– عبدالسادة البصري / العراق
هذا المقطع الشعري الذي نردده دائماً للشاعر السيّاب ، والذي يصور غابات النخيل ومنظرها الرائع عند السحر ، ظلّ يدقّ برأسي وأنا أستقلّ السيّارة ذاهباً الى مدينة الفاو قبل يومين ، حيث عادت بي الذاكرة الى سبعينات القرن الماضي حينما كانت تحفّ بالطريق غابات النخيل من أبي الخصيب وصولاً الى آخر نقطة في جنوب الفاو. كانت السيارات آنذاك تمرّ بين بساتين النخيل التي تشكّل ( سوباطاً ) جميلاً وحديقةً غنّاء من الفواكه والخضروات تبعث في النفس انتعاشاً وراحة لا مثيل لهما ، تجعلك لا تشعر بطول الطريق، فيما المنظر الخلّاب يسحرك ويأخذك بعيداً في خيالاتٍ وصور لا مثيل لجمالها ، كما ينعشك النسيم الذي يهبّ محمّلاً بعطر الزهور الفواحة ليدغدغ أنفاسك ساعتها..
اليوم تمرّ بين مقابر وجذوع خاوية ومساحات من الملح والسباخ كأنك تمشي في الصحراء. فمنذ ثمانينات القرن الماضي وبسبب الحرب العراقية الإيرانية مات أغلب النخل. وفي التسعينات جرت عمليات التجريف وقلع فسائل ما بقي من النخل لنقلها الى حدائق وبساتين بيوت أركان النظام المقبور مما زاد الخراب خرابا !
البصرة التي كانت تشتهر بغابات نخيلها المتنوع الثمار من ( قنطار، برحي، بريم، ساير، حلاّوي ، خستاوي …الخ) صارت تستورد التمر من دول الجوار.. واكتمل الخراب بعد 2003 بزراعة النخيل في الجزرات الوسطية للشوارع وبعض الحدائق بحجة تشجيرها وتركها بلا سقي حيث يجف نسغها وتصبح جذوعا خاوية !
الشارع الممتد من سفوان وحتى ساحة سعد تمت زراعة جزرته الوسطية بالنخيل الذي جيء به من بساتين أبي الخصيب تراه اليوم يبكي نخيله الذي مات شيئا فشيئا !
كذلك الشارع العام الممتد على طول مدينة القرنة باتجاه محافظة ميسان والذي تم تشجيره بالنخل أيضاً ليترك خراباً وجذوعا يابسة !
يقال إن بعض دول الخليج تمنح مخصصات لكل نخلة تُزرع ــ أقصد لكل زارع نخلة ــ لغرض الاعتناء بها جيداً ، ونحن نقتل النخيل بقلعها ونقلها لزراعتها في الجزرات الوسطية ثم نتركها بلا سقي ولا عناية حتى تذبل وتموت.. يا للأسف !
إذا أردنا أن نجدد أغانينا الجميلة عن النخيل وغاباتها حقاً، علينا أن نضع خطّة ودراسة جدّية لكيفية زراعتها والاعتناء بها ، وتشجيع المزارعين والفلاحين على ذلك. كما علينا أن نحدّ من عملية قلعها من أماكنها الأصلية وزراعتها في أماكن لا تصلح لها ، إضافة الى حثّ الناس على زراعتها في حدائقهم والبساتين المجاورة لبيوتهم، وشرح أهمية النخلة التي كتب عنها الشعراء أجمل القصائد وعزف لها الملحنون أعذب الألحان وصدحت حناجر المطربين بأجمل الكلمات ، كي نظلّ نردد :” البصرة بيها الزبير.. بيها النخل بيها الخير” .