وديع شامخ *
في سلسلة حلقات بثتها قناة العربية مؤخرا مع رغد صدام حسين ، تعددت فيها محاور الحلقات بين المواضيع الاجتماعية والسياسية والسيرية ، بدءا من قصتها مع أبيها منذ أن كانت طفلة، مرورا بمحكمته وإعدامه، وكذلك شهادتها عن دور حسين كامل في حياتها زوجاً ومعارضا عندما ترك العراق إلى الأردن وقصة العودة التراجيدية وحتى مقتله، ومواضيع متشعبة أُخرى.
لابد لنا من مقدمة عن طبيعة هكذا لقاءات وما هي الغاية منها الآن تحديدا ، وماهي الرسائل التي بُثت من خلالها وما هي الأطراف المستهدفة بالرسالة عراقياً وعربياً وإقليمياً ؟
أعتقد ومن خبرتي الإعلامية أن الحوارات كانت معدة سلفا ” أسئلة وأجوبة ” لأنها افتقدت إلى حد كبير إلى العفوية أو القصدية في الإثارة ومفاجأة الضيف في نوع من الأسئلة المحرجة، كما خلت الحوارات من الدخول بعمق لتشريح بنية النظام البعثي – الصدامي ودور صدام في رسم الاستراتيجيات التي أدت إلى تدمير العراق شعباً وأرضا وخيراته بشكل مريع ، وخلق حالة العداء والكراهية في محيطة العربي والإقليمي والدولي .
لعل أولى الرسائل التي أرادت رغد ومَن وراءها توجيهها إلى أطراف العملية السياسية في العراق في ظل ظروف اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وباعترافها بأن موضوع دخولها في العمل السياسي وارد وكل الاحتمالات مفتوحة لا سيما وأن عودتها إلى العراق مؤكدة كما صرحت.وهي بهذا قد خدمت المشروع الإسلامي في العراق، الشيعي تحديدا وقد شهدناه في رد السيد الصدر وما حمله الآخرون من التلويح بعودة البعث لخدمتهم انتخابيا.
الرسالة الثانية إلى الدول العربية المتضررة من النظام العراقي الحالي وخصوصا دول الخليج، للإسراع في دعم مشروع عودة البعث ورغد إلى زعامة جديدة كوريثة لصدام حسين حتى وإن لم يشفع لها رسالة التعزية بوفاة الشيخ صباح الأحمد
ولعل تصريحها بأنهم كانوا أسياداً للعراق لمدة 35 عاماً يمثل قمة الوقاحة في التعبير رمزياً وواقعياً، ولكنه في من جانب آخر يوحي للدول المعنية تذكيرا بزمن كان صدام يحكم فيه العراق بالنار والحديد بمركزية صارمة جنبت هذه الدول نار وشرار الدور الإيراني في التغول في المنطقة كما يحصل الآن.
الرسالة الثالثة إلى الدول الإقليمية وأمريكا وأورربا ، بأن هناك البديل المجرب الناجح للخروج من عنق الزجاجة من واقع العملية السياسية برمتها بعد عام 2003، بعد أن عجز ساسة العراق الجدد عن قيادة العراق والعبور به إلى بر الأمان وتحويله إلى بلد متطور وحر وديمقراطي ومستقل مثلما كان خطابهم قبل سقوط نظام صدام حسين .
بعد أن عرضنا الناحية الشكلية للحوارات، أود أن أصرخ بصوت عراقي أثخنته الحروب والحصارات والسجون والمجازر والنكبات الكبرى في وجه هذه السيدة التي أرادوا لها أن تكون وريثة صدام وبديلاً مرتقبا للأوهام السيادية ثانية .
أليس من المنطق وأنتِ سليلة هذا التاريخ الدموي أن تقفي وتعتذري للعراق والعراقيين وكل من تضرر من جنون الطاغية ، وتقدمي نفسكِ كعراقية لها حقوق كل عراقي في الحياة الكريمة ، أليس الأجدى من هذه السيدة |” المُعاد تجميلها ” شكلاً، والهزيلة مضمونا أن تتجنب الـتغني بحماقات صدام وعائلته وحزبه !
ألا تعرف أن العراق تحت ظل عصابة تكريت قد باع سيادة العراق في حدوده من الجهات الأربع ” تركيا والأردن والكويت والسعودية وإيران ” !! وأن نظرة عابرة إلى خارطة العراق قبل وبعد تسلم البعث للحكم وخصوصا في فترة صدام حسين ! ألا تعرف السيدة أن العراق قد تحول في زمن أبيها الى دولة مكروهة ومنعزلة في محيطها العربي والإقليمي والدولي؟! ألم تفكر رغد بأن صورة صدام حسين ونظامه لا يمكن استعادتها بشكل مهزلة بعد أن انتهت بكامل المأساة، وبحسب ماركس فإن التاريخ يعاد مرتين مرة بصورة مأساة وأخرى بصورة مهزلة! ومهزلة عودة صدام مستحيلة قطعاً.
هل راهنت رغد ومن وراءها على خواء الذاكرة العراقية أم على مهزلة ساسة وسادة العراق الجديد؟!
ألم تعي رغد دور ثورة تشرين الخالدة في التغيير الذي حصل في بنية النظام السياسي الحالي ، الذي يحاول الخروج من المشوار بأقل الخسائر!
ألم تعرف رغد ومن وراءها بأن العراق ولود وله أجيال من الشباب الذين جعلوا العراق قرة أعينهم وهم الذين سيكونون بيضة القبان في تحديد مستقبل العراق السياسي الجديد.
إن مشروع رغد هو مشروع كاسد يراهن على عودة عقارب الزمن الى الوراء، متناسين بأن الزمن لا يمكن أن يعود بهكذا وقاحة وجهل في فهم حركة التأريخ والتغييرات المفصلية في حياة الشعوب ..
لو أن رغد كانت بنت أبيها حقا لتذكرت قولته بما معناه ” إذا ما جاء يوم وخسرنا السلطة فلا خلف الله على من يترحم علينا لأن الذنب هو ذنبنا”.
رهانها على هشاشة المشهد السياسي العراقي الحالي وطرحها لنموذج دموي رث مجرب بذاكرة عراقية لا تندمل، كبديل جديد يمثل حالة انحطاط غير مسبوق في تاريخ الشعوب البدائية منها قبل المتحضرة .
هل يعقل أن المُحاور الأنيق يتجنب سؤالها عن كوارث أبيها وإجرام حزبها، وكم الهلاك الذي سببه البعث الصدامي بحق رفاقهم أولا والشعب العراقي عامة وشعوب المنطقة عموما، لماذا تجنب هذا المُلقِن الأنيق لرغد سؤالها عن حروب أبيها ” الذي لا يحب الحروب ،” كما قالت “؟!
كان للحوار أن يكون موضوعيا ومهنيا وله رسالة متوازنة، لو كانت رغد عراقية تحب وطنها وتريد العودة له كمواطنة فقط تشارك في الحياة العراقية الجديدة وسيكون لها ما لها وعليها ما عليها خارج أحلام السيادة وأوهامها خارج الثوب القديم ” فالخمرة الجديدة لا تحفظ في زق قديم “.
كاتب واعلامي عراقي رئيس تحرير مجلة النجوم الصادرة في سدني