دمشق / وطن برس اونلاين :
عندما احتدم الصراع في سوريا على مدى العامين الماضين، كان نزيف الدم الطائفي، وتفجير السيارات، وزيادة أعداد المتطرفين أمراً مألوفاً تماماً بالنسبة لمجموعة معينة في تلك الدولة، وهم اللاجئون العراقيون. تشير التقديرات الحكومية أن عدد اللاجئين العراقيين في سوريا يصل إلى 480 ألف لاجئ تقريباً، هرب معظمهم من العراق فراراً من العنف نفسه، الذي لا يميز، والذي ينتشر عبر سوريا حالياً. وفي الوقت الراهن، يتعين على هؤلاء اللاجئين أن يختاروا بين أمرين أحلاهما مر: العودة إلى العراق غير المستقر، أو البقاء في سوريا والأمل في الوقت نفسه في تحسن الأحوال. بين الربيع الماضي والشهور الأولى من العام الحالي، عاد نحو70 ألف عراقي إلى الوطن، وفقاً للأرقام المقدمة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للولايات المتحدة. وخلال الفترة ذاتها، وبسبب احتدام العنف في العراق، دخل ما يقرب من 41 ألف عراقي الأراضي السورية. هذه الأرقام تدل على حركة متأرجحة، أي تتراوح ما بين الارتفاع والانخفاض لشعب موزع بين بلدين تمزقهما حربان طائفيتان شريرتان تفيض آثارهما وتداعياتهما على ما حولهما. تقول ريم السالم المتحدثة باسم مكتب المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة: “اللاجئون من العراق يعانون كافة الأخطار، وكافة المشكلات التي يواجهها السوريون بسبب الصراع”. وتواصل “السالم” تصريحاتها: بل إنهم أكثر تعرضاً للخطر من السوريين إذا أخذنا في الاعتبار أن بإمكانهم الحصول على الدعم من عائلاتهم الممتدة، أو أفراد قبائل أو الشبكات الاجتماعية الأخرى الخاصة بهم. وعلى الرغم من أن العراقيين قد هاجروا إلى سوريا لعقود، فإن إيقاع تلك الهجرة زاد على نحو دراماتيكي خلال ذروة الحرب الأهلية التي اشتعلت في بلدهم، خلال الفترة الواقعة بين السنوات 2006- 2009، عندما أعلنت الحكومة السورية أن ما يقرب من مليوني عراقي يقيمون بداخلها. وتشير أرقام مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن هناك ما يقرب من 63,500 عراقي يقيمون بصفة رسمية في سوريا، وأن معظمهم يعيشون في المدن، وليس في معسكرات للاجئين. وبعض المراقبين يقولون إن الإحصاء الحالي للحكومة السورية للمهاجرين العراقيين، والذي يقدر أعدادهم بنصف مليون هو إحصاء “مضخم” مدفوع بالرغبة في الحصول على المزيد من المساعدات الدولية.
معظم اللاجئين الذين وصلوا إلى سوريا خلال السنوات الأخيرة، استقروا في دمشق حاملين معهم صدمة الحرب في العراق. فما يقرب من واحد من كل عشرة من اللاجئين العراقيين لسوريا كان ضحية للتعذيب، وفقاً لإحصائيات المكتب المذكور، وتشير تلك الإحصائيات إلى أن 60 في المئة منهم كانوا من السُنة، وإنْ كانت هناك أعداد كبيرة من الجالية العراقية في سوريا تقيم في حي السيدة زينب وهي ضاحية تقع في جنوب دمشق. كانت تكلفة المعيشة في سوريا منخفضة نسبيا بالنسبة للعراقيين كما أن أطفالهم كان مسموحاً لهم بالانتظام في الدراسة مجاناً، ولكن العراقيين لم يكن مسموحاً لهم بالعمل مع ذلك، وهو ما جعل الجالية العراقية في سوريا معتمدة بالكامل على المنظمات غير الحكومية، أو مضطرة للعمل في وظائف هامشية وغير منتظمة يستطيعون أن يكسبوا منها مصاريفهم الشخصية على الأقل.
وعندما انتشر الصراع في سوريا وجد الآلاف من العراقيين أنفسهم عالقين في فخ، لأنه لم يكن لديهم الأموال الكافية لترك سوريا، أو الانتقال إلى أحياء أخرى أكثر أمناً. تمكن مهندس ميكانيكي عراقي يبلغ من العمر 47 عاماً طلب منا أن نطلق عليه اسم محمد من الهرب من أهوال الصراع في بلده. ولكنه مثله في ذلك مثل الآلاف من أشقائه اللاجئين، وجد نفسه يواجه خطراً مماثلاً في سوريا.
وكان محمد قد اعتقل بواسطة قوات الولايات المتحدة عام 2004 على سبيل الخطأ، كما يقول وظل محبوساً أربع سنوات، وبمجرد أن تم الإفراج عنه عام 2008 اصطحب زوجته وأطفاله الستة وفر إلى سوريا. ومن خلال بعض معارفه من العراقيين هناك تمكن من العثور على شقة صغيرة مكونة من غرفتين بإيجار مناسب في حي يقع في جنوب غرب دمشق، واختار محمد أن يعيش في ذلك الحي، لأن معظم القاطنين فيه كانوا مثله من السنة. وأثناء وجوده في سوريا سعى محمد للحصول على حق اللجوء السياسي في دولة من الدول الغربية، ولكن الشهور مضت من دون جدوى، وأدرك بعدها أن طلبه لن يصل إلى أي شيء . وعندما اندلعت الانتفاضة السورية كانت حياة محمد مثلها في ذلك مثل حياة ملايين السوريين قد باتت معرضة للخطر. يقول محمد:”لقد هربنا من جحيم العراق لنجد أنفسنا واقعين في جحيم آخر في سوريا”. وبعد أن احتدم الصراع في سوريا لم يعد الحي الذي يقيم فيه محمد آمن، حيث تعرضت ابنة له إلى حروق في الصدر والذراع بسبب انفجار وقع وهي في طريقها للمدرسة، كما ارتفعت النعرة الطائفية في الحي، بعد أن بدأ السكان السنة فيه يوجهون الانتقادات للحكومة السورية التي يقودها شيعة علويون. وبالنسبة لمحمد، ومن هم أمثاله كان ذلك بمثابة عودة إلى ذكريات تلك الأيام السوداء من الحرب الطائفية في العراق التي فروا منها إلى سوريا.
وقد تمكن محمد بمساعدة بعض العراقيين من إرسال محمد ابنه إلى بيلاروسيا للدارسة هناك، كما أعاد بنتيه الكبيرتين للعراق. ونظراً لعدم قدرته على الحصول على وظيفة في سوريا بسبب الظروف الحالية، قرر الذهاب إلى تركيا بحثاً عن بداية جديدة، تاركاً زوجته وثلاثة من أبنائه يواجهون مصيرهم في سوريا. يقول محمد:”لم يكن الأمر سهلاً. ولكن ماذا أفعل وكل شيء في حياتي تقريباً لا يمضي على ما يرام. من المهم أن يتذرع المرء بالصبر في مثل هذه الأمور”.