بغداد – سكاي نيوز عربية
هذه أول انتخابات تجري في العراق ورئيس الوزراء غير مرشح فيها، بهذه الجملة لخص مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة العراقية، الفارق بين هذه الدورة الانتخابية، وما سبقها من دورات أربع، لجهة ضمان نزاهتها وشفافيتها.
لكن المراقبين رغم ذلك، يرون أن الكاظمي يبقى أحد أقوى المرشحين التوافقيين حظوظا، لتشكيل الحكومة الجديدة ما بعد الانتخابات سيما والتجارب تفيد أنه لن تفرز الانتخابات كتلة قوية، بما يكفي لتشكيل الحكومة بمعزل عن غيرها من كتل، وأن الأمر قد يطول لأشهر حتى يتم التوافق بين مختلف الأفرقاء كما هو جاري العادة.
وتعليقا على ما لحكومة الكاظمي وما عليها، ومستقبله السياسي ما بعد الانتخابات، يقول مهند الجنابي أستاذ العلوم السياسية، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “من الناحية الدستورية والقانونية وحتى التطبيقية السياسية، نستطيع القول أنه ليس هناك ما يمنع من تكليف رئيس وزراء غير مرشح في الانتخابات، وبالتالي غير منتخب، وهناك سابقة في هذا الصدد، بتكليف رئيس الوزراء السابق عادل عيد المهدي، الذي شكل الحكومة ما قبل الحالية، التي سقطت بفعل مظاهرات تشرين الشعبية”.
لو أتيحت الفرصة لحكومة الكاظمي، بمعنى لو أن التحديات والقوى السياسية الداخلية كانت أقل حدة ورعونة، لكنا قد شهدنا انجازات كبيرة تحققت خلال عهده، حسب الجنابي الذي يضيف :”نعم كانت لديه النوايا الحسنة، لكن التحديات كانت أكبر وأقوى، فحكومة الكاظمي تعهدت مثلا فور إعلانها بإجراء انتخابات مبكرة، وبحصر السلاح بيد الدولة، وبمحاسبة قتلة المتظاهرين والناشطين، والآن والحكومة في آخر أيامها، لم يتم تحقيق شيء من تلك الوعود، سوى تنظيم الانتخابات المبكرة، وعليها ألف علامة استفهام، لجهة طمأنة الناخب العراقي لنزاهتها، وتبديد هواجسه حولها”.
ويتابع الأستاذ الجامعي العراقي :”في الجانب السياسي استطاع الكاظمي، تأجيل الصراع الداخلي وليس حسمه، ونقصد هنا الصراع المؤجل بين الدولة وقوى اللادولة، من ميليشيات وفصائل مسلحة، والصراع فيما بين هذه الأخيرة نفسها، ونتحدث هنا عن طموحات التيار الصدري، وأيضا طموحات الفصائل التي تستخدم هيئة الحشد الشعبي لتمرير سياساتها وفرض هيمنتها، فالحكومة نعم استطاعت تأجيل هذه الصراعات، لكن ليس وفق مصالح ومقتضيات الأمن القومي العراقي، التي تقتضي التعاطي الصارم مع هذه المجموعات المسلحة، وهو إن اعتبر منجزا للكاظمي لكنه مرحلي وليس استراتيجيا”.
ما يمكن تسجيله بفعل مجمل التفاعلات الداخلية والخارجية، أن الأزمة العراقية هي في جزء كبير منها مرتبطة بالعوامل والتأثيرات الخارجية، كما يلاحظ الجنابي مضيفا :”ويسجل لحكومة الكاظمي، أنها استطاعت انتهاج سياسة خارجية واضحة وثابتة للمرة الأولى، في انفتاحها وتعبيرها عن المصالح الوطنية العراقية، فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وهذا انعكس داخليا بطبيعة الحال في مساعدة الكاظمي، على تأجيل الصراع الداخلي وليس حسمه كما أسلفنا”.
فالكاظمي استطاع نوعا ما تخفيف الهيمنة الإيرانية المطلقة على العراق، عبر الانفتاح الواسع على العالم العربي، وطمأنة الداخل العراقي بأن هناك فرصا للتخلص من السيطرة الإيرانية عبر البوابة العربية، وفق أستاذ العلوم السياسية الذي يضيف :”فضلا عن مساعيه لتنويع مصادر الطاقة، وهي من الوسائل المهمة للفكاك من هيمنة طهران، لكن هذه السياسة بحاجة لاستمرارية وديمومة”.
لكن ماذا لو جاءت حكومة تمثل القوى المرتبطة بالمحور الإيراني، أو تم فرض توجهات خارجية معينة وفق اطار المحاصصة، على رئيس الحكومة القادم، كما يتساءل الجنابي، الذي يردف :”هذا بالتأكيد سيجهض السياسات التي دشنها الكاظمي، خاصة في شقها الخارجي، حتى لو كلف هو نفسه بتشكيل الحكومة، حيث لو تم التجديد له ستفرض عليه قيود أكبر لمنح حكومته الثقة”.
ويقول الأكاديمي العراقي إن الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها وتوافق الكتل السياسية العراقية على تكليف شخصية لتشكيل الحكومة القادمة بعد انتخابات الأحد، ومعالم رسم سياساتها الداخلية والخارجية، هي كلها تحديات جمة وقضايا شائكة.
وتابع: “ووسط كل هذا يراقب صاحب الشرعية وهو الشعب والمنتفضين المشهد الذي ثمة احتمالات تعقد أكبر له وتدهور، إن لم تضع القوى السياسية التقليدية المصالح الوطنية فوق كل اعتبار”.
وختم الأكاديمي قوله: “للأسف لا بوادر في هذا الاتجاه، وبالتالي فالمشهد مفتوح على احتمالات متعددة، أفضلها استكمال نهج حكومة الكاظمي، مع محاسبة أركان النظام من مرتكبي الجرائم، والتوجه الحقيقي نحو بناء الدولة، وأسواها استمرار الارتهان للتجاذبات والتدخلات الإقليمية، والدوران في حلقات المحاصصة المرتهنة للخارج المفرغة”.
وكانت الحكومة التي شكلها مصطفى الكاظمي، قبل نحو عام ونيف، قد نالت ثقة البرلمان العراقي في يوم 7 مايو من العام 2020، بعد تكليفه بمهمة تشكيلها في أبريل من ذلك.