هذه المقالة، غير المنشورة، هي الأولى، والوحيدة، في سلسلة مقالات أراد الكاتب هشام الهاشمي ، قبل اغتياله، أن يقارب فيها عبرجريدة «الأخبار» اللبنانية ، «البيوتات» السياسية العراقية وتحدياتها في العام 2020
الخلفيّة
بعد سقوط العاصمة بغداد، في نيسان/ أبريل 2003، شاركت الأحزاب السياسية «السُنّية»، الإسلامية والقومية والليبرالية، للمرّة الأولى، في العمليّة السياسية. طوّرت تنظيماتها وبرامجها السياسية على أسس غربية منتفعة من مراكز الأبحاث الغربية، رغم التناقض بين المطالب الجماهيرية السياسية لهذه الأحزاب والحركات والتجمعات، والتوجهات السياسية لنظام الحكم العراقي في مراحل «ما بعد 2005». وقد عمدت الأحزاب «الشيعية» المسيطرة إلى استغلال نفوذها في الحكم، وملاحقة قيادات مركزية «سنية» إسلامية وليبرالية، باستخدام بعض القوانين الخاصة بـ«الإرهاب والنزاهة» (2006 – 2013)، التي تحظر تأسيس أحزاب أو حتى ممارسة العمل السياسي بحرية، وبشكل علني، وتحدّ من نشاطها، كما حدث مع عدنان الدليمي ومحمد الدايني ورافع العيساوي وجمال الكربولي وظافر العاني وخميس الخنجر وعمر الكربولي وأثيل النجيفي وأحمد عبد الله الجبوري وسليم الجبوري وحمدي حسون…
واجهت القيادات «السنية» مشكلة غياب الرمز أو مرجعيّة بإمكانها مسك خيوط «وحدتها» عند الاختلاف/ الصراع، بسبب فتن الداخل والتحديات الخارجية والداخلية التي واجهت النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، والتي دفعت مناطق ومحافظات «العرب السنّة» إلى دعم الحراك السياسي لتلك الأحزاب بطريقة متشائمة وغاضبة، مع رفض غير جازم لمشاريع الإقليم أو المقاطعة الكاملة للعملية السياسية. حصل معظم الأحزاب «السنية» السياسية على دعم خليجي وإقليمي ودولي، مادي ومعنوي وسياسي، وقد مكّنها من المناورة مع شركاء أكثر تنظيماً ولديهم ضابط إيقاع. أصبح لديها شراكة بنسبة 28 إلى 30 في المئة من المحاصصة الحكومية والبرلمانية. قسمةٌ رضي بها «سنّة مجلس الحكم» بعد عام 2003، وأصبحت لعنة متلازمة مع وجودهم في النظام السياسي، وهذا ما عزّز من نقدهم والغضب على النظام السياسي الحاكم في مراحل عديدة، كان أبرزها نهاية عام 2012، مع تراجع مزاجهم في التعايش والتشارك مع الأحزاب السياسية «الشيعية» في ذروة «الربيع العربي».
بعد عام 2003، احتاج النظام العراقي إلى الاستقرار والدعم الاقتصادي والعسكري والمعنوي والسياسي، لمواجهة تحديات التحوّل من الديكتاتورية إلى الديموقراطية، إضافة إلى التحديات الإقليمية المتمثلة في الجوار العراقي، خصوصاً إيران وسوريا والخليج، ومواجهة التحديات الداخلية المتمثلة في العمليات المسلحة ضد الاحتلال الأميركي، والدخول في صدام مع طيف واسع من الشارع العراقي المتعاطف معهم. لذلك تغاضى الاحتلال عن نشاط الأحزاب «الشيعية» والكردية، مقابل تشدده تجاه الأحزاب «السُنّية» بشكل عام، والأحزاب اليسارية والسياسية التي تساند المقاومة بشكل خاص، في محاولة منه لتجنّب مخاطر هذه التحديات.
