عبدالسادة البصري/ العراق
قبل يومين طلبت زوجتي من ابننا الأصغر أن يقوم بسد فتحات النوافذ بالكارتون كي لا يدخل الذباب والهواء البارد والبعوض منها في الشتاء. وبينما أنا أساعده عدت بذاكرتي حيث الطفولة والصبا هناك في قريتنا بأقصى جنوب الفاو، وكيف كان يقوم الناس بالاستعداد لقدوم فصل الشتاء. ففي أواخر أيلول وأوائل تشرين الاول من كل عام يقومون بجمع التراب وخلطه مع التبن ليعملوا خميرة طين كبيرة يتركونها أياماً لتختمر جيدا. بعدها يقومون بصب الطين المخمّر فوق السطح وفرشه ( يلطشونه) كي لا يتسرب ماء المطر منه. كما يسدون فتحات النوافذ والأبواب بالنايلون والكارتون. وكنت أشاهد أمي ( رحمها الله) وهي تبادر بإخراج المدافيء ( الصوبات) وتقوم بتنظيفها وإدامتها وتهيئة منقلة الفحم، وتخرج البطانيات واللحف الصوفية وملابسنا الشتوية لتكون جاهزة. وحين أسألها: لماذا تقومين بكل هذه الأعمال؟ تجيبني : ــ يمه الشتا عالباب ولازم نتحضّر له! نعم كان الناس يستعدون للشتاء قبل حلوله بشهرين، كي لا يفاجأوا به وتغرقهم مياه الأمطار وتتلف الزرع والضرع ويتعطّل كل شيء ! اليوم ونحن على أبواب الشتاء لنسأل أنفسنا: هل أكملنا استعداداتنا له؟ الجواب بالتأكيد: لا..! لأن مجارينا على حالها، إن لم تكن قد انسدّت أكثر، وطرقنا امتلأت بالتكسرات و( الطسات) وبقي أغلبها غير مبلط، لهذا ستتحول الى مستنقعات وأوحال عند أول زخّة مطر، وستطفح وتغرق الأزقّة والأسواق لا محالة! هل يُعقل أن يترك المسؤول هذه الخدمات التي تهمّ المواطن وترفع عن كاهله عبئاً ثقيلاً ، لينشغل بتقييد الحريات والعودة الى الجهل والأمية ومحاربة الأقليات الأخرى في طقوسها ولقمة عيشها؟ يا للغرابة ؟! علينا أن نفكّر بضمير حيّ كيف نبني الإنسان من خلال تقديم الخدمات له والحقوق كاملة، وتسهيل أموره المعيشية أولاّ . فمن غير المعقول أن نتركه بلا خدمات صحية واجتماعية وبنى تحتية سليمة مثل المجاري ونظافة الشوارع وتبليطها وفتح أنابيب الصرف الصحي وتهيئتها لاستقبال الأمطار والعواصف، وتوفير العلاج والأدوية، وكذلك توفير الكتب المدرسية والقرطاسية وترميم المدارس وتوفير لقمة العيش للمواطن لا محاربته بالراتب وما شابه ذلك.. ولا تقييد حريته بقوانين تساعد على تفشّي الجريمة وانتشار المخدرات وغيرها! الشتاء على الأبواب ولم نفعل أي شيء لتلافي فيضان مياه الأمطار ، بل عملنا على محاربة المواطن في حريته وعيشه! لهذا علينا أن نعي جيداً أن المسؤول ذا الانتماء الحقيقي لهذا الوطن هو مَن يُفكّر بضميرٍ حيّ في كيف يخدم المواطن بكل أمانة وإخلاص ، لا أن يفسد عيشه وحياته من خلال الفساد المستشري في كل مفصل من مفاصل الحياة! ان خدمة الناس أهم من المصلحة الشخصية وأبقى، فلنتفكّر جيداً لأن الشتاء على الأبواب وسيفضحنا المطر!