بقلم: زينب لعيوس
تتخذ السلطة اشكالاً مختلفة فمنها السلطة الابوية او السلطة الذكورية، سلطة الشارع والشرع والعادات والتقاليد، وربما سلطة الرفاق وايضاً يمكن ادراج سلطة المنصب والقيادة …. الخ وكل هذه المفردات والاشكال لا يمكن تجاهلها. ففي رواية (عنبر سعيد) عمل الكاتب على عرض مزيج من السلطة عبر العهر المجتمعي الذي يتخفّى خلف عادات بالية وتقاليد فانية التي تفرض في بعض الاحيان لتقهر الفرد. فتظهر نبرة العهر وتتنوع وتتخذ لنفسها اشكالاً سلطوية موازية أكثر ضراوة وقسوة بدءا من الاب الذي يدفع ابنته لشيخ نجس ظناً منه ان لديه الحل في زواج وشفاء ابنته. ويتجلى ذلك في بعض المشاهد الدرامية: ” قال عنه ابي: شيخ جليل، الجلوس معه يقربك من الله والاساءة اليه يدنيك من النار! لكنني لم أجد في الجلوس معه، في تلك الغرفة المظلمة ما يقربني الى الله أكثر ما يقربني اليه، بل يجعله ملتصقاً بي، يهصرني…………” “قال ابي ان الجلوس مع الشيخ يقربنا الى الله. فكيف بي وكل جسدي الان ملتصقاً بجسده، اشعر ان الشياطين تبارك وحدتنا وتدفعنا الى المزيد …………” وفي مشهد اخر يظهر الحاح الاب على الذهاب الى الشيخ مقطوف: “رغم الحاح ابي ان أرسل النذر الى الشيخ مقطوف الا انني امتنعت بحجة ان لا أحد معه في البيت …………..” . وانتقالاً الى الشيخ في الحي والذي يدخل حالات ابتزاز جسدي متوالية لمن يتعامل معهن من النساء، بحجة انه المتحكم في اقدارهن والمنجى الوحيد لتعاستهن، وهنا يبدأ بممارسة سلطته القذرة والذي يستمدها عبر سلطته المقدسة والجهل المجتمعي من جهة عبر المشاهد الاتي: “كل الطرق تؤدي الى الشيخ في هذه المدينة الضيقة وكل المسارات تمر به هل هي مصادفة ان اهرب من شيء لأقع فيه؟”. “جلبت له النذر، صينية بشمعتين يتوسطها صحن مليء بالحلوى، فالشيخ يحب الحلوى مثل ما يحب النسوة الطريات! هذا ما سمعته من حمام النسوة وتأكدت منه في اول زيارة لي له ….”. ” جثا على ركبته تاركاً فخذي بينهما، اظنه كان يتأمل الجسد الممدود امامه، يتأمله بشهوة كلب. يتحسس ما تحت الثوب، حط فوق ظهري مثل كاسر انقض على فريسته …. الوقت يتمدد ويتمدد معه الدبوس المتوثب ثم قام منتصراً كما في كل مرة ذلك الديك تركني مستلقية دون ان ينطق كلمة “. ولم تقتصر حالات الممارسات السلطوية على النساء فقط فقد اغتصبت احلام عنبر سعيد وقتل الحب الكبير الذي كان يترقبه طيلة عمره. “لست فاسقاً ولم ارتد قناعاً، اعرفك مثلما اعرف نفسي جيداً ويعرفني الجميع، لم افرق بين اثنين تحابا من اجل مال ملوث بالشعوذة، من العار ان يتهم المرء الاخرين دون ان يرى نفسه!” وبهذه المشاهد الدرامية الدالة على تعري المجتمع وتكشف عهره وقهره عبر المؤسسات السلطوية التي تغطي ممارستها الجنسية بخطابها العلني وكأن بسطاء العقول يصدقون تلك الخطابات والمسميات الزائفة التي تجلت فيها الرواية اذ يقدم الكاتب مونتاجا عبر الحوارات والتفاعلات الدرامية الواعية الجريئة كاشفاً الوجوه القذرة لما قبل وبعد التهام الجسد الانثوي عبر الافصاح عن المتناقضات الذهنية الدينية واظهار العهر المجتمعي المتخفي تحت رداء الدين في مجتمع الرواية ويتجلى ذلك في تصرفات الشيخ مقطوف خلال جلساته العلاجية للنسوة مع غياب الوعي الثقافي والديني الحقيقي اذ ان لعبة الوعي هي لعبة غير مكتملة الاركان فمع كل ثقافة وسلطة سائدة هناك ثقافة وسلطة موازية مستقرة لا تقدر على الظهور الا اذا ضعفت الاولى، وبمقدار القهر الذي تمارسه السلطة السائدة تتعالى نسبة تواري السلطة الموازية وربما تتعالى معها لتحولها الى سلطة وثقافة دغمائية منغلقة قاطعة . وقد عمد الكاتب الى اظهار الثقافات المستترة الخفية و تمثلاتها السلطوية عبر مرئيات جديدة من خلال مجموعة من العلامات الاشارية السيميائية لرسم صورة مغايرة للصورة النمطية في الذاكرة المورثة للشيخ بوصفه رمز الرسالة الالهية واستخدام عبارات مغايرة الى سياقات الخطاب مع مقام الشيخ والسلطة الدينية وحسب ما تصفه المرأة على لسان الكاتب وقد عمد الكاتب على استخدام مثل هكذا عبارات بغية الوصول الى الشفرة الذهنية للقارئ عبر الصدمة وكسر التوقع وتعتبر تلك وسيلة من وسائل التحقق الادبية، كسر الالفة بخلق علاقات متجددة بهدف ابراز حجم التزييف الذي تعرض له الرمز(الشيخ)عبر المساس بالمقدس والرموز الدينية لصناعة الاثارة المبالغة المستفزة للفت الانتباه لتحقيق الاستجابة الفورية.