انعقدت قمة مجموعة الدول الصناعية السبع (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان)، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، في مدينة هيروشيما اليابانية، خلال الفترة من 19 حتى 21 مايو 2023. وقد تم التباحث حول عدد من القضايا الدولية، وفي مقدمتها ملفي الصين والحرب الروسية الأوكرانية. وضمت القمة بالإضافة لما سبق ذكره، قادة دول الهند والبرازيل وأستراليا وكوريا الجنوبية وفيتنام، إلى جانب إندونيسيا وجزر القمر، وجزر كوك، فضلاً عن مشاركة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
سياق مضطرب:
جاءت قمة هيروشيما، في وقت تشهد فيه الساحة الإقليمية والدولية عدداً من التطورات المهمة، يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:
1- استمرار الحرب الأوكرانية: تزامنت القمة مع نجاح روسيا في السيطرة على مدينة باخموت الأوكرانية، والتي شهدت أعنف وأطول المعارك منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022، فضلاً عن مواصلة تزويد الولايات المتحدة والغرب لأوكرانيا بالأسلحة المتطورة.
ومن جهة أخرى، استهدفت القمة التخطيط لفرض مزيد من العقوبات على روسيا، بغرض حرمانها من القدرات التكنولوجية والصناعية للحيلولة دون تنامي قدراتها العسكرية، بالإضافة إلى متابعة التخطيط الجاري والدعم للهجوم الأوكراني المضاد، والذي صدرت تصريحات متضاربة حياله، بين التأكيد أنه سوف يبدأ خلال شهور، وبين التأكيد أنه قد بدأ منذ عدة أيام، كما جاء على لسان مستشار المكتب الرئاسي لأوكرانيا ميخائيل بودولياك، في 25 مايو 2023.
2- تباين المواقف من العلاقة مع الصين: أتت القمة في الوقت الذي تشكل إدارة العلاقة مع الصين، مشكلة بين الدول أعضاء القمة، ففي الوقت الذي تتبع فيه واشنطن، نهج المواجهة مع بكين، سواءً على المستوى التجاري، أو التقني، أو التشريعي، كما حدث أخيراً، بعد مناقشة مجلس الشيوخ الأمريكي إصدار تشريع لتقليص هيمنة الصين على مجال التقنيات الفائقة عالمياً، في مقابل اعتزام الصين إصدار مسودة إجراءات لإدارة الذكاء الاصطناعي، فإن الأطراف الأخرى تتبنى موقفاً أقل حدة لمنع إثارة غضب بكين، والحفاظ على العلاقات الاقتصادية المهمة معها، وخاصة الأطراف الأوروبية.
3- تصاعد دور اليابان دولياً: جاء اختيار اليابان لانعقاد قمة مجموعة السبع، بالتزامن مع الدور المتنامي لها على المسرح العالمي، وهو ما بدا في الموقف الصريح الذي اتخذه رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، من روسيا بعد اندلاع الأزمة مع أوكرانيا، حيث وجه الانتقاد لموسكو، وتجاوب مع العقوبات الغربية المفروضة عليها. كما قام كيشيدا بجولة إفريقية، بداية مايو 2023، شملت مصر وغانا وكينيا وموزمبيق، في مسعى من جانب اليابان لتأكيد حضورها الدولي، بالإضافة لمحاولة طوكيو لبناء زخم حول قمة هيروشيما من خلال وضع الدول الإفريقية في سياق القمة.
أبعاد القمة:
تضمنت القمة التي امتدت على مدار 3 أيام عدداً من القضايا والأبعاد، والتي يمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي:
1- استمرار الدعم لأوكرانيا: أكد زعماء دول مجموعة السبع، حصول أوكرانيا على الدعم الذي تحتاجه في موازنة العام الجاري وأوائل عام 2024 مع تجديد التزامهم بتزويدها بالدعم المالي والعسكري في حربها مع روسيا، وتعهدهم بالعمل على ضمان فشل ما وصفوه بـ”العدوان الروسي غير الشرعي على أوكرانيا”.
وأعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في مؤتمر صحفي على هامش قمة هيروشيما، أن الرئيس الأمريكي قد وافق على تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة مقاتلات من طراز “أف – 16″، بناءً على طلب أوكرانيا، وهو الأمر الذي رحّب به الرئيس الأوكراني، معولاً على مناقشة التنفيذ العملي للقرار في القمة. وهدفت واشنطن من ذلك إلى التغطية على الخسارة الأوكرانية الاستراتيجية لمدينة باخموت، بعد معارك خسرت فيها القوات الأوكرانية، وفقاً للتقييمات الغربية، آلافاً من الجنود.
2- فرض عقوبات جديدة على روسيا: قرر قادة دول مجموعة السبع، خلال قمتهم بهيروشيما فرض عقوبات جديدة على روسيا بهدف تكثيف الضغوط عليها، وتشمل العقوبات الجديدة قيوداً على صادرات منتجات أساسية لروسيا في ساحة المعركة، كما تستهدف كيانات متهمة بنقل معدات إلى الجبهة لحساب موسكو، كما تعهدت المجموعة بالحد من استخدام أو الاتجار بالألماس المستخرج أو المعالج أو المنتج في روسيا من خلال اعتماد تقنيات التعقب.
وفي السياق ذاته، أعلنت واشنطن، تبنيها عدداً من العقوبات ضد روسيا، ومنها منع نحو 70 كياناً من روسيا ودول أخرى من الحصول على الصادرات الأمريكية عبر إدراجها في اللائحة التجارية السوداء، مُشيرة إلى أنه سيكون هناك نحو 300 عقوبة جديدة ضد أفراد وكيانات وسفن وطائرات.
3- رفض “الإكراه الاقتصادي” الصيني: رفض المشاركون في القمة السياسات التي تتبعها الصين فيما يتعلق بمسائل الحريات الاقتصادية والإكراه الاقتصادي، وكذا السياسات المناوئة لقيم التعاون والعولمة، ولكن دون أن ينفي ذلك استمرار مساعي التعاون مع الصين كقوة اقتصادية عظمى.
ومن جهة أخرى، أكد المشاركون أن السلام والاستقرار في تايوان عنصر لا غنى عنه للأمن العالمي، كما حثوا الصين على التصرف بمسؤولية كعضو في المجتمع الدولي، وهو ما يحمل ضمناً مطالبة بكين بالتراجع عن تهديداتها بضم الجزيرة عسكرياً، خاصة بعدما اتجهت الأخيرة إلى شراء أسلحة جديدة من الولايات المتحدة. كما قررت القمة المطالب الغربية المتمثلة في دعوة الصين بأن تضغط على روسيا لإنهاء الحرب على أوكرانيا، وأن توقف عدوانها العسكري وتسحب فوراً وبشكل كامل وغير مشروط قواتها من أوكرانيا.
وانعقدت على هامش القمة، قمة لقادة تحالف “كواد”، الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وقد تم تأكيد تقديم الدعم لحماية منطقة المحيط الهندي الهادئ حرة ومفتوحة ضد التهديدات الصينية والكورية الشمالية.
4- مواجهة مشروعات الحزام والطريق: أكدت القمة أهمية الشراكة مع دول الجنوب والدول النامية، مع التركيز على معالجة التحديات التي تواجهها تلك الدول، فضلاً عن تعهد مجموعة العشرين بالتعاون معهم في مجالات الغذاء والتنمية والصحة والفقر والتحول في قطاع الطاقة وسد فجوة تمويل التنمية.
وتأكيداً لما سبق، انعقدت على هامش القمة فعاليات بمشاركة مختلف الدول ومشاركين من القطاع الخاص والبنك الدولي لحشد الاستثمارات لصالح تعزيز البنى التحتية في جميع أنحاء العالم، من خلال استهداف تعبئة 600 مليار دولار لتمويل البنية التحتية، وهو ما يُعد محاولة من واشنطن لإحياء مبادرة تنموية تستهدف مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي أسهمت في تعزيز نفوذ بكين حول العالم.
