هل كانت مريم المجدلية قديسة أم مومساً؟ هل كانت كما وصفتها الأناجيل الأربعة، الأقرب الى المسيح من بين مريديه؟. وينظر إليها باستمرار بأنها أول من التقى بها بعد الانبعاث؟ أو أنها كانت المرأة الساقطة التي أعاد البابا غريغوري في القرن السادس النظر في أمرها ليصفها بالمرأة الجليلة التي كان لها تأثير كبير.وقد حاول المخرج الانكليزي روب كاولينغ البحث عن الحقيقة في حياة المرأة التي وصفت بكونها الحوارّية للحواريين، عبر فيلمه،
وعبر البحث والتقصّي، وصل فريق العمل الى نتيجة تقول إن عدداً من النساء كن من أتباع السيد المسيح المقربات، كما هو شأن الرجال الـ12 ولكن أولئك النسوة أهملن من قبل التاريخ، وهن الى جانب ذلك، لم يتم ذكرهن كما هو الحال مع مريم المجدلية، ولو كن قد أثبتن حضورهن في حضور الحواريين المعروفين أو العهد الأول من اليقظة المسيحية، لكانت النسوة المشار إليهن قد أحدثن تغييراً حاسماً في جذر الدين وغيرّن بالتأكيد التاريخ بالنسبة للأعوام الألفين الماضية. وبالنسبة لماري، كما جاء في عدد من الأناجيل التي لم تأت النسخ المرخصة منها على ذكرها، والتي نشرت بعد سيطرة الإمبراطورة الرومانية على الدين المسيحي، تعتبر ماري المرأة التي قبلّها المسيح كثيراً على الشفتين، وتم الاعتراف بها من قبل عدد من الحواريين المفضلة بالنسبة إليه. وهناك قصاصة من سجل عنها، تقول إنها كانت زوجته. وقد بدأ اهتمام الكاتب ميلفن براغ بها مع كتابة نص فيلم “السيد المسيح، سوبر ستار” والذي هزّ العالم المسيحي في أواخر الستينات، والنص الجديد عن ماري يبدو متلائماً ومنسجماً مع الدراسات الجديدة.والذي رأى فيها امرأة شابة محيّرة، وليست مومسا انجذبت الى المسيح ليس جنسياً فقط بل بالإحساس بأنه “الآخر”. إن الكتابة عن ماري المجدلية تطلب بحثا عن النصوص القديمة، ويبقى للإنجيل تأثيره الكبير في العهد الراهن، مع النقد الموّجه إليه. فهو يعتبر مصدراً غنياً لعدد من المعارف: الموسيقى، الفن، التأثير على الديمقراطية ومن جهة أخرى، على العبودية، التعليم والعمارة. ومن خلاله يفسر الناس العالم الذي من حولهم، ولماري علاقة عميقة بهذا الأمر. وهناك الكثير ممن يتفقون مع غراهام غرين، ان ما يجعلهم مقتنعون هو كثافة التفصيلات، وقد كتبت في زمن كانت فيه الكتابات الخيالية التي لا يوجد فيها التفاصيل الكثيرة المماثلة لما في الأناجيل. والأبعد من ذلك إن الناس تقلل من شأن قوة تأثير التاريخ الشفاهي والتي تنقل ما سجله الحواريون. وماري على سبيل المثال عندما رأت المسيح للمرة الأولى، لم تتعرف عليه واعتقدته بستانياً، كما نعلم، إن ماري ونساء أخريات كن يرافقنه خلال تبشيره في الرحلات التي يقوم بها، على شواطئ مدينة الجليل، وقد كانت هناك عندما انزل من الصليب. ولكننا عبر معلومات أخرى، نعرف إن ماري كانت خاضعة لروح شريرة أو الشياطين، وهذا الأمر هو النقطة الأولى التي تثيرها النساء اللاتي ضدها، عبر القرون للنيل من سمعتها، وهذا الأمر يدفعنا الى مدى التأثير الذي أحدثه فيلم مارتن سكورسيزي الإغراء الأخير للسيد المسيح، حيث تظهر هي كمومس أمام الناس، والشياطين السبعة، كما تمّ تفسيره من قبل الأكاديميين الجدد، وكان المسيح يشفي الناس من الأمراض وطارداً للأرواح الشريرة، وكما نعلم فان الأدوية كانت قليلة آنذاك، وكان كل ما يوصف عملياً يعتمد على الأرواح الشريرة أو الشياطين ولكن تلك التي كانت تؤذي ماري جسدياً، قد تم السيطرة عليها.
