ماري جويل – فرنسيس
حتى العام 2004 كانا الأطول في العالم، وحتى اللحظة لا يزالان رمز الحداثة الماليزية. إنهما برجا «بتروناس» وكثيرون يرون فيهما نموذجين للعمارة الاسلامية المعاصرة، وندّين لبرجي التجارة العالمية في نيويورك، وقصتهما تروى.يقعان في كوالالمبور وفي الفترة الواقعة بين 1998 و2004 كانا الأطول. في ذلك العام افتتح برج «تايبيه 1» في تايوان. يبلغ ارتفاع كل برج 375 مترا من دون الهوائي اما مع الهوائي فيبلغ ارتفاع كل منهما 450 مترا. يحتوي كل برج على 88 طابقا و75 مصعدا سرعة كل منها سبعة أمتار في الثانية للطوابق العلوية، وأربعة أمتار في الثانية للطوابق القريبة. والرحلة من الطابق الارضي الى الطابق الاعلى في البرجين تستغرق 90 ثانية، والمجمع يحتوي على 32 الف نافذة يتطلب تنظيفها شهرين كاملين.
عملية البناء بدأت في العام 1992 بناء لطلب من شركة النفط «بتروناس»، ولم تنته الا في العام 1998. سميا باسم الشركة، وهما معروفان أيضا باسم «المنارة بتروناس». مجموعتان عالميتان رائدتان في مجال الهندسة تعاونتا في البناء. ويذكر أن شركة «سيزار بيللي وشركاه» الأميركية هي من أعدت تصاميم البرجين وتحديدا المهندس المعماري الأرجنتيني الأميركي سيزار بيلي، بعدما فازت الشركة في مسابقة دولية لتصميم البرجين.
بناء البرجين استلزم 37 الف طن من الفولاذ و160 الف متر مكعب من الخرسانة، وكل برج مدعوم بستة عشر عمودا وهو يتحمل فقدان ثلاثة اعمدة من دون ان يصيبه ضرر. ويذكر ان أساسات البرج حفرت على عمق 120 مترا. والبرجان يوفران مساحة بناء تصل الى 218 ألف متر مربع، وينقسم كل منهما الى ستة اقسام يضيق قطرها تدريجيا مع ارتفاعها، وينتهي بكتلة مخروطية بارتفاع ستة امتار.
يربط البرجين جسر جوي مبني على ارتفاع 175 مترا، بين الطابقين ال 42 وال43 يبلغ طوله 58 مترا، وهو قابل للحركة والانزلاق يمينا وشمالا لمقاومة الرياح والهزات. والجسر يعمل على ربط حركة المرور بين البرجين كما يصلح كمنفذ للطوارئ. ففي حال حدوث طارئ في احد الابراج يتم نقل الاشخاص الى البرج الآخر عن طريق هذا الجسر، وهو مدعم من الطرفين بذراعين مائلين يبلغ طول الواحدة منهما 60 متراً ووزنها 60 طنا.
احد الابراج مخصص بالكامل لشركة النفط «بتروناس» وهو يضم مكاتب العاملين في الشركة والجهات التابعة لها. اما البرج الآخر ففيه مكاتب لاشهر الشركات والمؤسسات العالمية، كشركة «مايكروسوفت» وشركة «اي بي ام». في البرج ايضا مكتب لقناة «الجزيرة» الانكليزية ومكاتب أخرى. والبرجان يخصصان مساحة كبيرة للمحلات التجارية والترفيهية إذ يصطف على جانبيهما أكثر من 300 محل ومقهى ومطعم. بالإضافة إلى ذلك يضم مجمع البرجين قاعة حفلات موسيقية ضخمة، ومعرضاً للفنون ومكتبة متخصصة، إلى جانب مركز استكشاف علمي. وفي ساحة البرجين حديقة KLCC Park صُممت لتضفي اللون الأخضر على المكان، في وسطها نافورة جميلة ترتفع في بحيرة مساحتها عشرة آلاف متر مربع، وهي تطلق المياه حتى ارتفاع 42 مترا ظهرا ومساء، وهو حدث يتجمع السياح في الحديقة لمشاهدته. كما تضم الحديقة أحواضا مائية ومساحة خاصة بالاطفال.
