عمّان/ علي عبد الأمير
كان الشهر الممتد بين منتصف شباط (فبراير) ومنتصف آذار (مارس)، شهر الصخب الأميركي والعراقي على حد سواء. ففيما كانت واشنطن تسابق الوقت لبناء تحالفها “الدولي”، كانت بغداد تؤكد قدرتها على المواجهة ورد “كيد المعتدين” عبر لقاءات تجمع الرئيس صدام حسين إلى كبار ضباطه وقادة وحداته “المقاتلة” لكنها المنهكة تسليحياً ومعنوياً. وبين ضجيج أميركي يقابله آخر عراقي على نحو فج، لمعت فرصة ما للخروج المشرف. ففي منتصف شباط قدم وفد دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مؤتمر القمة العربية الطارئ بمصر، مبادرة حملت اسم رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد آل نهيان تتضمن دعوة “خروج مشرف” للرئيس العراقي ضماناً لبلاده وحماية لها.
لا الأميركيون حملوها على محمل الجد (كانت القوات وصلت قطر والكويت)، ولا العراقيون، بل إن الوفد العراقي قابلها برفض متبل بشيء من الشتائم طاولت صاحب الدعوة التي كانت بمثابة صوت العقل في لحظة الضجيج التام المنذور بأكمله لهدير الطائرات والمدرعات وحاملات الطائرات والصواريخ. وبحديث لا يخلو من عنجهية أعلن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أن بلاده ستحظى في حال وقوع الحرب ضد العراق بـ “دعم جميع دول الخليج تقريباً”. وأوضح رامسفيلد أن “كلاً من هذه الدول قالت لنا على حدة إنها مستعدة للمساعدة، عبر سماحها مثلاً للقوات الأميركية باستخدام أراضيها، جميعها باستثناء واحدة”. مشدداً على أن “صيغة “باستثناء واحدة” ترمي إلى السماح للدول المعنية بأن تنفي عند الاقتضاء دعمها لأي تحرك عسكري”، حيث كان ينتشر أكثر من 200 ألف جندي أميركي عند أبواب العراق.
ما أهمله الأميركيون، أي دعوة الإمارات إلى “الخروج المشرف لصدام”، عاد ليكون “مبادرة” أميركية أطلقها الرئيس بوش قبل الحرب بيومين، وتقضي بخروج الرئيس صدام ونجليه من العراق في 48 ساعة، وهو ما قابله نظام بغداد بازدراء متوقع!
الصخب امتد إلى لندن، حيث تناهبها موقفان: الأول حين هدرت في شوارعها تظاهرات كبرى مناهضة للحرب، والثاني في ما خص “حجر الزاوية” في “التحالف الدولي” المؤيد لقرار البيت الأبيض بشن الحرب على العراق، فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، كان أنهى ستة لقاءات مغلقة مع الرئيس جورج بوش، قبل أن يؤكد أن “التظاهرات ضد الحرب، وتمرد أكثر من 120 نائباً من حزبه في البرلمان والتنازلات التي يقدمها صدام لن تثنيه عن عزمه على نزع سلاح حاكم بغداد”. بلير كان يشدد على أن التزامه بنزع سلاح صدام التزاماً صادقاً “بصرف النظر عن أميركا”، وأنه “لو لم يكن الأميركيون يفعلون هذا لمارست الضغط عليهم من أجل أن يفعلوه”.
بعد عقد من الزمن على غزو العراق فإن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، ما زال يواجه التساؤلات الصعبة والمحرجة نفسها في شأن الدور الذي قام به مع حكومته في ذلك الغزو. صحيفة “صنداي تلغراف” تناولت هذا الموضوع بمناسبة الذكرى العاشرة لغزو العراق.
اليوم يكتب فيليب شيرويل في صحيفة “صنداي تلغراف” يستعيد موقف توني بلير، حيال رغبته القوية في إسقاط الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، ونظامه، وتأييده الذي كان قوياً وغير مشروط لبوش في خططه لغزو العراق، واستعداده للذهاب مع الولايات المتحدة في الغزو حتى النهاية. واستناداً إلى مسؤول في البيت الأبيض في إدارة بوش فإن المسؤولين الأميركيين كانوا متأكدين من تأييد بلير بلا أدنى تحفظ لأية خطة أميركية لغزو العراق، والزج ببريطانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، في هذه المعركة، وإن تأييده السياسة الأميركية تجاه العراق كان حاسماً قبل عام من غزو العراق خلال زيارته بوش في مزرعته بكراوفورد في تكساس.
