د. قاسم حسين صالح
كنا اجرينا استطلاعين الأول بعد مئة يوم على توليه رئاسة الوزراء والثاني بعد خمسة اشهر ،اسفرا عن ثلاثة استنتاجات في الحكم على أداء الكاظمي ما اختلف عليها العراقيون في حينه،هي:
* انه افضل رئيس وزراء مقارنة بالذين سبقوه بعد التغيير،
* ان نسبة غير الراضين عن عملية اختياره رئيسا للوزراء وغير الراضين عن ادائه في الشهر الأول لتوليه الحكم، انخفضت في الشهر الثالث لصالحه،
*وانه ما يزال لا يحظى بمقبولية عالية بين العراقيين.
واشرنا في حينها الى أن أهم أربع قضايا في الحكم على اداء الكاظمي تتحدد بالآتي:
• استعادة هيبة الدولة بنزع السلاح المنفلت وفرض سلطة القانون،
• محاسبة قتلة المتاظاهرين واطلاق سراح المخطوفين منهم،
• اتخاذ اجراءات حاسمة بحق الفاسدين واستعادة المليارات المنهوبة،
• تأمين اجراء انتخابات مبكرة نزيهة،
• والتواصل مع المواطنين بشكل مباشر وتأمين الممكن من احتياجاتهم.
ففيما يخص هيبة الدولة فان الكاظمي بدأها بنزع سلاح العشائر في البصرة وميسان وفي منطقة الحسينية (بغداد)في معركة أستخدمت فيها قاذفات ( الآر بي جي 7) وقنابر الهاون، والأسلحة المتوسطة..يفترض ان تمهد الى نزع سلاح فصائل مرتبطة بكتل واحزاب سياسية واخرى مرتبطة بعلاقة مع دول الجوار.
ومع ان المرجعية كانت حددت في خارطة الطريق التي اعلنتها في (13/9/20)شرط ان يكون السلاح بيد الدولة فقط،الا ان الكاظمي لم يستطع تحقيق ذلك لقوة تلك المليشيات سياسيا وعسكريا،ولأرتباط بعضها بجهة خارجية لها نفوذ قوي في العراق..وانها تحدته في 2021 بمحاصرة المنطقة الخضراء واستهدافه بصاروخين في بيته.
وفيما يخص محاسبة قتلة المتظاهرين،فأن منهج الكاظمي هو ان يكون القرار الفصل فيها للقضاء،وهذه تحتاج لوقت طويل وفيها اشكاليات معقدة قد تطال بضعة اشخاص من رجال القوى الأمنية.
ورأينا في وقتها ان الذي اطلق الرصاص على المتظاهرين هو في حقيقته اليد التي نفذت قرارا اتاه من سلطة اعلى..ما يعني ان القاتل الحقيقي هم قيادات في احزاب السلطة لن يستطيع الكاظمي محاسبتهم مبررا ذلك بعدم وجود ادلة تكفي لادانتهم قضائيا،سيفسرها الشارع أنه يخفي خلفها خشيته منهم.والأخطر،ان بين القتلة من ينتمي لفصائل مسلحة لها نفوذ عسكري وسياسي يكون من الأفضل له تجنبها خلال الأشهر القليلة الباقية من مدة حكمه.
وكان المأخذ عليه في حينه انه لم يتمكن من اطلاق سراح المخطوفين.فبرغم أننا كنا قدمنا مذكرة حملت توقيع 374 شخصية وطنية تدعوه لاطلاق سراح الكاتب والصحفي توفيق التميمي ،وانه التقى عاءلته ووعدهم..لكن توفيق والناشر مازن لطيف وآخرين ظلوا مغيبين، والأرجح انه تمت تصفيتهم.
