جبار بچاي
في تسعينيّات القرن الماضي حضرت والزميل علي العلاق ندوة للفلاحين والمزارعين في المحافظة اقيمت على قاعة مديرية الشباب والرياضية في بنايتها القديمة في شارع النسيج ، تمحورت الندوة التي حضرها وزير الزراعة والري آنذاك المهندس عبد الاله محمود الصباغ حول المشاكل والمعوقات التي تواجه الفلاحين ووضع الحلول والمعالجات اللازمة .
وفيما كنت والزميل العلاق نجلس سوية على الجانب الايمن من القاعة وتحديداً في آخر صفوف الكراسي وأثناء المناقشات نهض فلاح وسط القاعة كان يرتدي الكوفية البيضاء ( الغترة ) والعقال تحدث أمام الوزير عن المشاكل والمعوقات التي تواجه الفلاحين في مشروع الدجيلة الزراعي بناحية واسط التي كانت تسمى ذلك الوقت العروبة .
تحدث الفلاح أمام الجميع وذكر تفاصيل ومفردات علمية دقيقة تتعلق بأعداد وأطوال الجداول والنواظم الصدرية والقاطعة ومقدار التصاريف وطواقم الضخ وأطوال المبازل ، وذكر بالأرقام الدقيقة معتمدا النسبة والتناسب الخسائر التي يتعرض لها الفلاح بسبب المعوقات الموجودة وحدد أيضا الاسس والمعايير العلمية التي يمكن من خلالها حل المشاكل السائدة في المنطقة ، كما تطرق وبالأرقام الى معدلات ونسب الانتاج فيما لو تم حل المشاكل العالقة.
في الحقيقة كانت معلوماتنا بسيطة بشأن ما تحدث به لكن حديثه الدقيق اذهل الوزير المختص عبد الآلة الصباغ الذي نهض من كرسيه قائلا :ــ
أحييك أخي على هذا الطرح والعلمية ، احييك على هذه الافكار .. انت شنو شهادتك شتشتغل .؟
أجاب المتحدث بعفوية بارعة : ــ ريّال فلاح وأحچي من ظيم گلبي.. مثل ما تريد منا انطينا .. حل مشاكنا .. ما نريد تسفيط سوالف .. احنه هم نعرف نسولف .
وأمام هذا الموقف الشجاع قال الوزير بخجل .. تفضل أخي استريح احييك مرة ثانية.. ليش ما تتعين عدنا بالوزارة .
أجاب : لا .. أني فلاح وأبقى فلاح .
في أثناء حديث ذلك الفلاح وطرحه كنت والزميل علي العلاق نتساءل عن هويته واسمه ومن أين له تلك المعلومات .؟
وقبل أن يجيب فلاح آخر يجلس جوارنا على سؤالي عن الشخص المتحدث قال علي العلاق : ــ
” ولك هذا وأحطه وزير. ” .. وأردف ” أوف يا بويه حتى الوزير داخ من معلوماته . “
عرفنا أن المتحدث هو فائز شمران الياسري .
كانت معلوماتنا قليلة عن شمران الياسري ( أبو گاطع ) لكننا نسمع به كثير أو سمعنا من أهالينا في أحاديث الخلسة .
تعرفنا على السيد فائز شمران الياسري ومن يومها صار بيننا تواصل وعلاقة محبة وود مع هذه العائلة الياسرية الكريمة.
استمرت العلاقة مع الاخ فائز شمران الياسري لكن على نحو بسيط ومتقطع بسبب الظروف التي كانت سائدة .
بعد نيسان 2003 التقيت من جديد الاخ فائز شمران الياسري وكنت أنا وسيد فائز وزملاء آخرين منهم الأخ كريم السويطي ( أبو حاتم ) أول من أصدر صحيفة في المحافظة عام 2003 اسميناها ( اليوم ) وكان معنا نخبة من الصحفيين العراقيين البارعين منهم الزميل المرحوم فليح وداي مجذاب الذي تسنم فيما بعد مدير تحرير صحيفة الصباح وكنت سبيل التعارف بين مجذاب والياسري .
كان سيد فائز يمنحنا رواتب مجزيه من ماله خالص ، لم تستمر صحيفة اليوم طويلا لكن عدنا من جديد وهذه المرة في بغداد اثثنا مقر متكامل في عمارة الشروق بشارع النضال وأطلقنا مع زملاء آخرين صحيفة ( القبس ) التي ما لبثت أن تستمر طويلا وللأمانة كانت رواتبنا جيدة جدا يمنحها لنا دون أن تتأخر ولو يوم واحد السيد فائز شمران الياسري.
استمرت العلاقة مع السيد فائز شمران الياسري بعد توقف القبس عن الصدور ووجد فرصة للعمل في صحيفة الصباح عندما كان يرأس تحريرها السيد اسماعيل زاير ، بينما وجدت أكثر من فرصة عمل أخرى في عدة صحف محلية ووكالات أخبارية.
اشياء كثيرة ومواقف جميلة رافقتنا اثناء العمل لامجال لذكرها هنا لكن للأمانة أن العمل مع سيد فائز الياسري له متعة جميلة جدا، فهو صاحب القلب النظيف والوجه الباسم، كان عنوانا كبيرا للكرم والطيبة والغيرة والحمية وكان صاحب طرفة لا تفارقه أبدا.
لقد رحل سيد فائز شمران الياسري بعد أن أدركه المرض وفرض سطوته عليه وبوفاته خسرنا قامة عظيمة من قامات السادة آل ياسر أهل الكرم والحمية وعنوان النقاء والطيبة والبخت ، خسرنا رمزاً أدبياً وثقافياً ، خسرنا صحفياً بارعاً.
ماذا عساي أن أقول برحيلك ايها الايقونة الانسانية العظيمة ، ايها الأخ والانسان الكريم ، سيد فائز رحيلك أوجع قلبي يشهد الله مثلما أوجع قلوب كل ذويك ومحبيك وأنت الذي يعرفه الصغير قبل الكبير كم متواضع وبسيط وسلس ونقي وكريم.
استميحك العذر يا مولاي فأنا غير قادر أن افيك حقك وحق العشرة معك، وأجزم أن كل من عاشرك وخالطك وجالسك حزين الآن على فراقك ..
أسال الله أن يدخلك فسيح جناته ويلهم آل ياسر جميعا وكل محبيك الصبر والسلوان وانا لله وإنا اليه راجعون .