عبدالله خليفة – المنامة*
(1-1 )
ولد المفكر الإيراني علي شريعتي سنة 1933 في قرية ] مزنيان [ بمدينة مشهد، إحدى مدنأاقليم خراسان بشرق إيران، على حافة الصحراء، وكان والده رجل دين مثقف، ومؤسس لمركز فكري. ورغم كونه من شريحة متوسطة فقد كانت نشأته بين الفلاحين والفقراء، فتشبع بمعاناة شعبية مريرة. وقد نشأ في ذلك الخضم من التحول الوطني في إيران ضد الهيمنة الأجنبية ومحاولات تشكيل حياة ديمقراطية، وقد انضم إلى الحركة الوطنية ــ الدينية، حيث انضم إلى جناح الشباب في الجبهة الوطنية في تيار مصدق، وبعد سقوط مصدق انضم إلى حركة المقاومة الوطنية التي أسسها كل من آية الله زنجاني وآية الله طالقاني ومهدي بازركان.
كان تأثير والده كبيراً عليه، فاستمر في مشروع مركز والده الفكري، لقراءة الإسلام، وقد أرسل إلى بعثة دراسية بالمصادفة إلى فرنسا، وهناك أعاد بناء ذاته الثقافية، يقول عن هذه الفترة: ]وبين فجوة من جدار الجامعة يقفز إلى داخلها بل وفجأة يجد نفسه في قافلة تحمل أولاد الأشراف ومدللي المملكة وزبدة البرجوازية الجديدة في المدينة وأحياناً أولاد خانات الإقطاع الذين أصبحوا عصريين إلى مراكز الحضارة والثقافة والقوة والثروة والصناعة واللهو والقصف في العالم[، ] علي شريعتي وتجديد التفكير الديني، دار الأمير، بيروت، ص 93 [. هذه اللغة الأدبية، المضفرة بين التحليل الطبقي والحس الشعبي والإيمان الديني، ستكون دائماً أداة شريعتي في قراءة العالم، وهي تعود هنا إلى مرحلة التداخل بين العلمانيين الإيرانيين والدينيين، في ذلك الغبش الذي يسبق الافتراق بينهما، والذي يحضر لعملية التغيير الثورية لنظام الشاه. في أوروبا اضطلع شريعتي بتأسيس فرع حركة تحرير إيران التي أسسها كل من آية طالقاني ومهدي بازركان، هذه الحركة الممثلة للبرجوازية الوطنية الإيرانية الليبرالية و الدينية.
هذا التداخل بين الدين والليبرالية، يتجسد هنا في الجمع بين طالقاني وبازركان، طالقاني الديني والقريب من الليبرالية، وبازركان الليبرالي القريب من الدينيين، وهي علاقة كانت معبرة عن ذلك التداخل بين التجار ] رجال البازار [ والقوى الدينية. ولن نجد تجسيداً فكرياً لهذه العلاقة خيراً من علي شريعتي نفسه، فهو الذي يحمل وعي رجال الدين وقد التهب بروح التحرر، وهذه المداخلة بين الدين والحرية ستكون قضيته، فهو يجعل الدين بوابة للحرية، وهو يحرر الدين من العبودية، وهذه النضالية المزدوجة، هي مرحلة جنينية في الوعي الوطني الديمقراطي الإيراني وهو ينمو داخل النظام الإقطاعي طالعاً إلى العصر الحديث.
ولهذا فإن كل قوى الجبهة المعادية لنظام الشاه سترى في علي شريعتي مثقفها، فهو صوتها، لأنه يحمل هواجسها وبراعمها الفكرية، لكن دراسة شريعتي بشكل موضوعي ستكون مسألة أخرى. أعطت المرحلة الأوربية لشريعتي صلاته العلمية والسياسية مع أبرز مثقفي العصر، ومع الحركات التحررية في ذلك الوقت، كجبهة التحرير الجزائرية التي دافع عن كفاحها، وساعدته بعد أن وصلت إلى السلطة للخروج من سجنه في إيران. بعد رجوعه إلى بلده عمل شريعتي في التدريس، وفي هذه السنوات القصيرة ألف أبحاثاً كثيرة، وأشاع وعياً جديداً في إيران، لقي على أثرها مصرعه.
- كاتب وروائي من البحرين