جندي عراقي وسجين هو الذي أعاد أقدم آلة عزف وترية الى الضوء من جديد، بعد أن قرر أخيرا العودة الى الوطن من منفاه رفقة مقطوعاته. نصير شمه أشبه بسفير لآلة العود الى العالم. والعود تلك الآلة الكمثرية الشكل المصنعة من الخشب الى جانب 6 أوتار يعود أصلها الى بلاد ما بين النهرين القديمة. وبعد 10 سنوات على سقوط نظام صدام حسين، قرر شمه العودة الآن، وقال “نحن بحاجة الى ان نتعاون فيما بيننا، الى ان نفعل شيئا مهما للعراقيين، وللثقافة العراقية”. هذا ما ذكره الفنان ذو الـ49 عاما المنحدر من محافظة واسط، لوكالة الصحافة الفرنسية في حفل أقامه بالفلبين. سطع نجم شمه مع آلة العود منذ صغره، وبعد دراسته لهذه الآلة على يد منير بشير أستاذ العود في أكاديمية بغداد للموسيقى في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، وبدأ باكتساب الشهرة في العالم العربي بصفته ملحن وموسيقي. سبّب صدمة للعازفين التقليدين على هذه الآلة، لجرأته على تجاوز التقاليد عبر تسخيره لآلة يتجاوز عمرها 5 آلاف عام، وجعلها آلة أكثر حيوية وعصرية، حيث جمع بين التراث والموسيقى الكلاسكية او الجاز. وتعرف بغداد بصناعتها للعود الفخم، الا ان الحروب التي خاضها نظام صدام حسين أضرت بهذه الصناعة والعازفين على هذه الآلة على حد سواء. خدم شمه كجندي في ظل النظام السابق، وذلك في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الاميركية على بلاده العام 1991، عقب غزو صدام حسين لدولة الكويت. “لم تكن هناك معركة حقيقية. كنا ننظر الى الصواريخ القادمة، من دون ان نتمكن من فعل اي شيء، كما اننا لم نر اي جندي من جيش العدو”. هذا ما قاله شمه الذي سجن لعدة أشهر في العام 1993 لأسباب سياسية رفض الحديث عنها. وغادر العراق إلى تونس حيث سكن فيها لمدة 5 سنوات، وكان يدرس الموسيقى، ومن ثم انتقل إلى مصر، حي أنشأ بيت العود العربي، لتعليم الناس كيفية العزف على ما يسميه “جد” الآلات الوترية، كما ابتكر أيضا وسيلة لعزف العود بيد واحدة، مستوحاة من الجنود الذين فقدوا أطرافهم في الحرب بين إيران والعراق 1980 – 1988. وأكد أنه “في البداية، كان من المستحيل فعل ذلك، ولكن بعد 3 أو 4 أشهر من العمل، تمكن من تحقيق هذا الانجاز”، مشيرا الى انه “إذا كان لديك عقل متفتح، يمكنك أن تفعل ما تريد.”
حتى بعد سقوط صدام في العام 2003، رفض الموسيقار العراقي العودة إلى دياره، ولم يعد إلى وطنه حتى العام الماضي عندما قدم 3 حفلات. “لقد تغيرت الحياة تماما، والناس قد تغيرت أيضا”. كان هذا انطباعه عن بغداد.
وعبر شمه عن خشيته من تآكل القيم الثقافية في بلاده، قائلا “هناك نوع جديد من الناس. لديهم السلطة، لديهم المال والحياة. هناك وضع معقد جدا، شعرت بان هذا ليس بلدي، وهذا ليس شعبي”.
ومنذ اللحظة انسحب القوات الاميركية في كانون الاول 2011 من العراق، دخلت البلاد في موجة من الخلافات بين الفصائل السياسية والعرقية والدينية، وعلى الرغم من تراجع مستويات العنف الذي بلغ ذروته في من 2005 إلى 2008، فلا تزال هناك هجمات، لا سيما مع استهداف المسلحين المسؤولين وقوات الأمن والمسلمين الشيعة في محاولة لزعزعة استقرار الحكومة ودفع البلاد نحو حرب طائفية مرة أخرى. لكن شمة أكد عزمه مواجهة التطرف بالثقافة والفن، بايعاز من الجامعة العربية التي سمت بغداد “عاصمة للثقافة العربية للعام 2013″، “هناك الآلاف (من الطلاب المحتملين) في العراق، وهم يتصلون بي عن طريق فيسبوك وعلى شبكة الإنترنت، وهم يسألونني متى سأكون في بغداد لأنهم متحمسون إلى أن يتعلموا العزف على العود. في الحفل الأخير في بغداد كان لي شعور رائع جدا مع الجمهور”، مبينا “الآن، أستطيع أن أقول.. هناك لحظات جيدة مقبلة”.