ووفق السفير البريطاني في واشنطن (قبيل الحرب) كريستوفر ماير، فإن “أخطاء بلير في شأن العراق كانت تنبع من نظرة محافظة ومتزمتة يحملها بلير، وهي نظرة تفوق في تشددها نظرة اليمين المسيحي الأميركي. إن الدعم غير المشروط الذي قدمه بلير للرئيس بوش، قوض ما كانت تتمتع به بريطانيا من تأثير ونفوذ في عملية اتخاذ القرار الأميركي، بعد أن أصبح بلير واحداً من تلك المجموعة المحدودة من المحافظين الجدد وصقور الحرب من العسكريين الأميركيين الذين كانوا يبلورون أجندة خاصة بهم”. كما أنه يلفت إلى نقطة جوهرية بقوله “هناك الكثير من الخطوات الخاطئة التي قام بها القادة البريطانيون والأميركيون وإن أكبر الأخطاء كان الخلط بين صدام حسين وأسامة بن لادن، والمساواة بينهما وكأنهما من الطبيعة ذاتها”.
بانتظار “النسور” ؟ في منتصف آذار كانت فرقة “النسور الصارخة” تستكمل وصول جنودها ومعداتها إلى الكويت منهية بذلك الاستعدادات العسكرية الأميركية لشن الحرب على صدام. وهذه الفرقة التي تعرف أيضاً باسم فرقة المظليين الرقم 101، أنشئت خلال الحرب العالمية الثانية لتلعب دور رأس الحربة في عمليات الهجوم الأميركية، وشاركت في حروب الولايات المتحدة كافة منذ الأربعينات. وكما في “عاصفة الصحراء” 1991 ستكون الكويت نقطة انطلاق هذه الفرقة المجهزة بعربات مصفحة هجومية من طراز “برادلي” وبأسلحة حديثة من النوع الذي يسهل نقله كالصواريخ الموجهة المضادة للدروع ومدافع الهاون. ويأتي وصول هذه الفرقة في وقت يستمر تدفق الجنود الأميركيين إلى منطقة الخليج وتتسارع وتيرة الحرب المحتملة. وتعدى عدد القوات الأميركية التي وصلت إلى المنطقة 280 ألف جندي أميركي و48 ألف جندي بريطاني. وسيصل مجموع الجيوش المحتشدة إلى حوالى 333 ألفاً تضم مختلف التشكيلات البرية والبحرية والجوية. وعلى الجبهة الكويتية تحديداً يوجد حوالى 105 آلاف فرد من بينهم 17 ألفاً من فرقة المشاة الثالثة الأميركية، و45 ألفاً من مشاة البحرية و15 ألفاً من قوات التدخل السريع ولواءان محمولان جوّاً. وبدأت طلائع فرقة المظليين 101 بالوصول إلى الكويت في الخامس من آذار. ويتوقع أن تدخل هذه الفرقة ضمن التشكيل الذي سيكون رأس الحربة في الهجوم الأميركي على العراق. وفي البحرين يوجد أربعة آلاف فرد يتبعون لقيادة الأسطول الخامس الأميركي. وفي قطر يتمركز حوالى 1000 فرد من القيادة المركزية الأميركية في قاعدة السيلية و3500 في قاعدة العديد وتوجد معدات وأسلحة تكفي لتسليح لواء مدرع أميركي عند الحاجة. وفي قاعدة السيب العمانية يوجد 500 فرد من سلاح الجو الأميركي. كما يوجد في جيبوتي ثلاثة آلاف فرد من القوات الخاصة وعناصر بحرية وجوية. أما طائرات الشبح “ب – 2” فهي متمركزة في دييغو غارسيا وهذه القاذفات الاستراتيجية محملة بقنابل توجه بأشعة الليزر. كما انتشرت قاذفات “ب – 52” و “ب – 1” على مسرح العمليات في المنطقة، تضاف إليها 17 سفينة محملة بالدبابات كاحتياط استراتيجي.
وفي مياه الخليج وجدت ثلاث حاملات للطائرات واثنتان في مياه شرق البحر المتوسط والسادسة في طريقها إلى المنطقة. ويوجد على كل حاملة طائرات أكثر من 50 طائرة مقاتلة وقاذفة من طراز “إف – 14” و “إف – 18”. هذا في حين تشكل الطائرات من طرازي “إف – 15” و “إف – 16” الجزء الأكبر من مقاتلات سلاح الجو الأميركي في القواعد البرية في الخليج وطائرات “آي – 10” للإسناد الأرضي. وستكون دبابة “إم – 1 – آ – 3 أبرامز” السلاح الرئيس لفرق المدرعات والمشاة الأميركية والمدعومة جوّاً من طائرات “أباتشي”.
أما القوات البريطانية فتألفت من 42 ألف فرد يعملون في القوات البرية والبحرية والمحمولة جواً، مزودة نحو 100طائرة مقاتلة من طرازي “تورنيدو” و”جاغوار” تعمل من على متن حاملة طائرات بريطانية وبعض القواعد الجوية الخليجية والتركية. وستكون القوات البريطانية البرية مزودة دبابات “تشالنجر – 2”. “النسور” انتظرت خمسة أيام لتطلق صرختها، ففي العشرين من آذار دوى انفجار ضخم خلخل هدوء فجر يوم بغدادي لتبدأ الحرب بمرحلة عنوانها “الصدمة والرعب”.