أسماء محمد مصطفى
ـ كيف تسقي شجرتك بالإيجابية .. كيف تعزز إيجابيتك بالقراءة النوعية ؟
اغمض عينيك بهدوء ، إبعد كل ضجيج عن ذهنك في هذه اللحظات ، وتخيل حياتك عبارة عن شجرة .. كيف شكلها ؟ ما ألوان أوراقها غير الأخضر ؟ نعم ، المعتاد أنّ لون الورق أخضر ، ويتحول الى الأصفر عند اليباس ، وثمة أوراق بألوان أخرى في مكان آخر من العالم ، لكن شجرة خيالك هي شجرة واقعك وحياتك وألوان أورقها أنت تحددها .. حياتك تشبه الشجرة .. نبتة تُسقى وتنمو ، ولكنها أيضا تختلف في ألوان الأوراق .. أوراقك متنوعة في أشكالها وألوانها .. قد تكون الألوان القاتمة أقل من البهيجة ، وقد تكون أكثر .. كيف إذن تجعل أغلب أوراق الشجرة يانعة ؟
قوِ الجذع .. الجذع لشجرة الطبيعة هو المرتبط بالأرض عبر الجذور ، وهو حامل الأغصان والأوراق ، فماهو جذع شجرة حياتك ؟ إذا كانت الجذور هي الأساس ، فإنّ الجذع يمثل بناء شخصك .. والجذور هي الأخلاقيات التي تنطلق منها سلوكياتك ، والماء الذي تسقى به الشجرة هو المحاولة عندما يتعلق الامر ببنائك او نمو شجرة حياتك .. المحاولة هي الرواء الروحي لشخصك .. والأوراق هي إنجازاتك وبصماتك وعلاقاتك وأفكارك ومشاعرك .. فماذا ترى أنت من سمة تجعلها جذعا تنطلق منها لبناء حياتك وأفكارك وعلاقاتك ؟! ماذا تحتاج لتنمو الشجرة ؟ قلنا المحاولة .. فما الذي يجعلك تحاول ؟ الإرادة الإيجابية هي من يدفعك لذلك ؟ لماذا ربطت الإرادة بالإيجابية ؟ الجواب ، ببساطة لأنّ ثمة إرادة سلبية تتمثل بالشر واليأس والإحباط ونشر الطاقة السلبية بين الآخرين .. فالإرادة التي اتحدث عنها هي التي كتب عنها العالم النفسي بول جاغو في كتابه سلطان الإرادة .. وهو هو اول كتاب أقرأه في حياتي وكنت في عمر الطفولة المبكرة وبقي خالدا في ذهني .. يقسم بول جاغو إرادة الحظ الى ثلاثة أقسام او إرادات: إرادة المعرفة ، إرادة العمل ، إرادة الخير .
بمعنى أنّ الحظ او في الاقل جزءًا منه نحن نصنعه بحسن النية وصفاء السريرة والصدق مع الذات ومن ثم مع الآخرين .. وكذلك العمل المخلص .. تصادفنا ظروف صعبة وأناس سلبيون ، وهذا أمر طبيعي يحدث للجميع ولكن هل يتصرف الجميع بالأسلوب نفسه معها ومعهم (الظروف والناس) ؟ بالتأكيد لا . ثمة من يتعامل بقوة وثمة من يستسلم الى درجة بيع مبادئه او التخلي عنها بحجة واهية : إنّ الكل هكذا .. ولكن لماذا تختار أن تكون مجرد رقم لاقيمة له ضمن قطيع الكل ؟ لماذا حين يتكاسل زميل لك في العمل تتراجع همتك ؟ لماذا لاتكون همتك نبراساً له وللغير كي تكون أنت القاعدة والمتكاسلون هم الشواذ ؟ لماذا لاتختار أن تكون متفردا وإن لم يعجب الكل .. الحياة وجود ، والوجود معنى .. فلاتُضِع المعنى . لحياتك معنى حين تؤمن بمقدراتك ، وتسعى للخير ، وتبادر ، وتعمل ، وتفكر بابتكار او أسلوب ما يميزك عن الآخرين . أنت قائد من قادة المستقبل لهذا المجتمع ، وإن لم تكن من سماتك القيادة ، لابأس فلايُخلق الجميع قادة ، المهم إنك إنسان مسهم في البناء .. ابدأ البناء من الآن .. إتخذ دورك من الآن .. الآن هو الحاضر والمستقبل .
