فواد الصباغ / تونس
مما لا شك فيه تعد سنة 2020 كارثية علي جميع المقاييس إذ أحدثت زلزال رهيب و غريب في نمط الحياة اليومية بحيث لم تشهدها أغلب شعوب العالم منذ سنين طويلة فغيرت بالنتيجة من المفاهيم و الممارسات التقليدية. إذ أصبح الجميع يولى للحذر مكانة هامة حفاظا علي صحته و صحة غيره و يراقب عن كثب التطورات المحلية و العالمية منها عدد الإصابات أو الوفيات اليومية بسبب هذا الفيروس الخطير كورونا و الأهم من كل ذلك هو الحرص كل الحرص علي “لباس الكمامة و التعقيم المستمر”. فهذا يعد في حد ذاته تحول غير طبيعي و كأنما الشخص أصبح في مرمى الإستهداف يوميا برصاصة الكورونا لترحل به من الدنيا إلي الآخرة لا قدر الله و نتمني للجميع السلامة و العافية. لكن لا تبدو الأمور بالسهلة أو الإستهتار بل سجل العالم العديد من حالات الوفيات و التي أضحت تقدر بالملايين إجمالا إلي يومنا هذا و مازالت تسجل بالآلاف يوميا العديد من الإصابات نتيجة للعدوى بهذا الفيروس اللقيط و الغير محدد مصدره بالتدقيق إما من الخفافيش أو من آكل النمل أو مصطنع بالفعل و مؤامرة دولية كما يروج البعض. أما الأهم من كل هذه الأحداث المتشعبة و المعقدة أصلا, إنطلاقا من الموجة الأولى خلال الثلاثي الأول إلي العودة مجددا عبر الموجة الثانية مع بداية الثلاثي الثالث من هذه السنة 2020 هو بالتحديد العودة الجامعية الجديدة في أغلب دول العالم و لو أن بعض الدول إختارت المواصلة في مناهج التعليم عن بعد رغم سلبياته و إعتماد القاعات الإفتراضية لعل و عسى تخفف من هموم البعض و من إنتشار ذلك الفيروس و تحد من الكارثة الصحية. ففي ظل عودة مؤشرات الإصابات في الصعود مجددا و كأنها تبشر بموجة ثانية طويلة و حادة, تستعد الطلبة إلي العودة لمقاعد و مدارج الجامعات في ظل الخطر الداهم الذي أصبح مركز أكثر فأكثر داخل تلك الفضاءات التي تجمع العديد من الأشخاص بحيث تكون خطورة العدوى مرتفعة بنسبة كبيرة. فمن الموجة الأولى إلي الموجة الثانية مازال العالم يعاني و يعاني من نتائج أو تأثيرات هذا الفيروس اللعين إما نفسيا أو ماديا الذي أصبحنا مجبرين بالتعايش معه و الحذر من خطورته و إنتشاره. إذ في هذا الصدد تعتبر السنة الجامعية الجديدة بأغلب دول العالم خاصة منها التي فضلت التعليم التقليدي علي الإفتراضي سنة حرجة صحيا و تعليميا في مجملها علي الجميع و سيتحمل المسؤولية لاحقا من إتخذ قرار الزج بتلك الأرواح في تلك القاعات و نحن جميعا نتمنى الخير و الصحة لأبنائنا و طلبتنا بسنة جامعية مكللة بالنجاح و التفوق.
من الموجة الأولي الي الثانية
بعد الإنتهاء من تلك الموجة الأولى القاتلة من فيروس كوفيد 19 أو بالآحرى فيروس كورونا الذي حصد العديد من الأرواح خاصة منهم الكبار في السن و أصحاب الأمراض المزمنة و جعل الشوارع خالية و أكبر عواصم العالم مدن أشباح و كأنها الآخرة قد حلت و يوم القيامة جاء ليحاسب كل إنسان عن أفعاله و أقواله. و أيضا بعد تلك الراحة المؤقتة خلال هذا الصيف بحيث قلت نسبة مخاطره و عدواه ليطل علينا مجددا ذلك الفيروس خلال هذا الشهر عبر تلك الإصابات المرتفعة و المستمرة و التي أصبحت تقدر بالآلاف يوميا في بعض الدول و هي تؤكد أنها موجة ثانية بالفعل تحبذ ذلك الطقس البارد و السعال و العطس للمرضى لتنشر مجددا الإصابات بين العباد و في كل البلاد من دول العالم و تشكل خطر حقيقي و داهم داخل أي تجمعات في فضاءات مغلقة خاصة منها الجامعات.