5- رفض التهديدات النووية: تطرقت القمة لمسألة نزع الأسلحة النووية ووقف سباق التسلح بغية الوصول إلى عالم خالٍ من السلاح النووي. وأعربت المجموعة عن قلقها بشأن الاستعدادات الروسية المرتقبة لإجراء تفجير نووي اختباري، خاصة مع اختيار مدينة هيروشيما كرمز للسلام، فضلاً عن انتقادها لاستمرار تصعيد إيران في برنامجها النووي والصاروخي.
ويلاحظ أن هذه المطالبة جاءت في ظل تصعيد الدول الغربية ضد روسيا عسكرياً، وهو ما وضح في موافقة واشنطن على إمداد أوكرانيا بمقاتلات “أف – 16″، وهو الأمر الذي سوف يستفز روسيا، والتي قد تلجأ إلى تنفيذ تهديداتها السابقة باستخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا لوقف الصراع الجاري، وتأكد ذلك في تصريح رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، في 23 مايو، والتي علق خلالها على تسليم هذه المقاتلات إلى كييف قائلاً: “كلما زاد عدد الأسلحة التي يتم توفيرها، كلما كان العالم أكثر خطورة، وكلما كانت هذه الأسلحة أكثر تدميراً، زاد احتمال حدوث سيناريو ما يسمى بنهاية العالم النووية”، وبالتالي جاءت القمة لتستبق التهديدات النووية الروسية بسبب زيادة دعم أوكرانيا عسكرياً.
ردود الفعل:
انتقدت روسيا والصين وإيران القمة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- انتقاد روسي لمخرجات القمة: وجهت وزارة الخارجية الروسية على لسان المتحدثة باسمها، ماريا زاخاروفا، في 21 مايو 2023، انتقادها للقمة، واصفة إياها بأنها حدث “مسيّس” يصدر بيانات معادية لروسيا والصين واتهمتها بتقويض الاستقرار العالمي، وأضافت أن القمة أثارت حالة من الهستيريا المعادية لروسيا والصين، وقالت إن مجموعة السبع انحدرت لمستوى لا رجعة فيه، وأن القمة أصبحت حاضنة لمبادرات مدمرة تقوض الاستقرار العالمي، في إشارة ضمنية، إلى مواصلة دعم أوكرانيا عسكرياً، أو محاولة دعم استقلالية تايوان في مواجهة الصين.
2- استياء صيني من نتائج القمة: أعربت بكين عن استيائها الشديد من بيان قمة مجموعة السبع، متهمة الدول المشاركة فيها بأنها تسعى لتشويه سمعتها ومهاجمتها، إذ وصفت صحيفة “غلوبال تايمز” الناطقة باسم الحكومة الصينية، مجموعة السبع بأنها “ورشة عمل مناهضة للصين”، كما قامت بكين باستدعاء سفير اليابان لديها للاحتجاج على القمة التي استضافتها بلاده. ووصفت الصين القمة بأنها تجاوزت حد التدخل السافر في الشؤون الداخلية لتصل لحد الدفع نحو الاستقطاب ووقوع مواجهة بين الصين والمعسكر الغربي.
3- استنكار إيران لبيان القمة: ندد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، ببيان قمة السبع، واصفاً مواقفها ضد إيران بأنها “عديمة الأساس وملفقة”، وذلك على خلفية انتقادها لتصعيد إيران المتواصل لبرنامجها النووي وأنشطتها المستمرة المزعزعة للاستقرار، ومنها نقل الصواريخ والطائرات المسيرة والتقنيات ذات الصلة إلى وكلائها ومليشياتها.
وفي التقدير، يمكن القول إن القمة تعكس أولويات الغرب في المرحلة المُقبلة على مختلف الأصعدة، وبينما اتخذت القمة موقفاً موحداً إزاء الأزمة الروسية الأوكرانية، فإنها فشلت في تبني نفس الموقف تجاه الصين، وذلك نظراً للتباينات في المواقف تجاه العلاقة مع الصين. كما أنه من المتوقع أن يزداد التعاون الصيني الروسي في مواجهة الغرب بسبب دعم الأخير لاستقلالية تايوان، وفي ضوء ما سبق، يتوقع أن تستمر واشنطن في جهودها الرامية إلى استغلال التجمعات الدولية لتعبئة الحلفاء حول العالم في مواجهة الصين وروسيا.
