أ.د.قاسم حسين صالح
الواقعة
في فجر الأحد (7 تشرن الثاني / نوفمبر 2021) استهدف منزل رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي بثلاث طائرات مسيرة تمكنت قوات الامن من اسقاط اثنتين منها قرب المنطقة الخضراء،فيما تمكنت الثالثة من استهداف المنزل بصاروخين احدهما انفجر بداخله والثاني وقع فوق سطح المنزل ولم ينفجر،وفقا لمتحدث باسم وزارة الداخلية.
وقال الكاظمي في كلمته الموجهة للعراقيين :” إلى أهلي وشعبي في كل مكان في العراق العظيم. تعرض منزلي إلى عدوان جبان،انا ومن يعمل معي بألف خير”.،وأضاف :” ان الصواريخ الجبانة والطائرات المسيرة الجبانة لا تبني أوطانا ولا تبني مستقبلا ونحن نعمل على بناء وطننا عبر احترام الدولة ومؤسساتها وتأسيس مستقبل أفضل لكل العراقيين”. ودعا الجميع إلى الحوار الهادف والبناء من أجل العراق ومستقبل.
وتأتي محاولة الاغتيال هذه بعد يومين من احتجاجات قام بها مؤيدو الكتل الخاسرة المعترضة على النتائج الاولية لانتخابات(10 تشرين/اكتوبر 2021) واسفرت عن مقتل اثنين واصابة العشرات من المتظاهرين.
التحليل
برغم ان محاولة الاغتيال قوبلت برفض جميع الاحزاب والكتل السياسية العراقية بما فيها المتهمة بأنها(دبّرت الحادث بليل)،فضلا عن الرفض العربي والدولي واستنكار وادانة العشرات من قادة ومسؤولي الدول والعديد من المنظمات الدولية لهذه المحاولة،فان الجميع يتفق على ان هذا الحادث سيشهد تداعيات كبيرة..عراقيا وعربيا ودوليا،يتعدى هدف نشر الفوضى وزعزعة استقرار العراق، وأن عراق ما بعد محاولة الأغتيال ليس كما قبلها..في رأي كثيرين.
ولأن من عادتنا استطلاع الرأي في مثل هكذا احداث،فقد توجهنا بالسؤال عن
فوائد واضرار استهداف منزل السيد مصطفى الكاظمي فكانت الاجابات كالاتي:
الفوائد
– حصول الكاظمي على تاييد شعبي ودعم عربي ودولي (اميركا،بريطانيا،فرنسا،المانيا،اتحاد أوربي) والامم المتحدة، تزيد من فرصة حصوله على ولاية ثانية.
– توفير حجة للحكومة بنزول الجيش بمدرعاته وآلياته الى الشوارع لأستعادة هيبة الدولة.
– زيادة التذمر الشعبي ضد الفصائل المسلحة وتدخلات ايران في الشأن العراقي.
– حصول فرز في القوى السياسية الشيعية بين من هي موالية لأيران ومن ولاؤها للعراق.
– محاولة الاغتيال كشفت حقيقة ان الديمقراطية في العراق ليست سوى كذبة كبيرة.
– تشكل محاولة اغتيال الكاظمي منعطفا ايجابيا في مسار العملية السياسة بعد 18 سنة من المحاصصة.
– دعت الحكومة الى فتح عيونها على ضرورة وضع خطة علمية ممنهجة لحصر السلاح بيد الدولة،وتمنحها افضل فرصة للقضاء على السلاح المنفلت .
– كشفت ان العراقيين ما عادوا يصدّقون بالشعارات والمظاهر الطائفية المقدسة الكاذبة.
– كشفت ان الطرف الثالث الذي كان يقتل ويخطف المتظاهرين هو ميليشيات الاحزاب.
– اكدت للعراقيين ان الكراسي والمكاسب اهم عند السياسيين من المقدسات.
– اهم الفوائد اننا عرفنا ان السيناريوهات الفاشلة لا تنتج دراما حقيقية!
الاضرار
– ارباك المشهد السياسي
– تهديد السلم الاهلي والمجتمعي
– زيادة الاحتقان السياسي وخشية الناس من قيام القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات بحصول اعمال عنف واحتراب
– خلق بيئة غير آمنة للأستثمار
– فقدان الثقة بالعملية السياسية دوليا واقليميا
– نشر الذعر بين الناس
– أي فائدة! تبقى هكذا امور لأشغال المواطن عن هدفه الرئيس..وتضييع وقت لأعادة بناء الوطن.