والمهمة الثالثة هي(اتخاذ اجراءات حاسمة بحق الفاسدين واستعادة المليارات المنهوبة)..وقد بدأها الكاظمي في العاشر من ايلول(2020) باصدار قائمة باسماء ستة وزراء سابقين، ومدراء عامين،ورئيس هيئة التقاعد العامة السابق،ورئيس هيئة دينية،وآخرين..تسارعت بعد خمسة أيام لتشمل اكثر من خمسين مسؤولا كبيرا ومصرفيين ورجال اعمال..قام جهازمكافحة الارهاب بتنفيذ القرارات الصادرة عن اللجنة التي شكلها لمكافحة الفساد. وبهذا الأجراء يكون الكاظمي قد بدأ بتنفيذ استراتيجته في البدء بمحاسبة الخط الثاني من الفاسدين وما دونهم بما يفترض انه سيمهد سياسيا واجتماعيا وسيكولوجيا الوصول الى (الحيتان).
لقد بارك الشارع العراقي في حينه هذه الخطوة الشجاعة، لكنها أثارت تساؤلين وأشكالية:
• هل تكتمل هذه الخطوة باصدار قرارات حكم تدين من تم اعتقاله من الفاسدين؟
• وهل سيتم اعتقال (حيتان) الفساد ،واسترجاع ما نهبوه من خزينة الدولة؟.
• هل تتولى المحاكم العراقية المختصة محاسبة الفاسدين،ام يقتضي تشكيل محكمة خاصة من قضاة كفوئين ومستقلين..تتخطى الروتين في القضاء العراقي؟
ونعيد الى الأذهان أن الكتل السياسية المشاركة بحكومة الوحدة الوطنية كانت قد اصدرت في عام 2014(وثيقة الأتفاق السياسي) تضمنت بندا صريحا ينص على (محاربة الفساد المالي والاداري ومحاسبة المفسدين واجراء الاصلاحات اللازمة في الجهاز الاداري للدولة واعتماد اسس واستراتيجيات جديدة بما في ذلك مراجعة واقعية لمنظومة مكافحة الفساد وتجاوز الثغرات القائمة)،الذي أثبت اعترافا ضمنيا يؤكده تصريح لرئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي بأن “هناك كيانات منظمة للفساد تدير البلاد ولا توجد سلطة في العراق قادرة على اتخاذ أي خطة ضد الفساد”..ليأتي الكاظمي في ايلول 2020 بتلك السلطة!..مع أن هناك من يرى أن الحيتان ستكون في أمان!
وننوه الى ان مكافحة الفساد ليست اجراءا ينهيه بضرب رؤوس الفساد(وخلص) بل يتطلب استراتيجية وطنية بأهداف عملية بما فيها التربية والتوعية باعتبارهما ضروريين لمحاربة الفساد لدى الأجيال الناشئة،وتغيير النظرة المجتمعية المتسامحة معه أو التي تجعل منه شراً لا بد منه،ما يعني أن الفساد لم يفقر الناس فقط بل افسد القيم ايضا وهرّأ الضمير الأخلاقي بتحويله من فعل كان يعدّ خزيا الى”شطارة”..وهذا يتطلب تشكيل هيأة استشارية من كبار علماء النفس والأجتماع والتربية في العراق,
وتبقى المهمة الأكبر التي ستحدد مسار العراق الخاصة بتأمين اجراء انتخابات مبكرة نزيهة.واليقين عند الشارع العراقي ان الكاظمي يريدها ان تكون نزيهة فعلا، فهو لا ينتمي لأي حزب سياسي، ويسعى في حقيقته الى ان ينهي او يضعف سلطة الأحزاب والكتل التي استفردت بالسلطة والثروة.
وكنا اشرنا في حينه الى ان الفصائل المسلحة ستستخدم كل وسائلها لتزوير الانتخابات..فضلا عن مشكلة فنية هي ان لدى احزاب السلطة اكثر من مليون ونصف بطاقة انتخاب الكترونية،وما لم يتم الغاء الالكترونية واستبدالها ببطاقة بايومترية فان فوزها سيكون مضمونا..ليتمكن الكاظمي من تجاوز هذه المشكلة بتحقيقه في (10 اكتوبر 2021)اول انتخابات تشريعية بعد 2003حظيت بتاييد عربي ودولي.
الحلقة الثالثة والأخيرة ..الكاظمي بعد سنة ونصف