جاء التحول إلى الديموقراطية والمشاركة السياسية محاولة من الاحتلال والنظام السياسي من أجل إشراك الأحزاب «السنية» و«الشيعية» والكردية والثقافات الأخرى والقومية وغيرها في اتخاذ القرار وتداول السلطة بطريقة سلمية، لكن بشرط أن تشارك النظام السياسي الجديد في محاولاته مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتجنب مخاطر تهديدها للنظام، وتهدئة الشارع السياسي «السنّي» و«الشيعي» المقاوم. كما هي الحال بعد أحداث عام 2005 وأحداث عام 2008، وحتى مرحلة اعتصامات المحافظات السنية 2012 – 2013. لم يكن التحول إلى التعددية السياسية خياراً سياسياً، لا لنظام الحكم ولا للأحزاب السياسية القومية والليبرالية والإسلامية، فنظام الحكم الذي تسيطر عليه الأغلبية السياسية «الشيعية» حاول من خلال القوانين والأنظمة والتشريعات تقييد النشاط السياسي والحزبي للأحزاب «السنية» والكردية والأقليات، ولم يعط الحق لهذه الأحزاب في ممارسة تداول السلطة من خلال الانتخابات التشريعية، فقد تمسك بعرف سياسي لا قانون له؛ أن تكون رئاسة السلطة التنفيذية بيد الأحزاب «الشيعية» حصراً. كما أنها لم تكن خياراً سياسياً للأحزاب «السنية» والليبرالية من خلال ارتباطها القومي والمادي والمعنوي لجهات إقليمية وخارجية لا تؤمن بسيطرة الأحزاب «الشيعية» المنسجمة مع إيران والمشاركة السياسية، رغم أن الأحزاب «الشيعية» تنص في أنظمتها الداخلية على الديموقراطية وتداول السلطة، فإنها لم تأخذ بالديموقراطية في ممارساتها العملية داخل أجهزتها، وظهر ذلك واضحاً في انتخابات 2010 حينما أخذت رئاسة الوزراء من التحالف «السنّي» بقرار قضائي وأعطيت إلى التحالف «الشيعي»، ولم تأخذ بتداول السلطة أو المشاركة السياسية منذ نشأتها رغم مناداتها ومطالبها من النظام السياسي بتداول السلطة والديموقراطية.
أطراف «البيت السُنّي»
كانت المشاركة السياسية والحزبية عام 2010 ضحية عدم الثقة والاختلاف بين نظام الحكم وأحزاب السنّة، فالأحزاب هذه تظهر العداء والتهديد لنظام الحكم، ويبادلهم نظام الحكم هذه السياسة، ففي دفاع كل طرف عن شرعيته واستمراره كانت هناك محاولات عام 2011 لحل الحكومة، لكن المحاولة فشلت.
لم تستطع الأحزاب «السنية» في انتخابات 2018، رغم مساندة النظام السياسي لدورها، صناعة تحالف موحّد، فقد انقسموا إلى «عروبي سنّي» و«ليبرالي سنّي»، وفقدوا التأثير في التحول للمشاركة السياسية الديموقراطية في نشاطها العلني والسرّي مع الحشد العشائري والمناطقي الصاعد شعبياً بعد تحرير مدنهم من «داعش»، ولذلك استحوذ «التشيّع السياسي» على مدنهم انتخابياً، وحتى على مستوى المناصب التنفيذية العليا في المحافظات.
إضافة إلى ما تقدم، هناك عدد من التحديات السياسية، والمالية والقانونية والذاتية، التي تواجه الأحزاب السياسية «السنية» بشكل عام، والتحالفات السياسية «السنية» الداعية إلى صناعة رمز أو مرجعية «سنية» بشكل خاص.
على الأحزاب «السنية»، الليبرالية والقومية والإسلامية، التي كانت وما زالت تنتقد نظام الحكم الذي تسيطر عليه الأحزاب «الشيعية» الإسلامية، وتحاول إقامة نظام سياسي بديل، تسخير برامجها وأيديولوجيتها للمساهمة في حكم الدولة العراقية ومؤسساتها، ليطمئن النظام إلى أهداف هذه الأحزاب، ويسيروا معاً باتجاه المشاركة السياسية وتداول السلطة.
