أعلن البابا بنديكتوس السادس عشر بشكل مفاجئ أنه سيستقيل اعتبارا من 28 (شباط) فبراير الحالي لأسباب صحية، قائلا إنه لم يعد قادرا على ممارسة مهامه لتقدم عمره، وأنه “لهذا السبب، ومع علمي بأهمية هذه الخطوة التي أتخذها بكامل إرادتي، أعلن التخلي عن كرسي البابوية في روما”. وبينما توقع متحدث باسم الفاتيكان أن يتم انتخاب بابا جديد على الأرجح بحلول نهاية مارس (آذار)، توالت ردود الفعل الدولية التي عبرت عن كامل احترامها لقرار البابا، وتقديرها لشخصه. وقال المتحدث باسم الفاتيكان فيديريكو لومباردي للصحافيين إن البابا سيتخلى عن مباشرة مهامه ابتداء من الساعة الثامنة مساء بتوقيت روما (السابعة بتوقيت غرينتش) يوم 28 شباط، ليصبح كرسي البابوية شاغرا لحين اختيار خليفة له، موضحا أن البابا لن يشارك في الاجتماع السري لمجمع الكرادلة لاختيار خليفة له، وأنه “بعد الاستقالة سينتقل البابا السابق إلى مقر إقامته الصيفية قرب روما. وبعد ذلك سيعيش في دير سابق داخل الفاتيكان”، مشيرا إلى أن البابا “لن يكون له أي دور في مجمع الكرادلة”، وأنه “قال عدة مرات إنه يريد أن يكرس وقته للصلاة والتفكير، أو حتى الكتابة. ذلك رهن به”. وأضاف لومباردي: “نتوقع أن يكون لدينا حبر أعظم (بابا) جديد قبل عيد الفصح”، الذي يصادف 31 من مارس. وتعد استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر حدثا غير مألوف في الكنيسة الكاثوليكية، حيث إن آخر حادثة مشابهة كانت للبابا غريغوري الثاني عشر، الذي استقال منذ نحو 600 عام، وتحديدا في الرابع من (تموز) عام 1415، وذلك في محاولة لإنهاء انشقاق الكنيسة الكاثوليكية (والمعروفة تاريخيا بالانشقاق الغربي الأعظم)، والتي وصلت (آنذاك) إلى مرحلة مطالبة ثلاثة بالكرسي البابوي.
أما أبرز حالات الاستقالة فكانت للبابا سلستين الخامس عام 1294، عقب توليه المنصب بخمسة أشهر فقط. وجدير بالذكر أنه هو بنفسه الذي وضع المرسوم الباباوي الذي يجيز استقالة البابا من منصبه.
ومن أغرب حالات الاستقالة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، فكانت استقالة البابا بنديكت التاسع من منصبه عام 1045، بعد اتفاق مع خليفته غريغوري السادس على تسوية.. لكن البابا غريغوري سرعان ما استقال بدوره على خلفية ذات الاتفاق، وخلفه البابا كليمنت الثاني، الذي سرعان ما توفي في عام 1047، ليخلفه بنديكت التاسع بنفسه مرة أخرى.
وقال البابا بنديكتوس (85 عاما) للحضور أمس، في خطاب ألقاه باللاتينية خلال مجمع كرادلة منعقد في الفاتيكان، ونشرت إذاعة الفاتيكان نصه باللغة الإنجليزية: “دعوتكم لهذا الاجتماع أيضا لأبلغكم بقرار شديد الأهمية لحياة الكنيسة”. وأضاف: “بعد مراجعة ضميري أمام الله لعدة مرات، توصلت إلى قناعة بأنني لم أعد قادرا بسبب تقدمي في السن على القيام بواجباتي على أكمل وجه على رأس الكنيسة الكاثوليكية (التي تضم أكثر من مليار مسيحي حول العالم)”. وتابع أنه “في عالمنا اليوم الذي يشهد تغيرات متسارعة وتساؤلات مهمة متعلقة بالإيمان لرئاسة الكنيسة الكاثوليكية، يجب التمتع بالقوى الجسدية والعقلية اللازمة… قوة العقل والجسم ضرورية (للقيام بمهام المنصب).. لقد تدهورت القوة على مدار الأشهر القليلة الماضية لدرجة أن علي الاعتراف بعدم قدرتي على القيام بمهام المنصب”.
واختتم كلمته قائلا: “ولهذا السبب، مدركا بصورة كاملة أهمية هذا القرار، وبحرية كاملة، أعلن التخلي عن المنصب الذي كلفني الكرادلة به في 19 أبريل (نيسان) من عام 2005.. وبداية من الساعة الثامنة مساء يوم 28 فبراير (شباط) 2013 سيكون المنصب شاغرا”.
وفي كتاب مقابلات نشر في 2010، أشار البابا إلى إمكانية استقالته في حال شعر أنه لم يعد قادرا على الاستمرار في منصبه.. وللتعبير عن مفاجأته، قال المونسينيور أنجيلو سودانو عميد الكرادلة أمس إن إعلان البابا “جاء كالصاعقة في سماء صافية”، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. من جانبها، نقلت وكالة الأنباء الألمانية أن شقيق بابا الفاتيكان، جيورج راتسينجر، أكد أن التدهور الصحي للبابا بنديكتوس السادس عشر سبب إعلان عزمه الاستقالة، وقال: “السن تضغط”. وأضاف شقيق البابا أن الطبيب أوصى البابا بعدم القيام بجولات عبر أطلسية، مضيفا أن المشي يشكل حاليا صعوبة متزايدة بالنسبة للبابا.
وبينما أعرب رئيس الوزراء الإيطالي المستقيل ماريو مونتي “عن صدمته لهذا النبأ”، قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: “ليس لدي تعليق خاص على هذا القرار، الذي هو موضع احترام شديد، والذي سيؤدي إلى انتخاب حبر أعظم جديد”. وأضاف أن “الجمهورية (الفرنسية) تحيي البابا الذي اتخذ هذا القرار، لكن لا شأن لها بالإدلاء بالمزيد من التعليقات على ما يخص الكنيسة”، موضحا أنه “قرار إنساني.. وقرار مرتبط برغبة يجب أن تحظى باحترام”.
من جانبها، وبعد تحفظ أولي في التعليق، عبرت ألمانيا عن “احترامها” و”امتنانها” للبابا بنديكتوس السادس عشر (المولود في ألمانيا) عن السنوات الثماني التي أمضاها على رأس الكنيسة الكاثوليكية. وقال ستيفين سيبرت، المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إن “الحكومة الفيدرالية (الألمانية) تكن أكبر قدر ممكن من الاحترام للحبر الأعظم (البابا) ولإنجازاته وعمله طوال حياته من أجل الكنيسة الكاثوليكية”، مضيفا أنه يستحق “الامتنان” أيضا. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن “الملايين سيفتقدون البابا كزعيم روحي”، مشيدا بجهوده لترسيخ علاقات بين الفاتيكان وبريطانيا، بينما قال جاستن ولبي، كبير أساقفة كانتربري زعيم الكنيسة الانجليكانية: “سمعت النبأ وقلبي يعتصره الألم.. لكني متفهم تماما لما علمناه هذا الصباح (أمس) من إعلان البابا بنديكتوس إلقاء عبء منصب أسقف روما عن كاهله.. وهو منصب شغله بقدر كبير من الكرامة والرؤية والشجاعة”، بحسب “رويترز”.