عبدالله خليفة – المنامة
في كتابه” دين ضد الدين ” يفرق علي شريعتي بين نمطين من الدين، نمط الدين القديم، ونمط الدين الجديد، فالصراع في رأيه ليس بين الدين بشكل عام، واللادين، فهو لا يتصور وجود فترة انتشرت فيها التصورات اللادينية ــ فحتى الدهرية التي أنتجها الوعي الإيراني على مدى عدة قرون، تتضاءل في تصوره وتشحب، لأن هذا الوعي لا يصور التضادات بموضوعيتها المباشرة، بل يصورها داخل قالبه الإيديولوجي ــ بل بين الدين والدين، بين الدين في سيرورته الدائبة، باعتباره الحركة الفكرية الوحيدة في التاريخ البشري، فكل ما عدا الدين هو شيء خارج الوعي الإنساني، ولهذا فالصراع لا يتشكل إلا بين صورة قديمة للدين وصورة جديدة.
يظهر الدين بصورة جديدة حين يكون ديناً ثورياً مضاداً لدين قديم محافظ يعبر عن قوى الأقلية المتميزة. ]الدين الثوري هو دين يغذي اتباعه ومعتنقيه برؤية نقدية حيال كل ما يحيط بهم من بيئة مادية ومعنوية، ويكسبهم شعوراً بالمسؤولية تجاه الوضع القائم يجعلهم يفكرون بتغييره[، ] السابق، ص40 [. وهذا الدين الثوري في تضاد مع ] الدين الذي أنكر دائماً مسئولية الناس وحقهم في تقرير مصيرهم وبرر الوضع الظالم عبر التاريخ مستغلاً بذلك معنويات الناس وشعورهم الديني القوي الخ..[، ] ص 79 [. يحدد شريعتي التضاد بين الدين الثوري الذي يعمل من أجل التغيير والدين المحافظ الذي يوقف تطور الأوضاع، عبر لغة رغم ملموسيتها، فهي لغة مجردة، فلا نعرف الأسباب التي جعلت الدين الثوري يختلف عن موجات الدين الثورية السابقة عبر التاريخ، إلا بعبارات أخلاقية فهو دين زود معتنقيه برؤية نقدية، لكن لا نعرف القوى الاجتماعية التي ظهر معها هذا الدين، أو الفلسفة الخاصة التي شكلها، بحيث ينتج علاقات اقتصادية واجتماعية جديدة، فهو دين ثوري لكنه لا يقوم باستبدال علاقات اقتصادية واجتماعية متخلفة، بعلاقات أخرى جديدة بحيث تؤدي إلى تطور نوعي في التاريخ، و بحيث لا يصبح كثور الساقية.
أما الدين المحافظ في تحليله فهو يبرر الوضع القائم ويمثل أقلية استغلالية، لكن لا نعرف أية قوى وعلاقات اقتصادية واجتماعية يعبر عنها الدين المحافظ، فنجد تحليلاً، ولكن مجرداً، بحيث إنه يقول إن الدين الثوري يتحول إلى دين محافظ، ثم يظهر دين ثوري آخر، في مواجهة المحافظ وهكذا دواليك دون أن يحدث تراكماً وتحولاً يستبدل هذه اللعبة التاريخية، فلا نعرف لماذا تستمر هذه العملية ولا جذورها الاجتماعية. إنه في مثل هذا العرض الموجز لا يقدم لنا لوحة تاريخية تجسد التطورات التاريخية، لأن اللوحة التاريخية الملموسة المشخصة، سوف تضعنا على التضاريس الموضوعية. فقد كانت العبادة الأولى لأهل منطقة المشرق هي عبادة الآلهة، المفارقة الكثيرة المعبرة عن تلاوين القبائل والشعوب، وحين ظهرت عبادة آلهة الخصب كتموز وأوزوريس، كانت في مواجهة الآلهة الوثنية المفارقة، آلهة الحكام المتسلطين، ولكن الحكام المتسلطين والمستغلين ما لبثوا أن دخلوا في تلك الآلهة الجديدة الخصوبية وجيروها لمصلحتهم، حتى ظهرت المسيحية تتويجاً مناطقياً مشرقياً لذلك، ومحاولة من شعوب المنطقة لطرد الغزاة الرومان، ولكن الرومان الحاكمين صاروا مسيحيين، وحين جاء الإسلام ليُبعد الملأ الأرستقراطي عن السلطة ما لبث الملأ أن تغلغل في الإسلام وسيطر على دولته الخ..
إن اللوحة التجريدية التي يرسمها شريعتي لتطور الوعي الديني في العالم، نحاول أن نركزها في منطقة المشرق، وكذلك نضعها في سياقها التاريخي، وهي إذ تتكلم عن أربعة آلاف سنة، توضح خطورة التفاصيل والنمو المعقد للوعي و البُنى الاجتماعية.إن هذه اللوحة المركبة لم تكن تنمو بهذه الصورة بشكلها التبسيطي، ولكن لتطور طويل وخصب.
كاتب وروائي من البحرين