كتب معد فياض
ماذا كان يضر رؤساء الحكومات العراقية السابقين لو تصرفوا مثلما فعل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع إقليم كوردستان العراق؟ ماذا كان يضرهم لو أنهم تواصلوا مع قيادة الإقليم وزاروا محافظاته واستمعوا لمشاكل الناس وعملوا بإخلاص على حل الملفات العالقة بين بغداد وأربيل.
الكاظمي، وببساطة، تصرف بصورة طبيعية، كوردستان جزء مهم من البيت العراقي الكبير، وأهلها الكورد هم مواطنون عراقيون حالهم حال أي مواطن عراقي، وقيادته المنتخبة من قبل الشعب الكوردي هم من يمثلونهم، وكان لا بد من إجراء حوارات اعتيادية غير متشنجة، ولا تقوم على ردود فعل أو أحقاد مسبقة، بل بفهم منفتح وبروح وطنية مخلصة لحل جميع الاشكالات العالقة بن المركز والإقليم.
كلنا نعرف كيف كان يتصرف رؤساء الوزراء السابقون مع إقليم كوردستان قيادة وشعباً، حيث تعامل بعضهم، خاصة نوري المالكي وحيدر العبادي، مع كورد العراق وكأنهم غرباء عن الوطن الذي هم أهله وسكانه الأصليون قبل وصول العرب إلى وادي الرافدين بحملات ما عرفت بالفتوحات الإسلامية قبل ما يقرب من 1300 عام. المالكي هو من شرعن قطع الميزانية عن الإقليم وحرم الموظفين من رواتبهم، بل فعل الأكثر من هذا عندما فتح أبواب الموصل أمام عصابات تنظيم داعش لتهديد كيان الإقليم، بينما ذهب العبادي إلى أبعد من ذلك عندما أمر القوات العراقية، التي مهمتها حماية العراق والدفاع عن كل حدوده، بشن هجوم على قوات البيشمركة في كركوك، وكلف ذلك ضحايا من كلا الطرفين العراقيين.
الكاظمي مواطن عراقي، ويعتز بعراقيته، وهو مثل غيره من غالبية العراقيين يعتبر كورد العراق مواطنين لهم حقوقهم المقدسة وعليهم واجبات نبيلة، وبالتأكيد هو يعرف الكورد أكثر ممن سبقه إلى منصب رئاسة الوزراء، حيث عاش بينهم ومعهم وتربطه علاقات طيبة مع قيادات الإقليم وشعبه، وله أصدقاء من كتاب ومثقفين كورد، وغالباً ما أكد قائلاً “الكورد أهلنا”، وكانت القيادة الكوردية، وعلى رأسها نجيرفان بارزاني، رئيس الإقليم، أول من دعم ترشيحه لرئاسة الحكومة لوطنيته وعدم تورطه بأي ملف من ملفات الفساد والتخريب والقتل، بهذه الروح تعامل مع ملف العلاقة بين بغداد وأربيل.
بعد سلسلة اجتماعات ولقاءات بين وفود حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، حرص الكاظمي خلالها على العمل بجدية لتنقية المياه بين بغداد وأربيل وعودتها إلى مجاريها الطبيعية، قرر زيارة إقليم كوردستان، كما زار البصرة وغيرها من مدن العراق، مؤمناً أن الإقليم هو جزء مهم من البيت العراقي الكبير، وقد وجد الترحاب المخلص من قيادة وشعب الإقليم، وخلال يومين من العمل المتواصل، زار رئيس الحكومة الاتحادية، أربيل واجتمع بزعيم الحزب الديموقراطي الكوردستاني، مسعود بارزاني، ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، ليتوجه إلى دهوك، مواصلاً رحلته إلى أبعد نقطة في حدود العراق، زاخو، ليعود ليجتمع في اليوم التالي مع رئيس الإقليم نجيرفان بارزاني قبل أن يتوجه إلى السليمانية ومن هناك إلى حلبجة. مثل هذه الرحلة في أرجاء الوطن، لم يبادر إليها أي رئيس وزراء أو رئيس برلمان، مثل هذه الرحلة تحتاج إلى مسؤول عن البلد يتمتع بروح وطنية ورؤية شاملة وموضوعية للحفاظ على وحدة البلد والاهتمام برعيته أينما كانوا في خارطة العراق.
قادة إقليم كوردستان شرعوا أبواب الإقليم أمام الكاظمي ليس باعتباره رئيساً للحكومة الاتحادية فحسب، بل كعراقي مخلص لقضايا شعبه، وكأخ للكورد، كما للعرب والتركمان وبقية المكونات العراقية، وتفاعلوا معه ومع طروحاته، دون أي عقبات ليسهلوا له مهمته حتى وإن تنازلوا راهناً عن بعض المطالب.
لقد تصرف قادة إقليم كوردستان بشجاعة وبروح عراقية من أجل الحفاظ على البلد ووحدة الشعب، لأنهم لمسوا في الكاظمي إرادة حقيقية لحل جميع الإشكالات بين الإقليم والبيت العراقي الكبير، وهذا ما تم بالفعل.
سياسي كوردي قال لي، إن القيادة الكوردية تفاعلت مع الكاظمي بترحاب كبير وأزالت العقبات في مراحل الحوار حرصاً على العراق وشعبه، مشيراً إلى أن هناك رؤساء وزراء أساؤوا للإقليم، لهذا لم يتمكنوا من الوصول إلى حدود أربيل.
الكاظمي يدرك أن أمن واستقرار العراق يكمن بإزالة حقول الألغام بين بغداد وأربيل، وحل كل الملفات المثيرة للجدل، ويتصرف بروح المسؤول عن البلد وشعبه، وهذا سر من أسرار تاييد العراقيين لبرنامجه الإصلاحي.
المصدر / موقع رووداو