فادي عيد
اذا كانت سوريا تمثل ملعب لصراع اقليمي ودولي شرس بكل ما تحمل الكلمة من معنى حتى باتت بعض خرائط الشرق الاوسط ترسم خطوط طولها وعرضها حسب توقيت دمشق، فالصراع فى ليبيا لا يقل ضراوة بين اقطاب السياسة الدولية عن الصراع فسوريا.
وهنا يجب علينا أن نتذكر جيدا تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما قال خلال الحوار التلفزيونى الذى أجراة يوم 17 ابريل 2015م “أن العلاقات مع الولايات المتحدة انتهت بعد الاحداث فى ليبيا وليس بعد احداث شبه جزيرة القرم”. ولذلك قلنا عن الحرب الليبية منذ اليوم الاول هى بداية معارك الكبار (الولايات المتحدة وروسيا).
فالرئيس الروسي بأخر عامين ظل يبحث عن موطئ قدم ثاني بالمياة الدافئة بالبحر المتوسط، ولكن تلك المرة ليست فى اللاذقية بل كانت بشمال افريقيا، حتى قدمت وزارة الدفاع الروسية اكثر من عرض على كلا من مصر وليبيا والجزائر لانشاء قاعدة عسكرية لها بسواحل تلك الدول تحديدا فى غرب الاسكندرية وبنغازي وأم البواقي، ولكن فى كل مرة كانت تلك الدول الثلاث ترفض فكرة وجود قواعد عسكرية اجنبية على اراضيها، حتى جاء توقيع اتفاق تبادال الاجواء واستخدام المطارات العسكرية بين وزارة الدفاع الروسية ونظيرتها المصرية بنهاية نوفمبر الماضي، الامر الذى جعل جيميس ماتيس وزير الدفاع الامريكي يقوم بزيارة سريعة للقاهرة بعد يومين على توقيع تلك الاتفاقية كي يعرف حقيقة ما يدور.
وكما تم استخدام ورقة مصر من بوتين بالملف السوري لاتمام الهدنة بحمص والغوطة الشرقية وجنوب دمشق وتنفيذ مؤتمر ضخم بوجود أعيان القبائل العربية بشرق سوريا العام الماضي، كذلك يتم استخدام ورقة روسيا من السيسي بالملف الليبي، بعد أن تم توقيع اتفاق تبادل الاجواء واستخدام المطارات بين البلدين، وما تلاه من تصريحات من موسكو بخصوص رفع حظرها عن تصدير السلاح لليبيا بعد الانتهاء من عملية توحيد المؤسسة العسكرية فى ليبيا، وهو الامر الذى تقوم به مصر عبر احتضانها لاجتماعات متتالية بين كافة ابناء المؤسسة العسكرية الليبية أخرها كان الاجتماع السادس فى العشرين من مارس الماضى.
وهو المشهد الذى جعل موقف الامريكي فى ليبيا “رد فعل” على غرار ما حدث معه بسوريا، وزيارة فايز السراج لواشنطن بنهاية العام الماضى التى جائت مخيبة الامال له ولروما ولحكومة رئيس الوزراء الاسبق وقتها باولو جينتلوني أكدت ذلك، وهى نفس الخيبة التى تحصل عليها البنتاجون بعد ان رفض المشير خليفة حفتر مشاركة قوات الافريكوم الامريكية للجيش الليبي فى عملية تحرير درنة، ورفض حفتر عروض السراج على حساب السيادة الليبية.
وبالتأكيد بعد تغير الوجوه فى روما على اثر نتائج الانتخابات الاخيرة سينعكس ذلك الامر على شكل الملف الليبي حتى وأن كان التغيير نسبيا، ولكن بعيدا عن روما، فكما كانت روسيا والولايات المتحدة فى معادلة خاصة “معادلة الكبار” بالحرب السورية بعيدا عن المعادلات المتشابكة المعقدة التى شملت ايران وتركيا واوروبا وبريطانيا والخليج، فروسيا والولايات المتحدة فى معادلة خاصة ايضا فى ليبيا بعيدة تماما عن المعادلة التى تشمل الصراع بين فريقي، الاول “مصر، السعودية، الامارات، فرنسا” والفريق الثاني “ايطاليا، تركيا، قطر”، حتى وان كان اسم الولايات المتحدة وروسيا لا يتردد كثيرا فى الملف الليبي، بحكم تلجيم الاطراف الاقليمية الداعمة للمشير خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي بقدر المستطاع لأي اطماع فى ليبيا.
فلدى روسيا رغبة واضحة بأن تضع قدم لها بشمال افريقيا وبجنوب البحر المتوسط، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد تفويت فرصة التواجد بسواحل شمال افريقيا كي يضع الاسطول الامريكي السادس المرتكز فى نابولي وأقوى التشكيلات العسكرية البحرية لحلف الناتو بمنطقة جنوب الناتو فى مرمى البحرية الروسية، ويوسع من حضور البحرية الروسية فى البحر المتوسط، ويؤكد التواجد من اللاذقية شرقا وحتى بنغازي غربا، وبالمقابل لدى الولايات المتحدة التى اعادت احياء اسطولها الثاني ردع روسيا فى كل بقعة بالارض.
باحث و محلل سياسى من مصر
fady.world86@gmail.com