المطلوب من الحكومات العراقية في عام 2020 تطوير وتحديث الأطر التشريعية، والقوانين الناظمة لنشاط الأحزاب السياسية التي حدّت من نشاطها، وأثرت في قدراتها وبنائها التنظيمي، خاصة في مرحلة احتجاجات تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، من أجل مشاركتها في التنمية السياسية، وتدعيم الديموقراطية والمشاركة السياسية وتعزيز الثقة بين الأحزاب والدولة، لأن العلاقة كانت وما زالت بين الأحزاب والحكومات علاقة تنقصها الثقة، فكل طرف يلقي باللوم على الطرف الآخر، فالحكومات تتهم الأحزاب بقصور برامجها وضعفها، وعدم تمكنها من إقناع الشعب بالانتساب إليها، في حين تتهم الأحزاب الحكومات بإعاقة الديموقراطية والمشاركة السياسية؛ نتيجة إجراءاتها وقوانينها المعطلة للأحزاب. لذلك، يجب على كل طرف التنازل عن مواقفه لتقريب وجهات النظر، وإعادة الثقة بينهما، للمساهمة في إيجاد ديموقراطية وتشاركية سياسية حقيقية لتطوير الحياة الديموقراطية.
تتطلب المرحلة الحالية والقادمة توحيد الأحزاب السنية بمشاربها كافة داخل تحالف بمجلس قيادي له تنظيمه السياسي وخطابه الواضح، وهذا ممكن عندما يتوافق كل من الحلبوسي والخنجر والنجيفي على رؤية موحدة تمكّن «المكوّن السنّي» من الثقة بهم ومساندتهم انتخابياً وسياسياً تحت مسمّى «التيار الوطني السنّي»، لتستطيع منافسة التيارات الأخرى وتشكل قاعدة جديدة جماهيرية ديموقراطية، وتنافس في المشاركة السياسية، وصولاً إلى تداول السلطة.
المرجعية الفقهية السنية
لقد عمل نظام «البعث»، منذ عهد الرئيس أحمد حسن البكر، على أن لا يجعل لسنّة العراق مرجعية شرعية، بل المفتي أصبح في عالم النسيان، والشعور السنّي به في مكان آخر. المفتي في زمان «البعث» صوفي، وينبغي أن يكون قريباً من علاقات وتزكية القيادي في حزب «البعث» عزة الدوري، أمثال الشيخ عبد الرزاق السعدي والشيخ رافع الرفاعي، والواحد من هؤلاء محاط بمجموعة من المخابرات والأمن الصدامي، وهم من يفتون في أذنه ويقولون له ماذا يفعل وكيف يتصرف وربما بما يفتي!
منذ عام 2004، حاول الشيخ حارث الضاري الوصول إلى توحيد زعامة الإفتاء لسنّة العراق، من خلال زعامته لـ«هيئة علماء المسلمين»، لكنه حين خرج عن رؤى «الإخوان» وخطابهم السياسي نبذه معظمهم، فترك العراق، وروّجت الأحزاب «السنية» وخطباء الوقف السنّي بالضدّ من خطابه السياسي، ودفاعه عن الحل بالمقاومة المسلحة، في أكثر من حوار على قناة «الجزيرة» وغيرها.
حاول «الإخوان المسلمون»، بعد الضاري، توحيد المرجعية الفقهية من خلال «مجلس علماء العراق»، لكنهم فشلوا، حتى جاءت فكرة إنشاء «المجمع الفقهي» برئاسة العلامة أحمد حسن الطه، الذي لا يرى فصل الفقه الديني والمدارس الدينية عن الاتجاهات السياسية، وهم يراهنون على دعم الوقف السنّي للمجمع الذي فيه من خيرة علماء وشيوخ أهل السنّة («الإخوان» والسلفية والصوفية) وأنهم راهنوا على نجاحه، ولكن المؤسف أن ثمن الصورة التي صنعها نظام «البعث» عن مفتي سنّة العراق هو إفشال مشروع صناعة أكثرية سنية تتبع وتلتف حول مرجعية فقهية سنية متمثلة في «المجمع الفقهي» لكبار علماء سنة العراق.
أمّا السلفية، فكانت لهم محاولة في صناعة دار إفتاء خاص بهم نهاية عام 2003، جاء بها الشيخ العلامة صبحي السامرائي والشيخ عبد الحميد الراشدي والدكتور محمود المشهداني والدكتور فخري القيسي والشيخ مهدي الصميدعي والشيخ عبد الستار الجنابي… وأسّسوا ما يعرف بـ«الهيئة العليا للدعوة والإرشاد والفتوى»، لكنهم فشلوا لأسباب عديدة، من أبرزها: التمويل، لكونهم ليس لديهم دعم من الوقف السنّي، وانشغال معظم شيوخ الهيئة بقتال الأميركان، وانقسامهم في موضوع العمل السياسي والموقف من الديموقراطية وحكم كتابة الدستور وحكم الدخول في البرلمان والحكومة!