ماذا لو؟
لنبدأ بهذا التساؤل: ماذا لو ان المحاولة نجحت واغتيل مصطفى الكاظمي؟
السيناريو الأرجح،أن دور الحكومة سيتعطل، وسيكون الجيش والشرطة بلا قائد عام للقوات المسلحة ،فتكون الكلمة لمن توعدوا الكاظمي بأن (الجريمة لن تمر دون عقاب)،ولمن هم مدفعون سيكولوجيا بدافع اخذ الحيف ورد الأعتبار..وسيتطور المشهد في ساعات الى أحتراب (شيعي شيعي)بين القوى الخاسرة والفائزة في الانتخابات،وستشهد المحافظات الوسطى والجنوبية مواجهات دامية،يكون فيها السّنة والكرد والتركمان متفرجين..وسيبلغ التصعيد ذروته بتدخل ايراني يتبعه بالمباشر تدخل امريكي يضطر مجلس الأمن الدولي الى التدخل..وعندها تتحقق مقولة ان اغتيال الكاظمي تستهدف اغتيال العراق.
هذا يعني ان العراقيين..اعني العامة شعروا بارتياح نفسي، سواء المتعاطفين مع الكاظمي او غير المتعاطفين لأنهم نجوا من كارثة فيها من الفواجع ما هو أوجع.
الكاظمي..يتحرك سيكولوجيا
بعد اربعة أيام من محاولة اغتياله ،وتحديدا في ( 11/11) قام الكاظمي بزيارة الى مدينة الصدر..وفي هذا دلالاتان سيكولوجيتان ،الأولى ان هذه المدينة بناها الراحل عبد الكريم قاسم(باسم الثورة) لساكني الصرائف بمنطقة الشاكرية ،فاحتل قلوب الفقراء وراحوا ينسجون عنه الاساطير بعد قتله بما فيها انهم رأوا صورته في القمر!.وكان ذكاء من الكاظمي انه فعلها كي يحي لديهم هذا الشعور. والثانية ان معظم ملايين مدينة الصدر هم من اتباع الفائز الأول في الانتخابات ،وفي هذا رسالة معنوية للخاسرين في الانتخابات.
وبنفس اليوم وبنفس الدافع، قام الكاظمي بزيارة الى دار العطاء لرعاية المسنين ووضع حجر الاساس لمبناه الجديد..ليحقق في الزيارتين شحنا سيكولوجيا لجمهور الفقراء ورسالة لمن ما زالوا يتوعدون بتصفيته،وتمهيدا ورهانا غير معلن لولاية ثانية!
حكمة ام خشية؟
تمتاز شخصية الكاظمي بثلاث صفات: ليس عدوانيا، يعتمد على القضاء في حسم القضايا الجرمية، وأنه يميل الى ان يكون التغيير سلميا..فضلا عن نشاطه وتواضعه وتحمّل ما يقال عن ضعفه وما يعدّه كثيرون مآخذ عليه ،ابرزها مواجهة الجهة المسؤولة عن استهدافه ،والافصاح عنها بكل وضوح بعد ان تساهل معها كثيرا ،لكنه لم يفعل مع انه صرح قائلا:( سنلاحق مرتكبي الجريمة ،نحن نعرفهم جيدا وسنحدد هويتهم)، فيما دعى الى الحوار حتى مع الجهات التي توعدته علنا.ويرى كثيرون ان موقفه هذا دليل ضعف، وانه اضاع فرصة انهاء وجود فصائل مسلحة يعيد فيها هيبة الدولة وسيادة القانون واشاعة الأمن النفسي بين الناس،فيما يرى آخرون ان موقفه هذا دليل حكمة وادراك لحجم كارثة تحل بالعراقيين، وانه حريص على الدم العراقي، وان الرجل مؤمن بأن التغيير الأيجابي لن يتحقق الا في حالة السلم الأهلي والمجتمعي.
ويبقى الهاجس السيكولوجي الأخطر،ان ما حصل يدعو لترقب المزيد من التطورات، ليس فقط في المشهدين الامني والسياسي بل في انعقاد البرلمان الجديد واشكالية تشكيل حكومة يريدها التيار الصدري حكومة أغلبية وطنية لا توافقية، مرهونة بالموافقة الرسمية على النتائج النهائية للأنتخابات،وما سيحصل بعد انتهاء فترة الهدنة السيكولوجية في الشارع الشيعي!