وفي إسرائيل، تتبع فريق عمل الفيلم عدة خطوط، لقد زاروا المجدل في الجليل بحثاً عن المدينة التي ولدت فيها ماري، وهناك اعتقاد إنها كانت تدعى مجدلاً، ولم يجدوا فيها أي اثر يدل على ذلك، ووجدوا هناك قبوراً قديمة تعود الى القرن الميلادي الأول، محفورة في الصخور، خارج القدس، وهي بالتأكيد تشبه الى ما يقال من إن السيد المسيح قد دفن فيه يومين وليلتين والتي تشير الى احتمال حدوث الوفاة أو احتمال أن تكون الوفاة مزيفة، أو عملية الصلب لم تتحقق. ومهما يعتقد المرء، فان ماري هي التي اختيرت لرؤية قيامة المسيح أولا، ولكن الحواريين الذين تم رفضهم من قبل الذين جمعوا أجزاء النسخة المرخص بها من “إنجيل ماري”، الذي تم العثور عليه في مصر عام 1896، والذي واجه مناقشات واسعة في وصف شخصية ماري المجدلية، وأهمية قصتها وكان إنجيل فيليب –الذي كان من بين النصوص التي عثر عليها أيضا راعٍ عربي في الصحراء عام 1945.
وهذين الإنجيلين، مثل الآخر تم إبعادهما من النسخة “السياسية” للإنجيل، وعندما تقرأهما فانك تدرك الحقيقة، إذ يقول فيليب إن المسيح، “قد أحبها” أكثر من كل حواريه، أما في إنجيل ماري، فنجد حوارات طويلة بينها وبين المسيح نفسه، ولكن بنية الكنيسة الكاثوليكية كانت أقوى، وتم إسقاط الإنجيلين المذكورين من النسخة الرسمية من الإنجيل. لقد تم مزجها مع نساء يحملن أيضا اسم “ماري” في الإنجيل، فهناك ماري التي غسلت قدمي المسيح بدموعها وجففتهما بشعرها الطويل، ثم مسحتهما بزيت ثمين، وهناك ماري أخرى من مصر، التي كانت مومساً حقيقية وجعلت عملها ينحصر في الطريق الى القدس، وتقديم المتعة للمسافرين وعندما وصلت الى “القبر المقدس” في بيت المقدس، منعتها قوة من التوجه الى الكنيسة، وعادت الى الصحراء، حيث عاشت هناك 30 عاما عارية، تجد الدفء في شعرها الطويل فقط، تبحث عن لقمة عيشها وهي نادمة.
وكما يبدو فان خطة تعدد النساء اللاتي يحملن اسم ماري أمر متعمد، وكان هناك آنذاك البابا غريفوري على رأس ما كان يعرف بدولة الكنيسة والتي عملت على برهنة واثبات إن ماري المجدلية كانت “مومسا” أبدت ندمها وأمضت حياتها تبحث عن “الكفّارة” وهذا الأمر طرح نموذجاً وتحذيراً لذلك النموذج من النسوة عموماً، وكان ذلك قدرهن، كما كان شأن أمهن جميعاً، حواء التي قدّر أن تتلطخ، وهكذا، قام غريغوري بتجريم ماري معلقاً إياها على صليب المسيحية المحاربة، في عظاته الدينية، وقد أعلن ان الغاية من حياة المسحي،تقديم الندم، وأصبحت ماري المجدلية النموذج الأعلى لكافة النسوة اللاتي يعانين بعد الخطيئة من كونهن نسوة كي يتم خلاصهن، كما إن تلك الخطيئة الأولى ستكون سبباً في منعهن من إسناد مراكز مهمة في السلطة أو الكنيسة –مع عدد نادر من الاستثناءات خلال الأعوام “1500” الماضية، ان ماري التي تحدث عنها غريغوري قد كتبت لهن ذلك المصير.
ومع ذلك، فان النسوة، عبر قرون من الزمن أحببن ماري وشيدت كنائس ومعابد باسمها، وأصبحت، سوبر ستار، وتعتبرها الكنيسة الارذدوكسية قديسة. أما في الغرب، وعلى الرغم من كونها خاطئة قفزت من قفص غريغوري وحرّرت نفسها الخاطئة، تحررت عبر الخطيئة وتحولت الى أسطورة، ويقال ان ماري وأسرتها، بعد وفاة المسيح، استقلت زورقاً في رحلة طويلة لتتوقف عند الشواطئ الفرنسية الجنوبية، ويقال إن أمير مارسيليا وزوجته كانا عقيمين، وطلبت ماري من الله ان يرزقهما بطفل، وهذا ما حصل ونتيجة ذلك، ان الأمير قام بتدمير كافة المعابد الوثنية في مدينته، مستبدلاً إياها بالكنائس.
وفي عهد النهضة، استخدم الرسامون الكلاسيكيون الجدد، شخصية ماري في لوحاتهم. كما ان الكنيسة الغربية، فقدت سيطرتها على صورتها والتي غدت الرئيسة في اللوحات الفنية، ومع ذلك، فان الذين يعتقدون وخاصة في عيد القيامة ان ماري كانت قد اختيرت لرؤية السيد المسيح المعجزة الكبرى للقيامة وهذا الأمر يعتبر من قبل المسيحيين دليلاً على قدرة الله في إعادة الحياة الى الأموات