زيد الحلّي
بقيتُ مترددا قبل كتابة عمودي لهذا الاسبوع ، ومبعث التردد كون الموضوع يحمل سؤالا ، لم اعرف لمن اوجهه ، فهو يتعلق بنشر نشاطات الرئاسات الثلاث : الجمهورية ، مجلس الوزراء ، مجلس النواب ، وكيفية التعاطي اعلاميا مع تلك النشاطات .. من المسؤول عن ترويجها ونشرها .. هل هي المكاتب الاعلامية في الرئاسات ، ام الزملاء في شبكة الاعلام العراقي ، ام اجتهاد ورغبة المسؤولين الكبار ذاتهم ..بصراحة لا اعلم حتى اللحظة !
لقد لاحظتُ ، واكيد لاحظ غيري ان اخبارا روتينية ، لا تهم المواطن نراها تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام الاعلامي ، لاسيما اجهزة الاعلام الحكومية ، بينما اجدها ، هي من صلب واجبات أولئك المسؤولين ، مثال ذلك ، حينما يعقد رئيس الجمهورية اجتماعا يضم رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ، ويظهرون بتصوير فيديوي حول طاولة مستديرة خالية من اية قرطاسية ، ونستمع الى المذيع قائلا “ان الاجتماع ناقش المستجدات الامنية والسياسية والتداعيات الخطيرة المترتبة على الأوضاع الحالية.. ودعا الى رصّ الصفوف واتخاذ مواقف موحدة وجادة وحاسمة لمنع المزيد من التداعيات، واتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة بضمان الاستقرار الامني “
ان هذا الخبر ، بدلاً من ان يعطي اطمئناناً للمتلقي ، فانه يزيده قلقاً وهلعاً ، فهو يوحي بأن الوضع القائم متأزم في البلد ما دعا الى عقد هذا الاجتماع ، بينما الامر ( كما ينبغي ) هو محض لقاء يومي او اسبوعي تشاوري لقادة البلد ، فهل يستحق ان يكون خبرا اول .. فمثل هذا اللقاء الذي يتكرر الاعلان عنه بين مدة واخرى ، ضمن قبة القصر الرئاسي ، ليس مهما عرضه على المواطنين ، فهو من الواجبات الحصرية لرئيس الجمهورية ، باعتباره حاميا للدستور ، غير ان نشاطات دبلوماسية ، مثل لقاء سفراء او استقبال ضيوف دوليين، وجولات في الجامعات والمصانع والحدود ، واستقبال علماء ورموز عراقية ومرافق مجتمعية وثقافية، كما حدث عند زيارته لشارع المتنبي وغيرها هي التي تستحق ان تكون اخبارا .
والحال ذاته ، ينطبق على اخبار رئيس الوزراء فخبر استقباله ( مثلاً) وزيراً او وزراء ، فهذا سياق عادي جدا في النشاطات الوزارية ، لكن النشاط الذي يفرض نفسه إعلاميا ، هو تغطية لفعالية يقوم بها رئيس الوزراء خارج مبنى مجلس الوزراء ، مثل زيارات لمواقع عمل الوزارات او كما حدث في زياراته لعدد من المحافظات والمنافذ الحدودية وهيئة التقاعد ولقائه الخريجين المطالبين بالتعيين وما شابه ذلك ، والاهم من هذا، الانفتاح والتواصل مع أبناء مجتمعه من كافة الطوائف، وامتلاك قاعدة علاقات عامة متنوعة غير مؤدلجة، ويمتلك خيالا سياسيا قادرا على رؤية المشهد والمشاركة فيه ، كونه رئيس وزراء للشعب كله وليس لحزب أو طائفة معينة .
وايضا ، خبر مصور للقاء رئيس الجمهورية ، مع رئيس الوزراء على حدة ، او لقاء وصورة رئيس مجلس الوزراء مع رئيس مجلس النواب لوحدهما ، وكأن مقار هؤلاء المسؤولين تقع في محافظات متباعدة ، او لا يمتلكون هواتف خلوية .. ترى ، ماذا يدل هذا في العقل الجمعي للشعب؟!
ولن أزيد على ذلك ، بالنسبة لرئيس مجلس النواب ، فاللقاءات الروتينية لا تستحق ان تكون اخبارا ، بالعكس تماما من النشاطات التي تحاكي هموم الشعب ، لعل من اهمها الاستضافات العلنية للمسؤولين التنفيذيين في الدولة ، باعتباره الرجل الاول في قمة السلطة التشريعية ، وينتظر منه المواطنون تشريعات تعيد للبلد هيبته وامواله ، فحب الوطن لا يحتاج لمساومة، ولا يحتاج لمزايدة ولا يحتاج لمجادلة ولا يحتاج لشعارات رنانة ولا يحتاج لآلاف الكلمات..
لا اريد ان اعطي في كلمتي القصيرة هذه ، دروسا لزملائي واخوتي في اعلام الرئاسات الثلاث، فهم من الشخصيات الاعلامية المرموقة ، لكني اقول عن تجربة مهنية طويلة ، ومن دفقة قلب وفكر وعقل انساني ، ان فهم الخبر، وطريقة تقديمه ، هما لؤلؤة في قاع البحر .. وعلينا اخراجها بيسر ومودة قبل ان تُخدش ، والله من وراء القصد .
Z_alhilly@yahoo.com
عمودي الاسبوعي ( فم مفتوح .. فم مغلق) بصحيفة الزمان الدولية