ربما تضايقك العثرات والعوائق التي تصادفها في طريقك نحو هدف ما ، لكن تذكر أنّ لها فوائدها ، فإما إنها وجدت لتعلمك او تعزز من الإصرار والمقاومة والإرادة فيك كي تستمر وتكتسب الخبرة في حالة الفشل ، وإما إنها تنعطف بك الى طريق آخر هو بالأساس هدفك الحقيقي في الحياة .. ذلك الهدف الذي ربما لم تنتبه له في البداية او لم تدرك أنه يتوافق مع مقدرتك وموهبتك ورؤيتك او أخذتك مشاغل الحياة او ظروفها بعيدا عنه ثم أعادتك اليه العثرات .. وعليه لاتشعر باليأس او الإحباط او العجز بسبب عثرة قد تكون بداية نجاح .
أحبب سواك ، لتجذب محبة الآخرين اليك .. لاتستعجل الحكم على الأشياء والأشخاص والمواقف والأحداث .. فكر بعدة احتمالات .. فأحيانا لاتتمكن العين من رؤية ماهو أبعد من الأنف .. فكيف بإمكان الإنسان أن يرى لمدى أوسع ؟ الجواب .. القراءة النوعية ، فهي التي تضيف الى المرء خبرات ، فضلا عن تجاربه في الحياة ، تضيف الى خزينك مفردات جديدة ، والمفردات تحلق في خيالك كالعصافير وتخرج في شكل سلوكيات إيجابية .. اقرأ .. كل مالايحتوي على الكره .. تجنب التطرف ، ركز على أن تقرأ مايشعرك بالراحة والمحبة والسلام . اسأل الأكبر سنا او الأكثر منك خبرة وتجربة وثقافة عن نوعية الكتب التي يفترض بك قراءتها لتزيد من خزينك المعرفي والاخلاقي .. وأؤكد على الاخلاق لأنها هي الماء الذي تسقي به شجرة حياتك ، لتنمو وتثمر .. أغمض عينيك الآن وتخيل شجرتك وأخبرني ماتكتب على أوراقها ..
لقد رسمت ابنتي الأشجار في لوحات مختلفة وفي معظمها أسمتها شجرة الحياة .. احدى اللوحات شجرة فيها أوراق ملونة .. قالت لي ببراءتها إن الورقة الحمراء هي الحب ، والصفراء السعادة ، والأزرق العمل ، والأخضر الراحة ، والأبيض النقاء ، والأسود الهيبة .. الخ .. هذه بعض أفكارها عن شجرة حياتها .. أضربها مثالا وأنا أعطيكم تمرينا بسيطا لتخطوا على الورقة شجرة حياتكم بالكلمات او الرسم .. بدءا من الأخلاقيات التي تتمسكون بها او تودون أن تحتويها الشجرة مرورا بأحلامكم وتعاملكم مع الآخرين بموضوعية وحكمة وذكاء ولباقة ولياقة ، وصولاً الى الرضى عن ذواتكم حيث نقطة تصالحكم معها ..
ارسموا شجرتين .. واحدة هي حياتكم وأفكاركم وقيمكم وعلاقاتكم ومشاعركم الآن .. وواحدة هي ماتتمنون أن تكون عليه حياتكم .. املؤوا أوراق الشجرتين بواقعكم وحلمكم .. وانطلقوا الى الحياة .. بأمل جديد .. ومحاولات جديدة ..
* هذا المقال يمثل خلاصة محاضرة ألقيتها في ورشة عمل تحمل عنوان (شجرة الحياة ، والرسم بالكلمات) ، موجهة الى الأطفال والفتيان والشباب ، ضمن نشاط شبكة الحياة لوحة رسم .