كتب / فؤاد الصياغ *
إنعقدت مؤخرا ثلاثة قمم متتالية بمدينة مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية من 29 إلي 31 ماي 2019 و ذلك لتقييم البيت العربي الداخلي و دراسة المتغيرات الإقليمية خاصة منها تزايد نفوذ الحوثي و أعماله العدائية تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية و صفقة القرن و الخلافات العربية الداخلية. إذ علي الرغم من التشرذم في المواقف و إختلاف الأولويات بين القادة العرب, إلا أن التوافق الجدي من أجل التصدي بالقوة العسكرية ضد مجموعات الحوثي لم تتم بالفعل. بالنتيجة كانت لقمة مجلس التعاون الخليجي التي إنعقدت يومي 29 و 30 من أفريل 2019 بمثابة إجتماع مصغر للم الشمل و لو غابت فيه دولة قطر من خلال غياب قائدها تميم بن حمد آل ثاني مع الإقتصار بتمثيل دبلوماسي محدود جدا عبر وزير خارجيتها و بعض المسؤولين. أما القمة العربية الطارئة التي دعي إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لم تكن في مداولاتها تلبي للمستوي المنتظر, و هذا يعبر بكل وضوح عن التخبط و الوهن الداخلي الذي أصبحت تعاني منه أغلب الدول العربية. و أخيرا كانت قمة منظمة التعاون الإسلامي مجرد حفلة لشرب القهوة و الشاي بعد الإفطار و إستكمال السهرة حتي الإمساك و كل دولة تغني علي موالها من إستنكار و إستغراب أو من تأييد و رفض و الجميع يسبح في مستنقع وحل لا يقدم و لا يؤخر و لا يسم من جوع. أما المراهنة علي الجانب الأمريكي و الإسرائيلي فهو يعتبر في مجمله وهم خارجي لأنه من المعروف عن تلك الدولتين أنهما يتلاعبان بالجميع و عندهما أوراق تفاوضية و أجندة إستراتيجية تخدم فقط مصالحهما الداخلية خاصة منها السياسية و الإقتصادية.
قمة مجلس التعاون الخليجي
إنعقدت قمة مجلس التعاون الخليجي بمدينة مكة المكرمة في أجواء يسودها التشاؤم من الوضع الداخلي نظرا للوهن المتراكم أو التفاؤل بالدور الأمريكي في المنطقة نظرا لذلك الحشد العسكري الضخم. إن التصدع الذي يشهده اليوم ذلك المجلس يعتبر نذير خطرا داهم علي أمن المنطقة برمتها بحيث تعتبر الملفات الداخلية العائق لكل دولة منها الأزمات المالية و إرهاق ميزان المدفوعات بأعباء إضافية لتمويل الحروب في سوريا أو اليمن, كذلك تزايد عمليات الإبتزاز الأمريكية من خلال دفع “فدية للعم سام ترامب” تحت شعار المال من أجل الحماية. فهنا يكمن مربط الفرس فعلي سبيل المثال تتدخل دولة الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية في شؤون داخلية لدول عربية أخري و تسعي بكل طاقاتها المادية أو العسكرية لإجهاض التجارب الديمقراطية من الخليج إلي المغرب و قلب أنظمتها علي بكرة أبيها مع دعم الحكومات العسكرية الإنقلابية. فهذه الهلوسة لم تكن منبعها الإمارات أو السعودية بل هي في الأصل هلوسة و جنون عظمة للعم ترامب المغروم بألعاب الفيديو الحربية و أعمال قطاع الطرق الأمريكية المعروفة “بالكوبوي”. فالسياسة الخارجية الأمريكية تغيرت جذريا تجاه منطقة الشرق الأوسط بحيث أصبحت تعتمد علي الإبتزاز المالي المتزايد و فرض الأجندات المستقبلية إما بالترهيب أو بالترغيب. بالنتيجة إنعكست تلك التأثيرات علي دول مجلس التعاون الخليجي مما زادت من فرقتها و تراكم أزماتها و إبتزاز أموالها. أما في المقابل أصبحت دولة قطر المعزولة و التي تعيش في ظل حصار ظالم من قبل الإخوة العرب بعيدة عن دائرة تلك المتغيرات الإقليمية بحيث تعتبر أولوياتها الحالية هي إنجاح تظاهرة إحتضان كأس العالم 2022. فالوهن الخليجي ضد تصاعد أعمال التخريب من قبل مجموعات الحوثي المدعومة بأسلحة روسية الصنع و تحت حماية إيرانية تعتبرفي مجملها كابوس يؤرق ذلك المجلس الذي مازال يراهن علي الوهم الأمريكي كالمخلص و الضامن لإستقرارها و لإزدهارها. فإكتفاء مجلس التعاون الخليجي بالشجب و الإستنكار للأعمال التخريبية التي طالت السفن التجارية الإماراتية في مياهها الإقليمية أو لأنابيب النفط السعودية هو بمثابة جرعة دواء مسكن أو تهدئة ضد قوة الحوثي المدعوم من قبل جهات أجنبية تسعي بالقوة لفرض التوازن الإقليمي بالمنطقة.
