بقلم هاني الترك
حينما كنت أصل إلي مكتبي في إدارة المكتبات كان يأتيني موظف من القسم المجاور للمكتبة يريد الاطلاع على صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد التي أحضرها معي كل يوم.. وهذا الموظف لا يقرأ سوى قسم الوفيات.. سألته يوماً لماذا هذا الاهتمام المفرط لقراءة الوفيات فقال: إن قريبه المريض في المستشفى المصاب بمرض خطير ينتظر موته بين لحظة وأخرى.. ولكن يبدو أن روحه طويلة فقد عاش أكثر مما توقعه الأطباء.
اندهشت سائلاً أحد أصدقائي الاستراليين في المكتبة لماذا لا يذهب هذا الشخص إلى قريبه في المستشفى ليسأل عنه ويودعه بدلاً من أن ينتظر قراءة خبر وفاته في الصحيفة حتى يحضر جنازته.
لم يشاركني أصدقائي في العمل هذه الدهشة.. ولكن قلت لهم إلى هذه الدرجة وصلت برودة الأعصاب وجفاف العاطفة بل انعدام الإنسانية بين الأقارب والأصدقاء.. وقلت لهم لماذا لم يذهب صديقنا هذا ويزور قريبه في المستشفى فقالوا أنه لا داعي لذلك ويكفي معرفة الخبر من الصحيفة.
بعد مرور ما يقارب الشهرين عن قدومه لي صباحاً توقف صديقنا فجأة عن القدوم إلى مكتبي لاستعارة الصحيفة.. فعرفت أن قريبه قد مات.. وحينما قابلته أردت أن استوثق من معرفته فقال لي.. نعم فقد مات وحرقت جثته.. لهذا لم أعد آتي إليك لقراءة الخبر.. فقد قرأته في الصحيفة أثناء غيابك عن العمل.
أردت أن أعرف المزيد عن طبيعة هذا الزميل فقلت له: هل كان المرحوم مؤمناً؟.. قلت له هل أنت مؤمن؟ فقال: لست أدري.
فإن المصيبة بين الاستراليين هي تدهور الإيمان بالله.. فتقول الأرقام أن 20 % من الاستراليين لا يعتقدون بوجود الله و9.7 % ملحدون تماماً.. و55 % فقط يعتقدون بالله.. وفي الإحصائية السكانية قال 51 % فقط أنهم يدينون بالمسيحية.. و10 % فقط يترددون على الكنائس.. وأكثر ديانة نمواً في استراليا هي الهندوسية بسبب الهجرة المكثفة للهنود إلى استراليا.
وهناك اقتراحات لمخططي المناهج التعليمية في المدارس إلى إلغاء كلمة الله والمسيحية من المناهج.
ورئيسة وزراء استراليا السابقة جوليا غيلارد أعلنت صراحة أنها ملحدة.
ولكن رئيس الوزراء سكوت موريسون متدين وينتمي إلى كنيسة العنصرة مع 1.1 فقط من الاستراليين الذين ينتمون إليها.. وهي الكنيسة التي تعتقد بالروح القدس أن يحل على الشخص والتحدث بالألسنة والرقص.. وتعتقد أن الشيطان هو حقيقي.. وأن عمل المعجزات لم ينتهِ بعد.. مع أن الكنيسة البروستانتية تعتقد أن عصر المعجزات قد انتهى بعد صعود السيد المسيح إلي السماء.
فإن المصيبة أن معظم الشعب الاسترالي غير متدينين.. وعواطفهم كالثلج.. مع أن الإيمان هو أعظم هبة من عند الله.
وقلت لصديقنا الموظف من الأفضل أن يكون الإنسان مريضاً ومؤمناً ولا يكون معافىً غير مؤمن.