وأمّا الصوفية، فهم منذ البداية اعتمدوا على تقاليد أسّسها لهم نظام «البعث» في رئاسة دار الإفتاء المعروفة عندهم بـ«مفتي الديار العراقية»، حيث تولى بعد العلامة عبد الكريم المدرس هذا اللقب أكبر تلاميذه، الشيخ جمال عبد الكريم الدبان، الذي ترأس دار إفتاء الصوفية حتى عام 2007، وبعد وفاته تم اختيار الشيخ رافع الرفاعي، المشهور بمواقفه المناصرة لحزب «البعث» – جناح عزة الدوري.
وأما آل السعدي، فهم مع امتلاكهم ذخيرة العلم، والتقدّم به، إلا أنهم عرفوا بنصرتهم للعمق العروبي السنّي، وسعيهم وراء عزل التأثير الفقهي التقليدي عن العمل السياسي، وخير شاهد على ذلك فشلهم في قيادة الحراك الشعبي «السنّي»، وفتواهم المتناقضة بحرمة المشاركة في الانتخابات عام 2014.
وأمّا الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي، فإنه صاحب جراءة على نقد الصحابة، ولسانه في مدح الشيعة أكثر منه في السنّة، أفقده قبوله عند عامّة سنّة العراق، فضلاً عن تاريخ تحولاته الفكرية بين فكر جماعة «التحرير» والفكر الإخواني والصوفي أحياناً و«التشيّع السياسي» في أحيان أخرى.
الثنائية السياسية السنية
يعدّ وصول الشاب الليبرالي السياسي محمد الحلبوسي إلى رئاسة البرلمان بمثابة تجربة مفيدة ومثمرة لفئة الشباب الليبرالي التي كانت منزعجة من احتكار الأحزاب الإسلامية «السنية» والمتحالف معها حصراً، حيث تنقل بين محمود المشهداني، الإسلامي السلفي، وإياد السامرائي، عن «الحزب الإسلامي»، ثم أسامة النجيفي، المحافظ القومي المتحالف مع الإسلاميين، ثم سليم الجبوري، عن «الحزب الإسلامي». ويفترض مراجعة قادة التيارات الإسلامية، وأيضاً التيارات القومية والليبرالية، لهذا الصعود المفاجئ الذي حدث في وقت تراجع التيار السياسي الإسلامية «السني»، لكي يستخلصوا دروساً وعِبراً تساعدهم في عملهم السياسي المستقبلي.
كما تنتمي كتلة الحلبوسي إلى تصنيف الأحزاب «السنية الليبرالية» ذات العمق القومي التي تعج بالانشقاقات، إلى جانب تنامي التنافس مع حليف سابق، الشيخ خميس الخنجر، الذي يعتبر أحد أهم الأطراف الذين أزاحوا الأحزاب الإسلامية «السنية» من المشاركة في قيادة «البيت السياسي السني» واحتكار أهم مناصب التمثيل السني بحسب عرف المحاصصة.
ومن ثم انتخابات 2018 أخرجت لنا ثنائية جديدة لقيادة «البيت السياسي السني»، ثنائية رئيسية وأخرى ثانوية، الحلبوسي «الليبرالي» والخنجر «القومي»، بمعية الحلبوسي ثنائية أحمد عبد الله أبو مازن وفلاح زيدان اللهيبي، بمجموع 61 نائباً برلمانياً، وبمعية الخنجر ثنائية النجيفي ومثنى السامرائي بمجموع 14 نائباً.
تمثّل الخبرة التي يرتكز عليها الرئيس الحلبوسي بمعية ثنائية في التعامل مع الوجود السياسي الليبرالي عاملاً مساعداً في احتواء الأحزاب السنية الأخرى ذات المشارب العشائرية واليسارية والدينية، وتحسين المناخ المناطقي السنّي لدعم الاستقرار وإعادة الإعمار من خلال هدوء مثمر مع القوى«الشيعية» القريبة من إيران، وتفاعل معلن مع المصالح الأميركية وحلفائهم في العمق العربي.
