المصدر / يورونيوز
لمدة ست سنوات على الأقل، بقيت مئات الأطنان من مادة نيترات الأمونيوم مخزّنة في مستودع متصدع في مرفأ بيروت، من دون أن يتحرك أحد لنقلها رغم التحذيرات، إلى أن وقعت الكارثة: إنفجر المستودع ملحقا أضراراً هائلة بالعاصمة وقتل أكثر من مئة شخص وجرح الآلاف.
وغداة إعلان رئيس الحكومة حسان دياب أن المستودع كان يحوي 2750 طنا من نيترات الأمونيوم، أقرّ مجلس الوزراء إعلان حالة الطوارئ لمدة أسبوعين في بيروت. وطلب من السلطة العسكرية فرض “الإقامة الجبرية” على المعنيين بالملف، ممن أشرفوا على تخزينه وحراسته، تزامناً مع فتح تحقيق قضائي بالموضوع. وكانت سلطات مرفأ بيروت والجمارك والأجهزة الأمنية على علم بأن هناك مواد كيميائية خطيرة مخزنة في المرفأ.
في العام 2013، توقّفت الباخرة “روسوس” في مرفأ بيروت قادمة من جورجيا في طريقها إلى موزمبيق. كانت محمّلة بمادة نيترات الأمونيوم الكيميائية، وفق ما قال مصدر أمني لوكالة فرانس برس.
ومادة نيترات الأمونيوم عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يُستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية، وتسبّب بعدد من الحوادث الصناعية منها انفجار مصنع “إي. زد. أف” في مدينة تولوز الفرنسية عام 2001. وبحسب تقديرات مصدر أمني، تعادل “القدرة التدميرية” للشحنات التي كانت موجودة في المستودع، “بين 1200 و1300 طن من مادة تي أن تي”.
بحسب موقع “مارين ترافيك” لمراقبة حركة السفن، وصلت السفينة التي كانت ترفع علم مولدوفيا في 20 تشرين الأول/ نوفمبر 2013 إلى بيروت، وبقيت هناك.
ورجّحت مصادر أمنية عدة لفرانس برس أن تكون السفينة مرّت على شكل ترانزيت في بيروت. لكن خلال توقفها، ادعت شركة لبنانية لدى قاضي الأمور المستعجلة على الشركة المالكة لها، فتمّ الحجز عليها من القضاء، ثم إفراغ حمولتها، لأنها كانت تعاني من أضرار واهتراء. وغرقت السفينة لاحقاً أمام مرفأ بيروت.
وأُودعت شحنات نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 المخصص لتخزين البضائع العالقة والمصادرة.
في حزيران/ يونيو 2019، بدأ جهاز أمن الدولة التحقيق في الموضوع، بعدما توالت شكاوى عن روائح منبعثة من المستودع. وذكر في تقريره أن “هناك مواد خطرة من الضرورة نقلها”، وأن مادة سائلة من نوع نيتروغليسيرين السريعة الاشتعال كانت ترشح من المستوعب. لكن لم تتم متابعة المسألة. وأوصى جهاز أمن الدولة في تقريره الصادر نهاية 2019 بإصلاح العنبر والتشققات في جداره.
وأقدمت إدارة المرفأ الأسبوع الحالي على إرسال عمال “لتلحيم” تشققات العنبر، وهو ما رجحت تقارير ان يكون سبب وقوع الفاجعة.
بعد الانفجار، سرّب مدير عام الجمارك بدري ضاهر مضمون رسالة وجّهها في كانون الأول/ ديسمبر 2017 إلى قاضي الأمور المستعجلة لتحديد مصير الشحنات. وجاء فيها إنه يكرّر طلبه إعادة تصدير أطنان نيترات الأمونيوم. وأشار في رسالته أيضاً إلى إمكانية بيع المادة لشركة لبنانية بعدما قالت قيادة الجيش إنها ليست بحاجة إليها.
وقال مصدر قضائي لفرانس برس إن صلاحية القضاء اقتصرت على “النظر في قضية حجز الباخرة ومصيرها ومسألة عودتها من حيث أتت، في حين أن لا علاقة له بتخزين المواد الذي يخضع لقوانين وأصول”.
وقال الصحافي الاستقصائي رياض قبيسي الذي أجرى تحقيقات عدة عن الفساد في مرفأ بيروت لفرانس برس إن الجمارك تحاول رفع المسؤولية عنها بعدما كان يجدر بها إعلام الحكومة والمسؤولين بأمر الشحنات. ويقول “كان يجدر مراجعة الحكومة للتواصل الدبلوماسي مع بلد المنشأ أو بلد المقصد”.
ويضيف أن ما حصل يُظهر “حالة الترهل والفساد في جسم الجمارك، وهو أحد أبرز الجهات التي تتحمّل المسوؤلية، لكنه ليس المسؤول الوحيد”، متسائلاً “هل تمّ التواصل مع الجهات المختصة للسؤال عن أصول حفظ هذه المواد وكيفية تخزينها؟”.
واصدرت منظمة العفو الدولية بيانا جاء فيه “أيا كان سبب الانفجار، ومنها احتمال أن يكون ناتجاً عن كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم المخزنة بطريقة غير أمنة، تدعو منظمة العفو الدولية إلى وضع آلية دولية.. للتحقيق في ما حدث”.
على موقع “تويتر”، تداول ناشطون وسم “علّقوا المناشق”، منددين بفساد السلطات وإهمالها، محملين إياها مسؤولية الكارثة التي حلت على العاصمة.
وكتب أحدهم “دمروا أحلامنا، فليدمرهم الله”. وأرفق آخر صورة لزعماء سياسيين بعبارة “عليكم أن تدفعوا ثمن حرق قلوب الأمهات ومستقبل الشباب ورعب الأطفال”. وقالت لينا داوود لفرانس برس خلال تفقدها حي مار مخايل قرب المرفأ “الزعماء هم أعداء الوطن، يقتلوننا… قتلوا كل شيء جميل، جعلوا من لبنان جهنم”.