقف عن الكتابة ؟
– لابد أن أتوقف عن الكتابة ذات يوم ، أظنني سأفعلها في يوم خميس وربما عند فجر الأربعاء قبل أذان الفجر, أنا أعرف أن عصر الكتابة يناسبه ان ينتهي يوم الثلاثاء من اسبوع فاجر أو عند منتصف الليل إذا ما أقرب يوم الاثنين من صياح الديك لامفر من ذلك مطلقاً ، انا أقرب شبها بذلك المحارب الذي أراد ان يموت من ساح المعارك ، لكنه مات على فراش الموت وثير بينما الحال سيختلف دون شك مع شخص مثلي ، أنا على يقين سأكف عن الكتابة يوم جمعة أو نهار سبت , كل نفس ذائقة الموت ، وأنا أعرف أن أسوأ ذنب اقترفته طوال حياتي هو إنني مازلت حيا ، ولهذا يناسبني التوقف عن الكتابة في عطلة رأس السنة . هل يناسبك الكف عن الكتابة يوم الأحد القادم ؟
* بصراحة ، ما هو حلمك الحقيقي ؟
– أن أعود إلى وطني واجلس في مقهى الشابندر وارى أصدقائي حسين حسن وحمدي مخلف ورباح نوري واحمد خلف و عبد الخالق الركابي واسال عن صحة الصديق المبدع محمد خضير, واتمشى في شارع ابو نؤاس واكل السمك المسكوف .

* تنويه : أعزائي قراء ” وطن برس اونلاين ” بمناسبة ذكرى رحيل القاص الكبير عبد الستار ناصر ” رحمه الله “يسرني أعادة نشر الحوار الذي  اجريته مع القاص  الراحل  في العاصمة الاردنية عمان عام 2005 ،  التي كانت محطتنا الاولى للمنافي ،  اذ رحلت انا الى استراليا وهو الى كندا ، فهل كانت احلامنا  صعبة المنال؟  ، نعم هي كذلك فعندما سالته عن حلمه الحقيقي قال لي :  حلمي أن أعود إلى وطني واجلس في مقهى الشابندر وارى أصدقائي حسين حسن وحمدي مخلف ورباح نوري واحمد خلف و عبد الخالق الركابي واسال عن صحة الصديق المبدع محمد خضير, واتمشى في شارع ابو نؤاس واكل السمك  المسكوف، لكن امنيته لم تتحق ليرحل  هو الى منفاه في كندا ويموت  ويدفن هناك ، فيما بقي  الوطن عرضة للنهابين والسراقين الذين سرقوا حلمنا الحقيقي للعودة الى وطن آمن وممكن للعيش ، رحم الله القاص الكبير عبد الستار وهو يرقد أمنا في كندا التي اختارها لتكون هي وطنه . 

 

اترك ردا

Developed and designed by Websites Builder Ph:0449 146 961