وتمحورت إشكالية الشيخ الخنجر بمعية ثنائيته في تكامل العلاقة بين «السنة» كقومية عربية في العراق و«السنة» كمجتمع مقلد فقهياً لمذاهب أهل السنة والجماعة كمذاهب عقائدية وفقهية للأغلبية العربية السنية، مع الحذر من العلاقة مع التيارات السياسية الإسلامية السنية، وكذلك بحث إمكانية التعايش بين القوى السياسية العربية «السنية» والقوى السياسية الكردية والقوى السياسية المقرّبة من إيران، من دون انقلاب أو إحداث تغيير بالعنف.
ثنائية الرئيس محمد الحلبوسي والشيخ خميس الخنجر، ممكن إذا ما اتحدت أن تصنع رمزية سياسية لديها قدرة على استيعاب الديموقراطية التوافقية بمنهج ليبرالي كمناخ عام للقوى «السنية»، الدينية وغير الدينية، التي تريد أن تشارك في العمل السياسي في إطار بنية النظام السياسي الجديد، سلمياً ومن دون عنف.
التحالف بين هذه الثنائية سوف يساعد على الإجابة عن عدد من التساؤلات هي: كيف تستطيع القوى السياسية الدينية وغير الدينية تأسيس رمزية سياسية مسيطرة تشبه إلى حد ما رمزية البيت السياسي الكردي تقدر على التنافس في المناخ الليبرالي للدولة والوصول إلى شراكة تناسب وزن جماهير تلك الأحزاب انتخابياً في الحكم؟ وما هي أهم تجليات هذا الاتحاد أو التحالف وسماته؟ ومتى وكيف تنشأ الرمزية «السنية» العربية الليبرالية العراقية؟ وهل الديموقراطية التوافقية والنظام الليبرالي هما المناخ الصحي الوحيد الذي يمكن أن تتنفس منه القوى «السنية» العربية؟
وأخيراً، هل يمكن اعتبار «تحالف القوى السنية» بالمعنى التنظيمي الذي اعتدنا أن نتحدث به عن تحالفات البيت السياسي الكردي، أم هو تحالف ليبرالي استخدم «تكتيكات» براغماتية لن توصله إلى صناعة تحالف استراتيجي، وهو بناء رمزية سياسية «سنية» عربية مسيطرة على محافظات الغالبية العربية «السنية»؟
إذا ما نجح تحالف ثنائية الحلبوسي والخنجر، فإنه قد تظهر تجلياته فيما يلي:
أ- منهجية جديدة في صناعة رمزية قيادية لـ«البيت السياسي السني» وعملية تعديل موقف التمثيل السني حكومياً وبرلمانياً، استخدم قوة تحالف الثنائية في «التعبير الإصلاحي»، وهو الذي يغلب فكرة مشاركة غالبية المكون، أكثر من تغليبه لفكرة العشائرية أو الفقهية المذهبية، في عملية الإصلاح والانطلاق منه.
ب- يعبّر تحالف الثنائية عمّا يطلق عليه «الليبروإسلامي»، بمعنى عدم فرض الدولة الدينية بل تعددية فكرية بغالبية من المحافظين المسلمين، ومن النقطة نفسها التي يجاورهم فيها البيت السياسي الكردي و«البيت السياسي الشيعي» المتساوي معهم في الحقوق، ومن ثم فإن التفاوض والتفاهم والوصول إلى حلول وسط هي السبل للحكم.
ج-قد يتبنى تحالف الثنائية المفترض مفهوم «الديموقراطية الليبرالية المحافظة»، وهي نظام سياسي واجتماعي يوفق بين الليبرالية والدين من جانب، والقيم الديموقراطية والقومية من جانب. فهي ترفض الخطاب السياسي القائم على الثنائيات التي تفرض رؤية سياسية أحادية أو انفصالية أو دينية متشددة تلغي ما سواها.
د- ويقدّم التحالف المفترض للنظام السياسي القائم ثلاثة إنجازات:
1- اللامركزية في نقل الصلاحيات للمحافظات ذات الغالبية السنية العربية وتخفيف الضغط على الحكومة المركزية، عبر الفصل بين حدود ومهام الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية.
2- ترسيخ الخطاب المعتدل وتمكين الديموقراطية وإنجاز العدالة الانتقالية والاجتماعية.
3- تعدد مصادر الدخل والاقتصاد الاتحادي الذي تقدمه الحكومات المحلية في تلك المحافظات باعتبارها تمتلك اقتصاداً زراعياً وصناعياً وثروات معدنية وغازية ونفطية كبيرة وموارد بشرية وخبرات متعددة.