برجا «بتروناس» يحتضنان ايضا مسجدا يجمع في تصميمه بين الطراز الاسلامي والحداثة إذ تتداخل فيه الخطوط المعقدة من الخارج والرخام والغرانيت والزجاج ذو الألوان المختلفة من الداخل، وهو يعد واحداً من أجمل مساجد كوالالمبور.المسقط الأفقي لكل برج صمم وفقاً للنمط الهندسي السائد في العمارة الإسلامية. هو يتألف من مربعين (رمز العالم المادي) متداخلين بشكل نجمة مسجلة في دائرة (رمز انتشار الدين الإسلامي). هذا الرمز الهندسي استخدم كثيراً في الرسم الإسلامي وهو يحمل معاني الوحدة والوئام والاستقرار والعقلانية. اما تصميم البرجين الخارجي فيشير إلى حضارة تلك البلاد، ويظهر السمات التقليدية للمباني الماليزية، وهذا ما جعل منهما مجمعاً معماريا فريداً من نوعه على الأراضي الماليزية وفي العالم. وفي التفاصيل ان تصميم واجهة البرجين هو من الفولاذ والزجاج في أشكال وزخارف مقتبسة من الفن الإسلامي بشكل المربع المتداخل مع النجمة، وعناصر ماليزية محلية، بالإضافة إلى الفولاذ المقاوم للصدأ الذي أضفى إلى جمال البرجين انعكاسات ضوء الشمس الذي يبدو كاللؤلؤ المتناثر على مدخليهما.
مشاكل عدة عرقلت بناء البرجين وأخرته منها الخرسانة. كان من الصعب على المهندسين تحديد تركيبة الخرسانة المناسبة كي تتحمل وزن البرجين الى أن توصلوا الى تركيبة أساسها السيليكا. لكن بعد المباشرة في عملية البناء كشف احد المهندسين الذين يشرفون على العمل ان طابقاً واحداً من الطوابق لم تستخدم فيه التركيبة الصحيحة ما قد يشكل خطرا طفيفا على البرج، إلا ان السلطات الماليزية رأت انه من المكلف جدا هدم الطوابق وصولاً الى هذا الطابق، فما كان من المهندسين الا ان شددوا معايير الامان والمراقبة للحوؤل دون تكرار خطأ مماثل.
المشكلة الثانية التي اعترضت فريق العمل كانت الجسر الذي يصل بين البرجين. قفد توقع المهندسون الا يستغرق بناؤه اكثر من 20 ساعة، لكن وما ان باشروا حتى هبت عواصف استوائية اضرت بالاسلاك الكهربائية في المشروع مرات عدة في ثلاثة ايام. وفيما كان المهندسون يشيدون البرج الثاني تبين انه يميل صوب البرج الاول من طابقه الاول حتى الطابق الستين فقرروا ان يبنوه مائلا 20 ميللمترا الى الجهة المعاكسة، من الطابق الستين حتى الطابق الثمانين، كي يبدو مستقيما تماما. والمشكلة الابرز التي واجهت المهندسين كانت المصاعد. فهم لم يريدوا ان تحتل المصاعد مساحة كبيرة من كل طابق فارتأوا ان يقسموها بحيث تصل الى الطوابق الزوجية عبر مصعد الطابق الارضي، أما الطوابق المفردة فتلجها عبر مصعد الطابق الاول الذي يقود اليه درج كهربائي. ونظرا لضخامتهما وتألقهما يصلح هذان البرجان لان يكونا مركزاً لتصوير أشهر افلام هوليوود. وبالفعل تم تصوير قسم من الفيلم الهوليوودي الشهير Entrapment لشون كونري وكاثرين زيتا جونز على الجسر الذي يربط بين البرجين. لكن المجمع شهد أيضا أحداثا زرعت الخوف في قلوب زائريه. ففي 12 ايلول (سبتمبر) 2001، بعد يوم واحد على سقوط برجي مركز التجارة العالمية في الولايات المتحدة، وصل تهديد الى برجي «بتروناس» يفيد بوجود قنبلة معدة للتفجير في احد البرجين. الشرطة الماليزية سارعت الى اخلاء الآلاف من المبنى، لكنها لم تعثر على اي قنبلة، وقد تبين في وقت لاحق انه تهديد خاطئ. عملية الاخلاء استغرقت ثلاث ساعات قبل أن يعود الجميع الى المجمع ليستعيد نشاطه الطبيعي. وفي حدث مماثل اخلي البرجان في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 بعدما شب حريق في احد الاقسام من دون ان تسجل اي اصابات. وفي 1 ايلول (سبتمبر) 2009، تسلق الفرنسي الآن روبير البرج الثاني معتمدا على يديه وقدميه من دون اي معدات إضافية وقد استغرقت المغامرة ساعتين. يذكر ايضا ان هذه المحاولة الناجحة أتت بعد محاولتين انتهتا بتوقيف ألان، مرة في 20 اذار (مارس) 1997 وكان قد وصل الى الطابق الستين، ومرة اخرى في 20 اذار (مارس) 2007 في الطابق الستين ايضا. المصدر: مجلة الاسبوعية.