وكانت قمة دول مجموعة السبع، قد اصدرت ، عدداً من القرارات والبيانات حول قضايا متعددة لا تهم المجموعة فقط بل العالم بأسره، وأعلنت دول المجموعة، إطلاق «بيان عمل هيروشيما» من أجل الأمن الغذائي العالمي القادر على الصمود مع البلدان الشريكة لتلبية احتياجات الحاضر والمستقبل.
وأكدت القمة ضرورة تحقيق هدف المجموعة المتمثل في تعبئة ما يصل إلى 600 مليار دولار أميركي من أجل تمويل البنية التحتية عالية الجودة من خلال الشراكة.
وأعلنت العمل على تعزيز التعافي الاقتصادي العالمي القوي والقادر على الصمود، والحفاظ على الاستقرار المالي، وتعزيز فرص العمل والنمو المستدام وتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة مع الاعتراف بأن الحد من الفقر ومعالجة أزمة المناخ والطبيعة يسيران جنبا إلى جنب.
وأعلنت الدول السبع (الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، اليابان) تعزيز تطور بنوك التنمية متعددة الأطراف وتعزيز شراكاتها مع البلدان الأفريقية ودعم زيادة التمثيل الأفريقي في المحافل متعددة الأطراف.
وتضمن البيان الصادر عن القمة:
– الحفاظ على الكوكب من خلال تسريع إزالة الكربون من قطاع الطاقة لدينا ونشر مصادر الطاقة المتجددة، وإنهاء التلوث البلاستيكي وحماية المحيطات.
– تعميق التعاون من خلال شراكات الانتقال العادل للطاقة ونادي المناخ وحزم البلدان الجديدة للغابات والطبيعة والمناخ.
وقررت القمة:
– الاستثمار في الصحة العالمية من خلال القدرة على تصنيع اللقاحات في جميع أنحاء العالم، وصندوق مكافحة الأوبئة، والاتفاق الدولي المقبل للوقاية من الجوائح والتأهب لها والاستجابة لها، والجهود الرامية إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
– التعاون بشأن الهجرة الدولية وتعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريبهم.
– تعزيز المناقشات الدولية حول الحوكمة الشاملة للذكاء الاصطناعي وقابلية التشغيل البيني لتحقيق رؤية مشتركة والهدف المتمثل في الذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة، بما يتماشى مع القيم المشتركة.
الدفاع عن المبادئ الدولية والقيم المشتركة من خلال:
– دعم وتعزيز النظام الدولي الحر والمفتوح القائم على سيادة القانون، واحترام ميثاق الأمم المتحدة لصالح البلدان، كبيرها وصغيرها.
– كما اتفق قادة المجموعة على إطلاق مبادرة جديدة لمواجهة ما سموه «الإكراه الاقتصادي». وتعهدت المجموعة (الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، اليابان) باتخاذ خطوات لضمان فشل محاولة أي طرف تحويل التبعية الاقتصادية إلى سلاح ومواجهة العواقب.
وقال القادة، في بيان، إن المبادرة، التي أطلق عليها اسم «برنامج التنسيق بشأن الإكراه الاقتصادي»، ستستخدم الإنذار المبكر وتبادل المعلومات فائق السرعة حول «الإكراه الاقتصادي» مع الأعضاء الذين يجتمعون بانتظام للتشاور.
– تعزيز جهود نزع السلاح وعدم الانتشار، نحو تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إيجاد عالم خال من الأسلحة النووية مع أمن غير منقوص للجميع.
– تنسيق النهج تجاه المرونة الاقتصادية والأمن الاقتصادي الذي يقوم على تنويع وتعميق الشراكات وإزالة المخاطر وليس فك الارتباط.
– دفع التحول إلى اقتصادات الطاقة النظيفة في المستقبل من خلال التعاون داخل مجموعة السبع وخارجها.
المصدر / “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”