كانت رحلتنا ( في الرابع من آذار عام 2012 الساعة الثانية عشر ظهراً ) ممتعة برفقة السياسي سهاد بابان الذي تبرع ليقلنا انا و الروائي عبد الستار ناصر وزوجته الروائية هدية حسين بسيارته الى مدينة ويستن الكندية، وتحديداً الى مطعم كهرمانة حيث القاعة معدّة لاستقبال عبد الستار ليحيي فيها أمسية أدبية.
في السيارة دار الحديث حول شؤون ثقافية متعددة، غلب الحديث فيه للأستاذ عبد الستار والاستاذ سهاد حيث ان الست هدية كانت مشغولة البال بأبطال روايتها الجديدة التي بدأت بكتابتها، أما أنا فقد كنت أركز على ما يدور
بين المتحدثَين المثقفَين وأتساءل: “ألن يكون الحال أفضل في العراق لو أمسك أمثال هذين الغيوريَن على الوطن بزمام السلطة السياسية هناك؟ تنهدتُ بحسرة وما أكثر الحسرات حين يغيب الأمل!!
وصلنا الى المكان المنشود ودخلنا المطعم، ولأننا أبكرنا في الوصول، جلسنا نحتسي الشاي ونتقاسم رغيفاً من الخبز الحار أعطته لي السيدة الخبازة من فرن المطعم. بدأ الناس يتوافدون ويدخلون الصالة متجهين أولاً صوب مقاعدنا للترحيب بالاستاذ عبد الستار وزوجته؛ فها هو الفنان التشكيلي جميل شمعون يتجه بابتسامته المعهودة صوبنا ليتخذ مقعدا بجانب هدية، والاعلامي الكبير ماجد عزيزة يلوّح بيده من بعيد ويقبل علينا بنسخ من العدد الأخير لمجلته نينوى، ويتخذ مقعدا بجانب عبد الستار، وذاك هو الاديب والصديق كريم شعلان المسؤول عن ادارة الأمسية ثم المخرج أحمد شكري العقيدي والممثل الموهوب فضلي الجبوري فالاعلامي أكرم سليم ثم الكاتب عبد الأمير شمخي ترافقه زوجته وابنته الجميلة، كذلك عدد كبير من السيدات والسادة المثقفين والأدباء يحيّون عبد الستار ثم يتجهون للقاعة الكهرمانية التي امتلأت بهم.
استهل الامسية الاستاذ سهاد بابان بكلمة موجزة نيابة عن تيار الديمقراطيين العراقيين في كندا شرح فيها بايجاز اهداف التيار وسماته في زمن الديمقراطية المتاحة (ان شاء الله) في العراق وحث فيها العراقيين أينما يكونوا على روح التعاون والمساهمة من أجل عراق أفضل وخال من الفساد والارهاب.ضجّت القاعة بتصفيق الحاضرين حينما أعلن كريم شعلان عن صعود الروائي عبد الستار المنصه؛ صعد بخطوات وئيدة حذرة، جلس وبدأ يقرأ علينا من روايته الطاطران. ابن الطاطران لازال يحنّ بشغف لأزقته الضيقة وبيوته التي تعلوها سمات فقر الحال لكن بغنى النفس. الطاطران يتكلم عن نفسه من خلال عبد الستار، ذلك الطفل الذي تربى في بيئة علمته كيف يرقب بحب كل ما يحصل فيها ويحرص على كل انسان وشئ فيها، ها هو يكره الغرباء الذين يتطفلون على الزقاق ثم يطلبون الزواج من فتيات الحي اللواتي يعتبرهن جزءً لا يمكن الاستغناء عنه مهما يكون السبب حتى ولو كان تزويجهن.
هكذا تكلم عبد الستار عن طفولته وكان صوته هادئاً ينظر الى الحضور بين الفينة والاخرى ويسعف حنجرته برشفات من المياه المعدنية المعبأة في قارورة أمامه ويطلق العبارات الظريفة وسط هدوء الحاضرين وانصاتهم وابتساماتهم؛ صفقوا له وهو يذكر حالات وكلمات لم يقلها سواه، أليست مقولته “الانسان من المني الى المنية” باقية تدغدغ أسماعنا ولازلنا نرددها في مناسبات عديدة؟
بعد استراحة دامت نصف ساعة عدنا لنجلس وعبد الستار لتنهال عليه الأسئلة التي شملت أغلب المواضيع التي كتب عنها، وهو يجيب بحب وأناة، ورغم الألم والارهاق فهو لم يتوانى عن قبول الدعوة لإحياء أمسية بهذا الحجم، وحينما تعلق السؤال الذي طرحته القاصة نيران مصطفى عن كيفية معالجة مسألة الخوف عند الكاتبة العراقية، أجاب عبد الستار “إمّا أن يكتب الكاتب بجرأة أو فليترك القلم لغيره، رسالتنا أن نفعل ما لا يقدر الآخرون أن يفعلوه”، وهنا أضافت الست هدية، كتداخل خفيف الظل، بعضاً من خبرتها الأدبية حول هذا الموضوع .
بانتهاء الأسئلة انتهت الأمسية بورود قدمتها كلاًّ من الجمعية العراقية الكندية وتيار الديمقراطيين العراقيين في كندا للأستاذ وزوجته وتجمع الحضور متتاليين ليلتقطوا صورا تذذكارية معهما. عدنا مع سهاد بابان الى هاملتون لكن هذه المرة رافقنا الكاتب والاعلامي ابراهيم الحريري. كنا مرهقين إلا أنني والست هدية واصلنا حديثنا الشيّق في السيارة حول عدة أمور تتعلق بالنساء والكتابة وبدا الطريق قصيراً الى حيث يسكن كلٌّ منا وانتهى يوم اعتبره من الأيام القليلة الجميلة التي سترقد في ذاكرتي طويلاً.
*كاتبة عراقية مقيمة في كندا
المصدر:عن موقع ساحات التحرير