بلدان الثورات الفاشلة..تأثيرات الأنظمة الفاسدة على الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية
الباحث فؤاد الصباغ / كاتب من تونس
مما لاشك فيه تعد العشرية الفارطة إستثنائية بإمتياز و ذلك منذ قرون غابرة لم تشهدها خاصة علي بعض البلدان العربية التي دمرت و خربت علي بكرة أبيها, إما إقتصاديا أو إجتماعيا أو كبنية تحتية ككل. فبالعودة إلي الماضي و بالتحديد إلي سنة 2011 إنطلاق تلك الثورات الإجتماعية بحيث خرجت تلك الجحافل الشعبية صارخة و غاضبة و ذلك سخطا و تذمرا علي ما ألت إليه الأوضاع من فساد إداري و نهب للثروات الوطنية تطالب بتحقيق العدالة الإجتماعية و تحسين الأوضاع الإجتماعية. فبالفعل تحقق المطلب بإسقاط تلك الأنظمة الفاسدة محليا و دوليا فكان مصيرهم الزوال إما بالمنفي أو بالقبور.
لكن في المقابل كان البديل أتعس و أسوء بحيث لم تتحسن الأوضاع بل زاد الفساد علي الفساد و لم تتقدم تلك البلدان لا علميا و لا تشغيليا و لم تتطور بنيتها التحتية علي مدى عشرية كاملة و خاصة خلال السنوات الأولي بعد ما يسمي بالربيع العربي من المنظور الغربي, بل كان شتاءا قارصا لم تتحقق به لا المساواة و لا العدالة الإجتماعية و لا الرفاهية المعيشية.
الأنظمة الفاسدة …من الدكتاتورية المقيتة إلي الديمقراطية التخريبية
إن بلدان الثورات الإجتماعية كانت شعوبها ضحية أنظمة جثمت علي صدورها سنين طوال و لم تقدم لهم أبسط الحقوق الإجتماعية و هي بالأساس التشغيل و تحسين ظروف العيش خاصة منها تحسين القدرة الشرائية و الأجور. فالأنظمة السابقة الفاشلة بإمتياز كانت تعتمد منظومة المحسوبية في التعيينات بالوظيفية و الرشوة و الجعالة داخل إدارتها العمومية بحيث نخر الفساد المالي جميع أجهزتها و مؤسساتها. لكن لم تكتفي تلك الأنظمة الدكتاتورية المقيتة بتخريب تلك البلدان إداريا و ثقافيا و إجتماعيا بل تجاوزتها لتطال أيديهم الثروات الوطنية من فسفاط و نفط و تجارة و سياحة لتنهب منها ما طاب لهم من كنوز علي بابا و تهريبها إلي الخارج ودائع و ذهب و عملات أجنبية. كما أن تلك الأنظمة السابقة لم تكتفي بهذا الحد من التخريب و النهب لتلك البلدان بل لبست أقنعة جديدة كلها براءة لتمثل الدين الجديد أو بالأحرى النظام الجديد المنقذ لرفات تلك البلدان. فالسؤال المطروح هنا هل الطالح يصبح صالح؟ و هل الشيطان الماكر يصبح ملاك طاهر؟ فالغريب في تلك التصرفات من تلك النوعية من المفسدين في الأرض التي مازالت أطماعهم متواصلة لنهب المزيد من أموال تلك الشعوب الفقيرة و إمتصاص المزيد من دمائهم. فتلك الأحزاب المتشكلة من رحم الأنظمة السابقة الفاسدة في أغلب تلك البلدان الضحية تشكل اليوم قنابل موقوتة لعودة منظومة النهب و مواصلة تفقير المساكين و الأيتام. أما البديل الذي حكم خلال بضع سنوات تلت تلك الثورات و أغلبهم بما يسمي أنظمة إسلامية لم تكن عليهم سمات الإسلام و لا الدين أصلا بحيث أضحت بعض تلك البلدان ضحية بؤر للإرهاب و الخراب خاصة منها دولة سورية و ليبيا و اليمن و التي كانت الأكثر تضررا بين المجموعة التي شملتها تلك الثورات الفاشلة بإمتياز بحيث صنفت كسنوات الضياع و الجمر. إذا كان التحول من الدكتاتورية المقيتة إلي ما يسمي بالديمقراطية التشاركية لكن في محتواها كانت ديمقراطية تخريبية علي شتي المقاييس. فالتحرر و الحريات المفرطة كانت لها تأثيرات عميقة خاصة من جانب حرية الأديان و التصرفات بحيث إنحرف المسار الإصلاحي و إنجرفت تلك البلدان إلي دوامة العنف و الصراع مع الأجنبي مما خلق بالنتيجة ثغرات لتبرز مجموعات إرهابية تطلق علي نفسها الدولة الإسلامية تدعو للخلافة. فبالنتيجة كانت التأثيرات سلبية و مباشرة علي جميع القطاعات الحيوية للإقتصاد بتلك الدول من سياحة و تجارة و صناعة و غيرها. أما بعض البلدان الأخرى فوجدت لها مخرجا من خلال التغيير الجوهري الحقيقي و هو إزالة الجميع من الساحة السياسية و التأسيس و البناء لجمهورية الغد شعارها التشغيل و الرفاهية للمواطن أولا, و لعل أهمها الإنقاذ المصري و رؤيته الإستشرافية للتنمية و تطوير البنية التحتية علي المدى البعيد.