قمة جامعة الدول العربية الطارئة
تعاني أغلب الدول العربية من مشاكل داخلية متراكمة خاصة بعد ما يسمي بالربيع العربي و الذي إتضح مؤخرا أنه كان ربيعا عبريا بإمتياز. فمصائب قوم عند قوما فوائد بحيث خربت الحضارات و دمرت البني التحتية لأغلب الدول العربية و زرعت الفرقة و الصراع داخل البيت الخليجي و بين الأخوة العرب و إنتشرت الإنقلابات العسكرية كظاهرة عدوي بين تلك البلدان إنطلاقا من مصر إلي السودان و الآن في طور تشكلها بليبيا. فتلك الإنقسامات الداخلية و الإختلافات في المواقف و تزايد المتغيرات الإقليمية أصبحت تشكل في مجملها الوهن بعينه داخل أغلب تلك الدول العربية التي أصبحت تعاني من الأمرين عصيان مدني و تمرد شعبي و أزمات إقتصادية و سياسية. أما أعمال الحوثي لم تكن هي أيضا بعيدة عن طاولة القمة العربية بحيث تم الإكتفاء بالوعد و الوعيد مع إستعمال لهجة التصعيد و التهديد ثم في النهاية الشجب و الإستنكار بحيث تلك الإسطوانة مازالت تعمل إلي الآن. إذ تبين للعالم كله من خلال تلك القمة الإستثنائية و الطارئة و التي خرجت بإدانة لفظية بسيطة لأعمال الحوثي الذي إستهدف بطائراتها الصبيانية و المصنوعة من الورق المقوي و البلاستيك خط أنابيب النفط السعودي و إستهدفت السفن التجارية الإمارتية بمتفجرات أحدثت أضرارا بسيطة, فبالنتيجة إتضح أنه هناك وهن حقيقي داخل البيت العربي مع مراهنة علي الوهم الأمريكي بحيث “تمخض الجمل ليلد فأرا”. فالإستغراب الكبير لمجموعة من الدول العربية و الخليجية التي تحظي بدعم عسكري رهيب و غريب و تسليح بأحدث الطائرات و البوارج و الدبابات و الصواريخ تقدما تكنولوجيا يتمثل في عجزها عن ردع مجموعات الحوثي اليمنية الصغيرة. بالتالي يمكن القول أن تلك الصفقات الخليجية من أجل التسلح كانت مجرد صفقات مالية و الرابح الأكبر هي الولايات المتحدة الأمريكية. فهنا يبرز الوهن العسكري و الإقتصادي و الأمني العاجز كل العجز عن تشكيل جبهة عسكرية عربية موحدة تضم قوات عربية مشتركة يقع تسليحها لتقوم بغزو اليمن و تخليصها من سيطرة الحوثي الذي يعتبر عبثي من منظورها. أما بخصوص دولة إيران فهي تعتبر قوة ردع بالمنطقة بحيث لم يتم ذكرها بالإسم أو إدانتها عمليا من قبل رؤساء الدول العربية بحث تم الإكتفاء بشجب أعمالها من قبل الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مع تقدم دولة العراق بسحب تأييدها عن كتابة البيان الختامي. إذ أن الوهم الخارجي الكبير كان متمثلا في المراهنة علي الدور الأمريكي في المنطقة الذي هو في الأصل يخدم فقط مصالحه و مصالح دولة إسرائيل و يسعي إلي تفوقها عسكريا و إقتصاديا و إقليميا, و لعل أبرز دليل علي ذلك هي تلك الهدية لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو المتمثلة في خريطة جديدة لدولته ضمت القدس و هضبة الجولان و مستوطنات بالضفة الغربية. فهذا الرهان الفاشل سيعمق من الجرح العربي و يزيد من فرقته و سيخلق المزيد