زيد الحلي
كم تمنيتُ ان تكون لسطوري التالية ، اصوات قنابل ، او زئير اسد حتى يسمعها من بيده الأمر .. هي سطور غاضبة حملني اياها مواطن من اهوار الناصرية .. اتمنى ان يصغي اليها من يحمل جرح العراق ، فهي تتحدث عن بؤس طال امده ، يشبه عود كبريت اذا ولع لا ينطفئ أبدا.. وهذا المواطن ، هو صدى لآلاف العوائل ، وقد تعرفتُ اليه ، حين شاركنا مع وفد كلية الاعلام بجامعة بغداد ، مبادرة أهالي منطقة سوق الشيوخ مهرجانهم الأول المسمى “رحلة نيسان” في العام المنصرم .. قضينا بينهم وقتا من المعايشة الدقيقة ، ولمسنا شهامتهم وكرمهم ..
ابكاني هذا المواطن ، حين حدثني عن البؤس الذي يعيشه حاليا كرماء الهور العراقي ، بعد ان عزف الناس عن شراء منتجاتهم من الحليب ، بسبب الاوضاع الصحية المعروفة ، وتشهد مياه الاهوار يوميا مجزرة تتمثل برمي اطنان الحليب فيها ، تخلصا منها ، وهناك العشرات من الابقار والجاموس حبيسة المرض الذي اصاب ” ضرعها ” بسبب عدم الاستمرار في حلبها .
مواطن الهور يعيش بؤساً حقيقيا ، فالجاموس والبقر مصدر دخله الاول ، وليس لديه وظيفة أخرى ، وقبل مجيء الغضب الاسود ” كورونا ” كان سعر ٣٠ لترا من الحليب بحدود 30 الف دينار، اما اليوم فصار ( ان حصل البيع ) 15 الف دينار ، وهذا السعر لا يسد ثمن النقل من الهور الى مكان التسويق ..وبات مواطن الهور يلجأ الى بيع ابقاره وجواميسه لتوفير قوت عياله ..
لقد صح تطابق قول لقمان الحكيم على اهالي الهور حيث ذكر : ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة : الشجاع في الحرب، والكريم في الحاجة، والحليم في الغضب.. فالبؤس يُولد الغضب ويُولِّد كل شيء، ابتداءً من الانكسار حتى الانفجار. ففي أيام البؤس يصبح مذاق الحليب مرا !
السادة : رئيس الوزراء ، رئيس مجلس النواب ، رئيس الجمهورية .. اسمعوها من صحفي … ان اليأس اخطر الاعداء في المجتمع وان الحل بيدكم ، ويمكن ان تتخذوه اليوم ” الخميس ” ليصبح نافذا الاحد .. مع الدوام الرسمي !
ومقترحاتي بسيطة قابلة للتنفيذ هي :
1ــ الطلب الى معامل الالبان المنتشرة في عموم المحافظات التوجه الى قرى الاهوار ومراكز جمع الحليب بسياراتهم المبردة ، لاسيما شركة البان ابي غريب الحكومية ، لشراء الحليب ، لاستعماله في منتجاتهم بدلا عن الحليب المجفف المستورد .. وبهذا الاجراء يمكن ان نقدم للمواطن غذاء طازجا صحيا من منتوج محلي مليء بالفيتامينات بدلا من الحليب المجفف المحتوي على المواد الحافظة والمنكهات.
2ــ ايقاف استيراد الحليب السائل والقيمر والاجبان وبقية المشتقات التي ملأت برادات المولات والاسواق والدكاكين في كل مدن العراق ، فالإنتاج المحلي يمكن ان يغطي احتياجات العائلة العراقية .. لاسيما ان اطنان الحليب التي توفرها الابقار والجاموس العراقي كثيرة ، وبالإمكان فتح باب التصدير الى الخارج ..
3 ــ الامتناع عن استيراد المثلجات التي يكون الحليب جزأها الاساس ، والزام المعامل العراقية ومحلات صنع المثلجات استعمال الحليب العراقي.
اخيرا ..ليسأل المسؤولون الذين ذكرتهم آنفا ، كم هي كلفة استيرادنا من هذه المنتجات .. انه رقم مخيف بالدولار ، وقريب من ما نقترضه من الدول !
الا يستحق المواطن العراقي ايقاف هذا الهدر طالما ان المنتج المحلي متوفر ؟
عمود للكاتب ” همس وصراخ” في صحيفة الصباح البغدادية