* جاسب عبدالمجيد
يروي نيل فيليب في إحدى أساطيره , أن ملكاً يُدعى ميداس كان يعاني داء الحماقة , وكلما خرج من حماقة , ارتكب واحدة أخرى , وآخر حماقاته أنه راح يعبد ” بان ” إله البراري الموحشة , الأمر الذي أغضب ” أبوللو ” العظيم , وكان ” بان ” يعزف الألحان الريفية البسيطة , ولمّا كان الناس يستمعون إليه , أخذ يتفاخر بأنه موسيقار أفضل من ” أبوللو ” إله الموسيقى , حتى دعا إلى مسابقة يفصل فيها إله النهر ” تمولوس ” , وبعد أن استمع ” الفيصل ” إلى العازفين , لم يتردد في منح اللقب ل ” أبوللو ” , لكن ميداس احتج قائلاً : عزف ” بان ” هو الأفضل , فرد ” تمولوس ” مفسرا :
لا يمكن أن تكون استمعت إليه جيداً يا ميداس .
قال ميداس : أذناي عل ما يرام ..
غضب ” أبوللو ” عند سماع هذا الكلام وقال : آذان البشر لا تصلح لك إذا كنت تستخدمها على هذا النحو , وأعطى ميداس أذني حمار , ثم قال له : الآن تبدو كالحمار الذي هو أنت . خجل ميداس من أذنيه الجديدتين , وحاول أن يخفيهما عن الناس بلفّهما بعمامة , لكن حلاقه اكتشف سرّه . لم يجرؤ الحلاّق على أن يُخبر أحداً بعاهة الملك ميداس , لكنه لم يقدر على الاحتفاظ بشيء مثير كهذا لنفسه , لذا حفر حفرة في البّر وهمس بالسّر للأرض , ثم دفنه تحت التراب .. نبتت مجموعة من القصب حيث حفر الحلاّق الحفرة , وعندما مرّت الريح خلالها تنهدت وقالت : للملك ميداس أذنا حمار .. للملك ميداس أذنا حمار .. للملك ميداس أذنا … عندما علم ميداس أن سرّه قد شاع , مات من العار .. إلى هنا انتهت الحكاية , لكن ما لم ينته بعد , أن الكثيرين من وسطنا السياسي والبرلماني العراقي ما زالوا يعتقدون أن الأسرار يمكن أن تبقى أسراراً مدى العمر دون أن يكشفها أحد , فالأرض تحكي , والماء يروي , والأشجار تسرد قصصاً عجيبة غريبة , لأن الصدور لم تعد تتسع لهذا الكم الهائل من الأسرار التي تُفرض عليها المختلف في واقعنا عن أساطير الأولين , أنه عندما يُكتشف سر في حجم سر الملك ميداس لا أحد يموت من العار .. دعونا نعمل بشرف ونزاهة من أجل وطننا , لكي نتجنب كشف الأسرار المشينة , فإنها شائعة لا محالة , وتذكروا أن الحقيقة كالشمس لا بد أن تشرق , واعلموا أيضاً ان استخدام آذاننا على النحو الصحيح يجنّبنا استخدام آذان الحمير .
رئيس تحرير جريدة البريد الدولية