الأوضاع الإقتصادية..من السيئ إلي الأسوء
الأوضاع الإقتصادية بأغلب بلدان الثورات الإجتماعية تعتبر في مجملها في الإتجاه من السيئ إلي الأسوء و أبرز دليل علي ذلك تدهور أغلب المؤشرات الإقتصادية و من أهمها التصنيف الإئتماني السيادي من نظرة إستشرافية إيجابية مستقرة إلي نظرة إستشرافية سلبية سلبية و الأهم من كل ذلك مؤشر النمو الإقتصادي الذي إنهار إلي أدني مستواياته في أغلب تلك البلدان. بالإضافة إلي ذلك كبحت عجلة التنمية بالكامل و الإستثمارات المحلية بالشامل و غادرت بعض الإستثمارات الأجنبية نظرا لعدم الإستقرار الأمني خاصة خلال تلك السنوات الأولي التي تلت تلك الثورات و التي مازالت تأثيراتها إلي غاية اليوم. فالإقتصاديات الوطنية لتلك البلدان تعتبر هشة في مجملها نظرا لإفتقارها لبنية تحتية مالية و مصرفية قوية أو لعدم إستقلالية مؤسساتها المالية و كذلك لإرتهانها للدول المقرضة و تباطؤ إصلاحاتها الهيكلية الداخلية. أما أهم عامل مؤثر في تلك الأوضاع نذكر سلسلة الإعتصامات المتتالية و التقاعس في العمل الإداري و إثقال المالية العمومية بمصاريف إضافية نظرا للزيادة في الأجور الغير المدروسة و الضعف في الإنتاجية. كذلك من بين أهم العوامل المؤثرة نذكر ظاهرة الإرهاب و الإغتيالات التي تعتبر تقريبا المدمر الحقيقي لتلك الإقتصاديات خاصة منها علي القطاعات الحيوية كالسياحة و الخدمات. إجمالا, كانت الأوضاع الإقتصادية برمتها تتجه من السيئ إلي الأسوء حتي موفي سنة 2020 و زادت عليها من الطين بلة ظهور فيروس القرن المسمي بكورونا بحيث شل تقريبا حركية تلك الإقتصاديات المستهلكة. أما في المقابل فقد حققت بعض تلك البلدان صمودا رغم مجمل تلك الإضطرابات و تلك الظروف نذكر منها بالأساس دولة مصر العربية.
الأوضاع الإجتماعية..من التحقير إلي التفقير
إن تلك الثورات الفاشلة كانت بمثابة إضاعة للوقت علي أغلب الطبقات الإجتماعية التعيسة بحيث لم تصبح حياتهم وردية في رفاهية. كذلك لم يتحقق التشغيل للعاطلين و المعطلين من سنين طويلة و لم تتم عملية تسوية أوضاع المحرومين و المساكين. إذ كانت الأنظمة السابقة تعتمد أسلوب التحقير لتلك الشعوب بتقسيمها إلي طبقات و أفراد خاصة في معاملاتهم الإدارية الحكومية و من جانب حقوقهم الفردية. فأساليب الترهيب و التهديد كانت طاغية في حقبة تلك الأنظمة الفاسدة الفاشلة. فكان لقمع الحريات و ضرب حرية التعبير بقبضة من حديد أثرا بالغا علي نفسية تلك الشعوب التي إختارت أغلبهم الهروب من سجون تلك البلدان. بالنتيجة كانت الأوضاع الإجتماعية في مجملها في الحضيض نظرا لإرتفاع نسبة الفقر و إعتماد المحسوبية في التشغيل بحيث حقر المثقف و الجاهل و سلبت منه إرادته في الحياة. كما تسببت تلك الأنظمة السابقة الفاسدة في دمار إجتماعي رهيب لشعوبها و إدخالها في صراعات داخلية لا مثيل لها. أما في المقابل لم تتحسن تلك الأوضاع مع ذاك البديل ما بعد تلك الثورات خاصة خلال السنوات الأولي من تلك العشرية الضائعة بحيث ظهرت تكتلات جديدة تخدم فقط مصالحها الشخصية و تواصل في مسلسل نهب ثروات تلك البلدان, مما زاد في تفقير تلك الطبقات الشعبية المفقرة أصلا منذ سنين طوال. إجمالا, مازالت تلك البلدان المتضررة من الثورات الفاشلة تتطلع إلي مستقبلا أفضل خاصة أن بعضها حقق التحول الحقيقي و إنطلق نحو إزدهارها و نمو إقتصادها و الإرتقاء ببنيتها التحتية إلي صفوف الدول المتقدمة و من أهمها نذكر دولة مصر العربية.