عبدالسادة البصري
في منتصف السبعينات ارتفع منسوب المياه في شط العرب ، فغرقت قريتنا الجنوبية ، نتيجة لوجود ثلمة في أحد كتفي النهر ، ما أدّى إلى انهيار جزء منه ، لتغرق البساتين والبيوت ، حيث وصل مستوى الماء إلى أكثر من متر ، ساعتها سارع أهلنا في الحدِّ من تسرّبه بوضع الجذوع وأكياس الرمل والتراب ، ثم قاموا ببناء الثلمة وأحكموا ترميم وتقوية الكتف وتنشيف المنطقة بعد فتح قنوات باتجاه السبخ ، وقبل ثلاث سنوات نتيجة لغزارة الأمطار وارتفاع منسوب المياه في الشط حدثت تسريبات في نفس المنطقة لتغرق البيوت ــ القليلة طبعا ــ هناك ، إلاّ أن الناس استطاعوا وبهمّة عالية من إيقاف الفيضان وإصلاح الكتف لمنع انهياره مرة أخرى !!
تذكّرت هاتين الحادثتين حينما اتصل بي احد الأصدقاء في الأسبوع المنصرم قائلاً :ــ الفاو غرقت لماذا لا تكتب عموداً عنها ، أجبته :ــ البلد كله غرقان !! نعم مدننا جميعها تغرق دائما عندما تكون الأمطار غزيرة ، بسبب طفح المجاري وفيضان الأنهار !!
الحقيقة تكمن في أسباب عدة لم نُعِرْ لها أهمية للأسف :ــ الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة الذي أخذت سوسته تنخر في طول البلاد وعرضها ، ولا مبالاة المواطن ، وتجاوزه على الأنهار والأرصفة والساحات ، ما يؤدي إلى انسداد فتحات جريان مياه الأمطار وطفح المجاري ، وطمّ الأنهار وانسداد الفتحات الواصلة بينها نتيجة تكدس النفايات المرمية فيها ، بالإضافة إلى عدم اهتمام المسؤولين بكل شيء ، وكأنهم جاءوا من كواكب أخرى ليحكمونا ويسرقونا ويقتلونا ويغتنوا من خيراتنا ثم يعودوا إلى ديارهم ــ الطامة الكبرى التي حلت على هذا الوطن ــ ونتيجة لكل هذا وذاك ، ما أن ترسل السماء رسائلها حتى تظهر عيوبنا جميعا للعيان !!
بناء المدن والبلدان وتطوّرها يا سادة ، لن يحتاج إلى مؤتمرات واجتماعات وخلايا أزمة وتصريحات نارية وشعارات نطلقها هنا وهناك ، بل تحتاج إلى ضمائر إنسانية حيّة ، تعشق الأرض ومن عليها ، وتسعى في خدمة الناس بالعدل والنزاهة والمحبّة والعمل الجاد المخلص والشعور بالانتماء الحقيقي لكل ذرة تراب في هذا البلد ، وأيضاً بتكاتف الناس ومحبتها لبعضها البعض وسعيها في الخير دائما ، لا إهمال كل شيء ، ونقول :ــ هذا لا يعنينا ، وعلى الدولة أن تعمل كذا وكذا ، وأنا ( شعليّه ) !!
إذا كان المسؤول فاسدا ، لماذا أكون مثله واترك الحبل على الغارب ؟!
وإذا لم تلتفت الدولة للبناء والتعمير ، لماذا أخرّبُ أكثر بحجة الإهمال واللامبالاة والاستحواذ على كل شيء ؟!
علينا أن نقف جميعا ونمدّ أيدينا للعمل والبناء والأعمار رغم كل شيء ، لنحمي مدننا من الغرق ، ونبعد شبح الخراب والدمار عنها !!!