بقلم هاني الترك OAM
لنبدأ منذ البداية.. تحتفل استراليا غداً الخميس بعيد ميلادها 235.. وهو يوم أن رسَت سفن الأسطول الأول الذي أبحر من بريطانيا.. على شواطئ سيدني كوف.. وكان كابتن الأسطول وأول حاكم للولاية آرثر فيليب بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني عام 1788.
وكان كابتن جايمس كوك الذي إكتشف استراليا عام 1770.. وعاد إلى لندن ليوصي بنفي المجرمين المدانين في بريطانيا الى استراليا.. وذلك بعد ان رفضت الولايات المتحدة قبول المجرمين البريطانيين بعد أن حصلت على إستقلالها عن بريطانيا.. إذ كانت سجون بريطانيا مكتظة بالسجناء.
والواقع ان بريطانيا ليست هي الأولى التي إكتشفت القارة الاسترالية.. فقد وصل إليها البرتغاليون والأسبان والهولنديون والفرنسيون.. بل ان البحّارة العرب كانوا على معرفة تامة بها.
ضمن السجناء كان النساء والرجال والأطفال.. وبعضهم من اليونانيين والإيطاليين والأميركيين.
واجه المبحرون أثناء رحلتهم قسوة البحار وأهوالها.. إذ مات منهم أثناء الرحلة 81 شخصاً.
وقد وصل الأسطول الى بوتني باي كما كان قد أوصى جايمس كوك.. ولكن آرثر فيليب قبطان الأسطول وأول حاكم للمستوطنة لم ير تربة بوتني بانها صالحة.. فأبحر متجهاً الى سيدني كوف.. وأسماها سيدني نسبة إلى وزير الشؤون الداخلية لبريطانية في ذلك الزمن لورد سيدني.
وأطلق إسم نيو ساوث ويلز على المستوطنة.. وأعلن ان جميع أراضي القارة الاسترالية تابعة للتاج البريطاني.
وبدأ بعدها وصول المستوطنين والسجناء.. فازداد عدد سكانها ونمت وإزدهرت.. وفي عام 1801 إنفصلت فيكتوريا والولايات الأخرى عن نيو ساوث ويلز. وكان لكل مستوطنة من المستوطنات الست قانونها وبرلمانها التابع لبريطانيا.
ودخلت الولايات بعد ذلك في إتحاد فدرالي وصدر دستور استراليا عام 1901.. ولكن ظلت استراليا تحت حكم التاج البريطاني والملك هو السلطة العليا للدولة الاسترالية مُمثل بالحاكم العام. وأصبحت الهجرة من إختصاص الحكومة الفدرالية.
إتفقت الولايات على إحتفال ليوم استراليا لتصبح عيداً قومياً على مستوى استراليا.. وفي عام 1994 في عهد رئيس الوزراء الأسبق بول كيتينغ إتفقت الولايات على جعل يوم استراليا يوم 26 يناير/ كانون الثاني عطلة عامة بكل استراليا.
ولكن الأبوريجينيين هم السكان الأصليون إذ قطنوها منذ 60 ألف عام.. وكانوا بدائيين لا يعرفون الزراعة.. وحدثت صدامات بين الأبوريجينيين والمستوطنين.. وبعض الأبوريجينيين يسمون يوم استراليا 26 يناير بيوم الغزو.. والأسبوع الماضي أعلنت حكومة الولاية عن جعل مكان اللقاء بين الأبوريجينيين والمستوطنين في منطقة ساوث هيل بأنها مكان تراثي لا يمكن المساس به. ويعاني الأبوريجينيون من تفشي البطالة والنسبة العالية في السجون والعنف المنزلي والإفتقار للصحة السليمة.. لذا إقترحت الحكومة الفدرالية بإقامة لجنة من الأبوريجينيين تسدي المشورة للبرلمان بما يتعلق بشؤون الأبوريجينيين لتحسين أحوالهم وأسمته «الصوت»- “The Voice” وذلك من خلال إجراء إستفتاء عام وإدخاله بالدستور.. وأن الأبوريجينيين هم السكان الأصليين للقارة الاسترالية وأصحاب الأرض.. لكني أرى ان الإستفتاء لن ينجح إذا لم توافق عليه المعارضة الأحرارية. وكانت سياسة الهجرة هي استراليا البيضاء.. وفي سنة 1973 أٌلغيت رسمياً السياسة العنصرية وأصبحت سياسة معتمدة هي التعددة الحضارية.
والواقع ان استراليا متعددة الحضارات منذ العام الأول لإيستيطانها حيث كان ضمن السجناء جنسيات أخرى متعددة مثل اليونانية والأميركية وغيرها.. فقد تم تطبيق سياسة التعددية الحضارية.. ومن بينهم الأبوريجينيون.
هكذا بُنِيت استراليا بالعرق والجهد منذ اليوم المشهود 26 يناير/ كانون الثاني عام 1788.. ومن ثم يجب الإبقاء على الاحتفال بيوم استراليا في ذلك اليوم المشهود من خلال الدستور.. وحتى تلتزم كل الحكومات الاسترالية للولايات بالاحتفال به ينبغي رسم خطة تتضمن إجراء إستفتاء وإصدار قانون يقضي بأن يوم استراليا هو يوم 26 يناير/ كانون الثاني ولا يمكن تغييره إلا بإجراء إستفتاء عام مثل يوم الأنزاك والعلم الاسترالي.
المصدر / جريدة التلغراف الاسترالية