من الفوضي في المنطقة. عموما إيران تعتبر جزء من الحل و ليست من المشكلة و هي قوة حقيقية و صديقة الجميع و دورها دفاعي فقط بحيث تساهم في خلق التوازن في المنطقة و في السيطرة علي النفوذ الإقليمية. بالنتيجة أفضل طريق للإستقرار و عودة الهدوء بالمنطقة هو طريق السلام و الحوار و التوافق بين الأخوة العرب فالعدو الحقيقي يكمن في الأنانية و حب الذات و النقمة و الحسد علي إنجازات الأشقاء العرب. فإيران هي دولة إسلامية و كان من الأجدر توجيه لها دعوة رسمية لقمة منظمة التعاون الإسلامي وفقا للبرتوكول الدبلوماسي و ذلك من الأجل الحوار و تحفيزها علي الحد من تصعيد مليشياتها في المنطقة.
قمة منظمة التعاون الإسلامي
من أبرز النقاط التي جاءت في قمة منظمة التعاون الإسلامي يتمثل في رفض أغلب البلدان العربية و الإسلامية لمبادرة عملية السلام و المعروفة بصفقة القرن تحت الرعاية الأمريكية. فالتوافق العربي و الإسلامي جاء ليثبت من تمسك جميع الدول الأعضاء بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين و إقامة دولة علي حدود أراضي 1967 مع التضامن مع موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمقاطعة قمة المنامة الإقتصادية بدولة البحرين وذلك لنصرة القضية الفلسطينية. بالنتيجة يعتبر ذلك الوقف مشرفا في إنتظار التنفيذ الفعلي علي أرض الميدان إنطلاقا من مقاطعة قمة المنامة الإقتصادية إلي التمسك بالوثيقة الختامية للقمة كمرجعية لعملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية. أما مراهنة بعض الدول الخليجية عبر هرولتها نحو التطبيع مع دولة إسرائيل و إتباع خطوات الشيطان نتنياهو فهي ستؤدي بهم كلهم إلي الهاوية. إذ في هذا السياق بدأت تتشكل ملامح سقوط مستقبل نتنياهو السياسي بعد فشله الذريع في تشكيل حكومته الخامسة الجديدة بعد فوز حزبه الليكود في الإنتخابات الأخيرة ضد حزب أزرق – أبيض و ذلك عبر قراره حل الكنيست و إعلان إنتخابات مبكرة في شهر سبتمبر المقبل من هذه السنة 2019 و ذلك يعد أبرز دليل علي تزايد المتغيرات بالمنطقة و التي ممكن أن تحدث تغيير ميداني في حالة تمرير تلك الصفقة. فالمراهنة علي الوهم الخارجي الأمريكي أو الإسرائيلي كمنقذ أو حمامة سلام تحقق الإزدهار بالمنقطة كله يعتبر سرابا مما سيزيد من الوهن الداخلي العربي.فالسبيل الوحيد للسلام يختزل في “الأرض مقابل السلام” و ليس “الإزدهار الإقتصادي مقابل السلام”, فأساليب مغالطة الرأي العام العربي تعتبر مشينة لذلك يجب وضع النقاط علي الحروف و توضيح تلك الصفقة المشبوهة للشعوب العربية حتي يتبنوا من أمرهم و من يسوس حكمهم. فالمدلول اللفظي للصفقات يستعمل في إدارة المال و الأعمال مثل الصفقات المالية و التجارية بحيث تمثل صفقة القرن الحالية عملية بيع و شراء يعني بالأحري بيع المستوطنات بالضفة الغربية لدولة إسرائيل مقابل هبات و دعم مالي و مشاريع تنموية بالنية التحتية و ذلك كله بأموال خليجية.