منصات التعليم عن بعد
إذ مع تزامن عودة فيروس الكورونا مجددا إختارت بعض الدول التي تتمتع ببنية تحتية رقمية و تكنولوجية متطورة مواصلة التعليم عبر منصات التعليم عن بعد, نذكر منها بالأساس المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة و بعض الدول الأوروبية. فالرهان علي تلك المنصات أصبح قادر بدوره للحد من الإختلاط بين الطلاب في فضاء يعتبر مغلق و به دوام يومي مما يسهل إنتشار الإصابات بالفيروس و العدوى رغم الحذر و الحماية. فمن المعروف أن تلك النوعية من الفيروسات التاجية تحبذ الطقس البارد و الرطوبة لتخلق لنفسها بيئة خصبة لتتكاثر في الخلايا البشرية و البقاء لمدة أطول علي سطح الأماكن العامة أو الخاصة. بالتالي أضحت منصات التعليم عن بعد ملاذ آمن لحماية الطلاب و مواصلة التحصيل العلمي و لو أنها تحتوى علي بعض الإيجابيات و السلبيات مقارنة مع التعليم الكلاسيكي داخل القاعات التقليدية.
الإيجابيات
من أبرز الإيجابيات لمنصات التعليم العالي عن بعد أنها توفر للطالب الزاد المعرفي القابل للتحميل في أي مكان و زمان من العالم و ذلك بمجرد الولوج إلي صفحته الرسمية عبر كلمة المرور الخاصة به. أيضا تساهم تلك المنصات بتقليص نسبة الأخطاء أو السهو الذي تعاني منه أغلب الطلبة منها نقص التركيز أثناء متابعة المحاضرات و الأشغال التطبيقية لأن أغلب تلك الدروس تبقي مسجلة في شكل فيديوهات. فهنا تكمن جوهرية الإيجابيات من خلال سهولة وصول جميع المواد العلمية بالشرح المفصل و الإصلاح المفضل و تبقي مسجلة في صيغة ورقية إلكترونية أو فيديوهات ليتابعها الطالب بإستمرار و الإستفادة منها جيدا. أيضا سهولة تقديم الطالب سؤال مباشر للأستاذ أثناء متابعته للمحاضرة و هذا يعجز عنه في المدرج التقليدي نظرا للمساحة أو صعوبة السماع للسؤال في فضاء يحتاج إلي مكبر للصوت. إن التكنولوجيا اليوم أصبحت تعد نعمة لتحمى البعض من مخاطر الأوبئة و تسهل عمل البعض الآخر لكن هناك في المقابل من يعتبرها نقمة و خروج عن نمط حياتنا اليومي الطبيعي نظرا لإرتهانها للإتصالات عبر شبكة الإنترنت.
السلبيات
كما يقولون “كلامك يا هذا في النافخات زمرا” و لا تحصيل حاصل إذا غابت الجدية الرسمية و المتابعة اليومية للطلاب لدروسهم عبر تلك المنصات للتعليم عن بعد. فمن أبرز تلك السلبيات نذكر غياب الطلاب المستمر عن المتابعة اليومية للدروس المباشرة أو عدم المبالاة لتحميل تلك المحاضرات و الأشغال التطبيقية. بالإضافة إلي ذلك الإفتقار أحيانا للحصول علي وسائل الإتصال بشبكة الإنترنت التي تعد في مجملها باهظة للبعض و ضعيفة و بها إنقطاع مستمر أو أحيانا التشويش للبعض الآخر, مما تسبب للجميع مصدر إزعاج و ظروف غير ملائمة لتقديم الدروس و الشرح من طرف الأستاذ أو تلقي الطلاب لتلك المواد العلمية. كذلك نذكر عدم نضج بعض الطلاب التي مازالت تمارس تصرفات صبيانية من خلال تعطيل سير الدرس المباشر أو نشر معلومات تغلط زملائه لمنعهم من متابعة الدروس عن بعد. إجمالا مازالت الإمكانيات محدودة في البنية الرقمية و التكنولوجيات لبعض الدول و الظروف المادية لبعض الطلاب متدهورة مما تقف كحجز زاوية إعاقة و تحد من نسبة النجاح و المواصلة قصد إستعمال تلك المنصات للتعليم عن بعد زمن الكورونا.
صحفي وباحث اقتصادي من تونس